أزمة بنزين تلوح في أفق مصر

للمرة الثانية وفي عهد حكومة رئيس الوزراء المصري عصام شرف تفشل الحكومة في تدبير إحتياجات المصريين من بنزين 80 المحرك الأساسي لوسائل النقل الشعبية في مصر، خاصة في الأقاليم، الأزمة لم تكن فقط في الوقود، بل في إرتفاع الأسعار، التي صاحبت عبارة عفواً لا يوجد بنزين 80.


القاهرة: خلال أقل من شهرين، تتعرض وزارة البترول في مصر لأزمة نقص حاد في بنزين 80، والذي يعتمد عليه سائقو وسائل النقل الجماعية (الميكروباص) والتاكسي وسائقو السيارات القديمة، الأمر الذي رفع من سعر البنزين خارج النطاق الرسمي، وأصبح سعره في السوق السوداء يقترب من الضعف.

ومع إحتدام الأزمة تصرّ وزارة البترول علىتأكيدها عدم وجود أزمة.. حيث أصرّ المهندس هاني ضاحي رئيس الهيئة العامة للبترول على التأكيد بأن الوزارة وفرت كميات كافية من البنزين في المحطات، إلا أن رغبة السماسرة وأصحاب المحطات في إستغلال موسم الصيف وزيادة الحركة والسفر بين المحافظات خلق أزمة مفتعلة، وهو ما يتنافى مع الحقيقة.

كلام وزارة البترول يتناقض مع الوضع الحقيقي للمحطات، حيث تصطف السيارات طوابير بالساعات للحصول على حصتها من البنزين المنخفض السعر، ولا تخلو صحيفة مصرية من ذكر حوادث وقعت في اليوم السابق بين السائقين في المحطات بسبب الصراع على أولوية الوقوف بالطابور أو التشاجر مع أصحاب المحطة، الذين يدّعون عدم وجود بنزين أو في قيام مباحث quot;التموينquot; بضبط تجار ومهربين وأصحاب محطات يخفون البنزين ويقومون ببيعه في السوق السوداء.

ووسط غياب شبه تام للأمن، وجد قلة من أصحاب المحطات ضالتهم في quot;الفتواتquot; أو quot;البلطجيةquot; لحمايتهم من شغب سائقي الميكروباص والتاكسي والنقل الخفيف، حيث دفع الغضب بعضهم إلى الشجار مع عمال المحطات وتحطيم بعضها، كما حدث في محافظات المنيا وكفر الشيخ والغربية.

الأمر الآخر، وهو ما حذرت منه الغرفة التجارية في القاهرة، هو أن تفاقم أزمة بنزين 80 ساهم بشكل كبير في ارتفاع تكاليف نقل السلع بين المحافظات، وبالتالي رفع أسعارها، وهو الأمر الذي سيرهق ميزانية الأسرة المصرية قبل شهر رمضان، وهي الميزانية التي في الأصل تعاني أمراضًا عدة.

وتشير تقارير الغرفة إلى أن هناك إستغلالاً واضحًا من قبل التجار لمحاولة رفع الأسعار مع بدء تطبيق القانون الجديد لرفع الحد الأدنى للرواتب في مصر، والذي سيحس به المصريون فعلياً بعد أيام عند إستلامهم لأول راتب بعد الزيادة، حيث تؤكد الغرفة أن ما يحدث الآن هو محاولات مدروسة من بعض التجار لرفع الأسعار، خاصة وأنه وعلى مدار السنوات كانت أزمة بنزين 80 تخف كثيراً في الصيف نظراً إلى قلة إستخدامه في حصد المزروعات.

أزمة بنزين 80 انعكست بصورة أخرى على إزدياد حدة الشجار بين سائقي سيارات الأجرة بين المحافظات وداخلها، حيث عمد السائقون إلى رفع التعريفة، مما حدا بالبعض للدخول في مشاجرات معهم، إلا أن المواطن في النهاية يمتثل للأمر الواقع، ويدفع الزيادة، خاصة وأن حركة القطارات في مصر أصبحت أقل إنتظاماً بسبب كثرة تعطلها، إما بسبب الإضرابات أو قطع خطوط السكك الحديدية، وهو ما تم أكثر من مرة خلال الشهر الجاري.

كما دفعت الأزمة سائقي سيارات الأجرة (التاكسي) إلى رفع أجرتهم هم الآخرون، خاصة وأنهم منيوا بخسائر فادحة جراء توقف السياحة الخليجية، والتي كانت بمثابة البيضة الذهبية لهم، حيث كان السائح الخليجي يدفع أضعاف ما يدفعه المواطن أو حتى السائح الغربي، وأدى عزوفه عن زيارة مصر هذا العام إلى إحساس السائقين بفقدان مورد مالي كبير، كان يغطي جزءًا لا يستهان به من دخلهم.

أزمة بنزين 80 دفعت بعض سائقي السيارات الخاصة ذات العمر القديم إلى الإستعانة ببنزين 90 والأعلى سعراً بكثير (1.45 جنيه) مما أدى إلى حدوث نقص في الكميات، وهو الأمر الذي سارعت الوزارة معه إلى ضخ كميات إضافية منه، حيث أشارت الوزارة إلى أن مصر تعد واحدة من أعلى الدول في العالم إستهلاكاً للبنزين، حيث تستهلك 800 ألف لتر بنزين فى الساعة، 435 ألف لتر منها لبنزين 80 المدعوم بالكامل.

حيث لفتت مصادر في الوزارة إلى أن الدولة لا تنوي زيادة كميات بنزين 80 لسببين أساسيين، الأول أنه الأكثر حصولاً على الدعم في الموازنة العامة ولا يمكن زيادة الدعم بأي حال من الأحوال في ميزانية تعاني في الأصل عجزًا مزمنًا، والسبب الثاني لكونه من أكثر أنواع الوقود تلويثاً للجو وأحد أسباب الإصابة بالعديد من الأمراض التي تصيب المصريين، مشيراً إلى أنه كانت هناك خطط مسبقة قبل الثورة لإلغائه تدريجياً، ولكنها توقفت بعد 25 يناير.

وعلى الرغم من ذلك، ووفقاً لما نشر من بيانات وتصريحات للهيئة العامة للبترول في مصر، فإنه لم يتم تقليل كميات بنزين 80 المطروحة في السوق، حتى لا تؤثر على الكثيرين من محدودي الدخل الذين يعتمدون عليه.

الغريب في الأمر أن الوزارة أشارت على عكس أقوال السائقين إلى أن الطلب على بنزين 80 أرتفع كثيراً في الفترة الأخير بسبب تحول بعض مستخدمي بنزين 90 إلى إستخدام بنزين 80 بسبب الأزمة المالية التي يمر بها المصريون، مما أدى إلى تفاقم الأزمة، على الرغم من أنه يساهم بشكل كبير في قصر العمر الافتراضى لمحرك السيارة بسبب كثرة الشوائب والرصاص به.

يذكر أن مصر طرحت في الأسبوع الماضي مناقصة لتوريد وشراء 240 ألف طن من البنزين لمواجهة الضغط المتوقع على البنزين مع دخول المدارس، حيث سيتم توريد تلك الكميات بداية من شهر سبتمبر/أيلول المقبل وحتى نهاية ديسمبر/كانون الأول، في حين أنها سبق وأن أشترت كمية مماثلة خلال شهر يونيو لمواكبة إحتياجات شهر رمضان، ولكن مصادر تؤكد أنها قد تلجأ إلى شراء كميات إضافية من السوق الفورية إذا ما تفاقمت الأوضاع، حيث تجري الهيئة العامة للبترول مشاوراتها مع بعض الموردين لمعرفة الأسعار في حال إضطرارها للشراء.