حاوره كامل الشيرازي من الجزائر: يؤكد الفنان الجزائري المعروف quot;علي جبارةquot;، أنّ سنّ قانون للفنان في بلاده كفيل بتصحيح وضع ثقافي يسوء هناك، وفي مقابلة خاصة بـquot;إيلافquot;، يلفت جبارة الذي يرأس quot;الاتحادية الجزائرية للفنانين الجزائريينquot;، أنّ هذا التصحيح الثقافي يقوم في أساسياته على إعادة الاعتبار للفنانين ووضع الثقة فيهم، وليس موجها ضد السلطات.

bull;أسستم مؤخرا quot;الاتحادية الجزائرية للفنانين الجزائريينquot;، إلى أي مدى يمكن لهذا التنظيم النقابي أن يصحح وضع المبدعين في البلاد؟

-نعتقد أنّ النقابة الناشئة يمكن لها لعب أدوار عديدة على صعيد تصحيح وضع ممارسي الإبداع في الجزائر، وأحب أن أوضح أنّ quot;الاتحادية الوطنية للفنانين الجزائريينquot;، وضعت لنفسها هدفا ساميا هو إعادة الاعتبار للفنانين في كل المجالات (مسرح، سينما، فنون تشكيلية، وكذا الأدب)، كما نسعى من وراء النقابة للاعتناء أيضا بفئة طلبة المعاهد الفنية المتخصصة.
أشدد أيضا على أنّ النقابة ليست موجهة ضدّ السلطات، بل هي فضاء ينافح عن الفنانين، ويقطع الطريق على كل من هب ودب للتحدث باسمهم، وأول رهان على درب التصحيح هو استحداث قانون للفنان الجزائري مثلما هو معمول به في جميع الدول العربية والغربية، وهو أهم مطلب كفيل بتصحيح أوضاع كل المبدعين في بلدنا الحبيب، وأشير هنا إلى أنّ عددا كبيرا من الفنانين الجزائريين يعيشون وضعا مزريا ويعانون من تهميش كبير، وهو ما جعلنا نتحرك كمجموعة من الفنانين المعروفين على الساحة الوطنية، وكلّل هذا الحراك بتأسيسنا نقابة بإمكانها حماية المبدعين والدفاع عن حقوقهم.

bull;يشهد قطاع المسرح، على منوال الباليه، الموسيقى وكذا الفنون التشكيلية ألوانا من التدهور والمظالم، ماذا بشأن ما يتردد عن تجاوزات وقعت في قطاع الثقافة؟

-كلنا نعلم التجاوزات الخطيرة التي اقترفها أشخاص يدّعون أنهم فنانون، والدليل أنّ كل الأعمال المسرحية تقريبا التي أنجزت، لم يشاهدها عشاق المسرح في الجزائر، ونضرب لكم مثالا بسنة 2007 التي شهدت إنجاز 45 عملا مسرحيا، لكن للأسف ماتت عند ولادتها والخاسر الوحيد هم الممثلون الذين أمضوا عقودا بمبالغ لا ترقى للإمكانيات التي وفرتها وزارة الثقافة الجزائرية، والكارثة أنهم لم يستلموا مستحقاتهم منذ العام 2007، لأنّ القائمين على القطاع كان همهم الوحيد هو تبرير الأغلفة المالية المعتبرة لإنجاز الأعمال المسرحية دون توزيعها ولدينا امثلة كثيرة على ذلك.

ويبرز الهزال بشكل أكبر، حينما نعلم أنّ الباليه الوطني ومنذ ظهوره، لم يقدم الشيئ الكثير تماما مثل المعهد العالي للفنون الدرامية والرقص، هذا الأخير عدا تخرج بضع دفعات منه، وظلّ الحال على منواله إلى غاية نهاية تسعينيات القرن الماضي، أين تخرجت دفعة تتكون من ستة طلاب في اختصاص الكوريغرافيا بينهم quot;مليكة بلبايquot; وquot;عيسى شواطquot; اللذين يشتغلان في فن التمثيل لأنهما بدأ حياتهما الفنية كممثلين، أما باقي المتخرجين فبينهم من غادر البلد لإكمال الدراسة والباقون يعانون التهميش.

هذه الفئة من الفنانين هم الأكثر عرضة للتهميش في الساحة الفنية بالجزائر، لتبقى ثلاثة أسماء فحسب تشتغل في السنوات الأخيرة، ويتعلق الأمر بـquot;نوّارة إداميquot; أستاذة الرقص، quot;مسعودة إداميquot; الراقصة البارزة، إضافة إلى quot;سليمان حابسquot; أحد أحسن الراقصين الذي عمل في الجزائر وأوروبا، ويبقى حابس أفضل مصمم رقص في الجزائر وهذا بشهادة الجميع.

bull;الانتقادات طالت منظومة التكوين، حيث لم يتم تفعيل هذه الدعامة وبقي عديد خريجي معاهد الفن مثل اليتامى..

-حقيقة، المدارس الفنية تتخبط منذ عدة سنوات وسط كم لا متناهي من مشاكل المناهج والبرامج التعليمية ومعضلة الشهادات، بعدما كانت هذه المعاهد تنتج نخبا في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، أيام كان يؤطرها خيرة الأساتذة من الاتحاد السوفياتي السابق ومصر، على نحو سمح بتمكين زبدة خرّيجيها من مواصلة دراساتهم العليا في الاتحاد السوفياتي آنذاك، وكذا التشيك، بولونيا وايطاليا.

أعتقد أنّ الذي حدث في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي وما رافقه من رحيل جماعي للأساتذة الأجانب، كان منعرجا سلبيا تراكمت معه المشاكل وانخفض المستوى لقلة الكفاءات في التكوين، وما زاد الطينة بلة فكرة تحويل معهد الفنون الدرامية إلى معهد لفنون العرض، فما معنى فتح معهد للسينما في نفس معهد المسرح؟، والمثير أنّه رغم معاناة الجزائر من نقص فادح في مجال الكوادر المسرحية، إلاّ أنّه جرى غلق اختصاصات النقد المسرحي والرقص والسينوغرافيا وما يتصل بها من تقنيات الفضاء المسرح (الاضاءة والصوت)، وهي تخصصات تشكو من نقائص، بل باتت منعدمة في كل مسارح الدولة.

بدورها، تعيش معاهد الموسيقى والفنون التشكيلية واقعا لا يقل سوءا، في صورة ما يطال المنتسبين إليها من مشكلات المقررات الدراسية والشهادات، وهو قصور إن استمر يهدد باستفحال معاناة كافة المتخرجين في كل المعاهد الفنية.

bull;ما هو تصوركم لسبيل الإصلاح؟

-نحن نقترح إعادة بعث المعهد العالي للفنون الدرامية والرقص كما كان سابقا، مع رسكلة المكوّنين وتدعيمهم بأساتذة من دول شقيقة وصديقة مثل العراق وروسيا، وهذا لعلمنا أنّ الدول المذكورة تمتلك أساتذة كبار يعانون البطالة ويمكن للجزائر أن تستفيد منهم.

ننادي أيضا ببناء وتجهيز معهد عالي للسينما بكل المواصفات العالمية مع استقدام أساتذة مختصين من الخارج، خاصة بلجيكا ودول أخرى شقيقة وصديقة، مع انتهاج سياسة حكيمة للنهوض بهذا الفن ليُصبح صناعة في المستقبل ككل الدول المتقدمة.

bull;خاطبت مجموعة سمت نفسها quot;المسرحيون الجزائريون الأحرارquot; وزيرة الثقافة quot;خليدة توميquot; بشأن ما يحدث داخل قلعة المسرح، هل تتبنون هذا الانشغال، وما احتمال تصعيدكم للموقف في حال استمرار تجاهل السلطات وأوصياء الثقافة لمتاعب الفنانين؟

-نعم نتبنى هذا الانشغال، وكنا السباقين لتقديم تقرير مفصل على الحالة التي آل اليها المسرح في بلدنا منذ 2003، وجرى تسليم التقرير بتاريخ 14 آذار/ مارس الماضي.

حقيقة لقد عملت الوزارة الوصية في السنوات الأخيرة على فتح عدد لا بأس به من المسارح الجهوية في كل مناطق الوطن، وأقدمت على إعادة ترميم العديد من قاعات العرض ونحن نثمن هذا الانجاز الكبير الذي لا طالما انتظرناه زيادة على الاغلفة المالية المعتبرة التي سخرت لإنجاز الأعمال المسرحية، لكنّ مسؤولي تسيير المسارح وعلى رأسهم المسرح القومي لم يكونوا في مستوى تطلعات الفنانين.

ودون مبالغة، أقول أنّ quot;خليدة توميquot; بصفتها المسؤولة الأولى على القطاع قدّمت الكثير منذ توليها وزارة الثقافة عبر مضاعفة مخصصات القطاع، بداية من سنة الجزائر بفرنسا 2003، مرورا بالجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، المهرجان الثقافي الافريقي 2009، المهرجان العالمي للمسرح 2010، وأخيرا quot;احتفالية تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية 2011quot;، الغريب في الأمر أنّ الأشخاص أنفسهم ظلوا قائمين على تسيير غالبية هذه التظاهرات !

bull;يفتقد صنّاع الإبداع في الجزائر إلى قانون يؤطرهم، ما مقترحاتكم بهذا الشأن؟

-وهو كذلك، نحن مهتمون بإنضاج مسودة قانون للفنان يضمن حقوقه وواجباته ويرتقي به معرفيا واجتماعيا، بهذا الصدد تعكف مجموعة من خبراء القانون بالتنسيق مع فنانين لتحضير مشروع قانون الفنان، ونحن نتطلع بالنسج على منوال دول رائدة كسوريا، مصر والأردن ودول أخرى مثل المغرب وتونس.

نريد قانونا يحفظ كرامة الفنان ويضمن قيمته وحقوقه، خلافا لما يحدث اليوم من هضم لحقوق الفنانين في جميع القطاعات، حيث بتنا البلد الوحيد من حيث افتقاده لقانون للفنان، رغم أنّ الجزائر تزخر بفنانين قدموا عطاءات كبيرة، بيد أنّهم صاروا أقرب إلى المتسولين.

أستدل هنا بحالة الفنانة المخضرمة quot;مريم وفاءquot; التي لم تجد ما تقتات به، تماما مثل quot;أبو جمالquot; الذي يعاني الأمرين، إضافة إلى عبد الله أورياشي الذي يعاني من مرض مزمن وغيرهم.

bull;يعاني التليفزيون الحكومي الوحيد من نوعه في الجزائر من انحطاط كبير في محتواه وما يقترحه من برامج، هل تنوون إحياء مطلب فتح القطاع السمعي البصري وفتح المجال أمام نشوء قنوات جديدة؟

-إنه أحد مطالبنا الأساسية، ونحن نهيب بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفتح قطاع السمعي البصري، لأنّ خطوة مفصلية كهذه ستخدم بلدنا أكثر مما يتصور البعض، لكنّ افتتاح قنوات خاصة لا ينبغي أن يكون فوضويا بل وفق طريقة مقننة تتفادى أي انحرافات، لأنّ هذه المسألة سلاح ذو حدين وينبغي تأطيرها وفق شكل يحمي المهنة ويراعي الثوابت والموروث الوطني.

bull;ألا تعتقدون أنّ ما يحدث للفنانين في الجزائر، أمر مقصود لإغراقهم في دوامة المشاكل وإلهائهم عن تفعيل أدوار مغايرة لما تريده دوائر القرار هناك؟

-ليس مقصودا بالمعنى الدقيق، أرى أنّ الجيل القديم لم يؤدي دوره إلى حد ما، وذاك راجع برأيي إلى كونه عاش ظروفا أخرى في الستينيات وما بعدها.

أظن أنّ عشرية العنف الدموي هي التي أحدثت الاختلال وكان لها انعكاساتها على الفن تماما مثل سائر القطاعات الأخرى، ولا ننسى أننا خسرنا الكثير من الفنانين إبان العشرية السوداء مثل الراحلين عبد القادر علولة وعز الدين مجوبي وغيرهما. أنا شخصيا كان ذنبي الوحيد، أني كنت في العشرين لما انفجرت شرارة العنف في شتاء العام 1992، الآن مع الاستقرار وجب أن تتغير الأمور، حتى وإن تغيرت الكثير من الأمور منذ قدوم تومي مع مضاعفة الأغلفة المالية الموجهة للثقافة وافتتاح عديد المسارح والمرافق الثقافية.

المشكل أراها في المحيطين بوزيرة الثقافة وهم من المحسوبين علينا، مثل من أشار عليها بتحويل معهد الفنون الدرامية إلى معهد فنون العرض، ومن يقفون دون أخذ خريجي المعاهد لفرصتهم.

في الجزائر الإمكانات موجودة لكنها لم تستغل بالشكل الأمثل، والمعضلة فيمن يغالطون المسؤولة الأولى عن قطاع الثقافة بتقارير خاطئة

bull; تعيش الجزائر على منوال دول عربية أخرى منذ مطلع العام الحالي على إيقاع المطالبات بتكريس التغيير، كرئيس لاتحادية الفنانين الجزائريين كيف تتصورون التغيير الثقافي والفني في بلادكم، وكيف للمسرح والسينما وغيرهما أن يستوعبا طموحات طلائع الجيل الجديد في الجزائر؟

-أؤكد لكم أنّه لو تسخر كل الامكانات، سيتسنى استيعاب العديد من الشباب والأخذ بيدهم، بالنسبة للتغيير أعتقد أنّ الجزائر استبقت ما يحدث حاليا بسنوات طويلة ودفعت الفاتورة غالية، لما كنا نحن في حمام الدم والدمار، كانوا يضحكون علينا في المغرب والمشرق. نحن نشجب جميع مظاهر العنف، وندعو للتغيير في كل قطاع بطريقة سلمية تسمح بإزالة الشوائب الحالية وإيقاف ما يحدث من تشويهات، وقد رصدنا كل شيئ ولفتنا نظر الوصاية الثقافية إلى ما يجري في الميدان.