ألمان يتظاهرون أمام السفارة الألمانية في أثينا للمطالبة بدفع السلطات الألمانية تعويضات الى اليونان.

يرى البعض أن ألمانيا تدين إلى اليونان بتعويضات عن الجرائم النازية ضد شعبها، واغتنمت الفرصة للمطالبة بهذه التعويضات في محاولة لدعم اقتصادها المنهار. فما هي هذه القصة التي تعود إلى أكثر من 71 عامًا؟


أجمع خبراء اقتصاديون على أن أزمة ديون اليونان هي نتيجة خلل داخلي متعلق بكيفية تسيير البلاد لنظامها الاقتصادي، مرجحين أن تشكل الأزمة الاقتصادية اليونانية ضربة خطرة للاتحاد الأوروبي.
وفي ظل الرفض الألماني لتسديد الديون اليونانية بحجة انها شأن داخلي وليست من اختصاص الدول الأخرى، برزت واحدة من النظريات في النقاش الدائر حول احتمال إفلاس الدولة اليونانية التي تقول إن الأضرار الكبيرة التي لحقت باليونان من قبل النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية تعني أن ألمانيا لا تزال تدين لليونان بتعويضات كبيرة.

ففي العام 1941، غزت quot;الفيرماختquot; (القوات المسلحة الموحدة لألمانيا وتشمل كلاً من الجيش والبحرية وسلاح الجو) اليونان ويوغوسلافيا في 6 نيسان (أبريل)، وقام الجنود الألمان بوضع نظام احتلال وحشي وقاس. وكما هو الحال عادة في الدول الأوروبية التي غزتها الألمان، تحملت الدولتان التكلفة العالية للاحتلال الالماني، وتعرض الاقتصاد اليوناني للنهب من خلال الصادرات القسرية.

أدى ذلك إلى تسارع معدلات التضخم وانخفاض مستوى المعيشة بشكل جذري لدى اليونانيين، كما أجبر البنك الوطني اليوناني على تقديم 476000000 مارك ألماني إلى هتلر من دون فائدة.
وبعد استسلام ألمانيا، نظمت قوات الحلفاء quot;مؤتمر باريسquot; حول التعويضات في خريف عام 1945، وطالبت اليونان بـ 10 مليارات دولار، أي نصف المبلغ الإجمالي من 20 مليار دولار، واقترح الاتحاد السوفياتي حينذاك أن تقوم ألمانيا بتسديد المبلغ.

وعلى الرغم من أنه يستحيل إنكار المعاناة التي تعرض لها الشعب اليوناني على أيدي النازيين، لكن في الوقت نفسه، لا يمكن قياس المعاناة الإنسانية وفق أرقام وحسابات.

ويوافق المؤرخون المستقلون بالإجماع على أن اجمالي الخسائر التي تكبدتها اليونان لايمكن قياسها اقتصاديا نتيجة للاحتلال الألماني، سواء في الأرقام المطلقة والنسبية أو عدد السكان، في الوقت الذي كانت تحتل فيه اليونان المرتبة الرابعة بعد بولندا والاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا.

ففي مؤتمر باريس حول التعويضات، تم منح اليونان 4.5 ٪ من التعويض المادي إضافة إلى 2.7 ٪ في أشكال أخرى. عملياً، عنى ذلك أن اليونان تلقت سلعاً مادية من ألمانيا، كالآلات والأجهزة، تبلغ قيمتها حوالى 25 مليون دولار، والتي تصل قيمتها اليوم إلى 2.7 مليار دولار.
لكن القرارات الواردة في مؤتمر باريس تبدو بلا جدوى نظراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية عارضت فرض عقوبات اقتصادية ثقيلة، مذكرةً بما حدث بعد الحرب العالمية الأولى، عندما ضعفت الديمقراطية على نطاق واسع في ألمانيا الأولى (جمهورية فايمار) وانهار اقتصادها بسبب تسديد التعويضات، الأمر الذي أدى إلى صعود هتلر في المجال السياسي.

لهذه الأسباب، ووفقاً لأحكام اتفاقية لندن 1953 حول الديون الدولية، تم تجميد عملية تسديد التعويضات حتى التوقيع على معاهدة سلام عام 1990، والتي لم تنص على دفع اي تعويضات إضافية من قبل ألمانيا لبلدان أخرى مثل اليونان.

وافقت اليونان على المعاهدة، على الرغم من أنها لم تملك خياراً آخر. فبعد عقود من الشراكة مع ألمانيا (اليونان كانت عضوا في حلف شمال الاطلسي منذ 1952 وترتبط مع المنظمات الأوروبية منذ عام 1961)، كان من الصعب سياسياً المطالبة بتعويضات ضخمة - على الرغم من أن هذه القضية أثيرت بشكل دوري من قبل السياسيين اليونانيين، وفي معظم الأحيان بهدف تسجيل نقاط في السياسة الداخلية.
وعلى الرغم من ذلك، قامت ألمانيا بدفع تعويضات على مر السنين - بما في ذلك مبلغ 41 مليار دولار منذ العام 1949- وسددت جمهورية ألمانيا الاتحادية المستقلة تعويضات لضحايا جرائم النازية، ففي 18 مارس 1960، تم توقيع اتفاق بين اليونان وألمانيا الغربية ومفاده ان المانيا سوف تدفع 115000000 مارك ألماني لضحايا اليونان من الاحتلال النازي. وتم الاتفاق بموجب هذا الشرط على عدم قبول أي مطالبات أخرى للحصول على تعويضات فردية.

مع ذلك، استمرت المطالبات من قبل أحفاد ضحايا اليونان في هذا الشأن. وتعتبر القضية الابرز في هذا الشأن، مطالبة أولاد ضحايا سكان قرية تسمى (ديستومو) الذين قتلوا في 10 حزيران 1944 ، في ما يطلق عليه الألمان quot;ضربة انتقاميةquot;. ففي عام 1997، تمكنوا من الحصول على قرار قضائي يخولهم الحصول على تعويضات بقيمة 37500000 euro; من ألمانيا. وبعد جدل قانوني كبير لا تزال القضية الآن أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وبرزت قضية قانونية أخرى تتعلق بمبلغ 476000000 مارك قدمت من قبل البنك الوطني اليوناني إلى ألمانيا، ضد إرادة الدولة اليونانية خلال الحرب. واذا كان لا بد من اعتبار ذلك شكلاً من الأضرار الناجمة عن الحرب، فتخضع هذه المسألة لمبدأ التعويض عن الضرر، إلا أنه وفقا لمعاهدة عام 1990، فإن ألمانيا لن تضطر لدفع التعويض. أما في حال اعتبر هذا المبلغ بمثابة ديون من اليونان للدولة الألمانية، فعندها يحق لليونان الحصول على المال.

من دون احتساب الفائدة، يصل المبلغ اليوم إلى 14 مليار دولار. أما مع فائدة بنسبة 3 ٪ على مدى 66 سنة، فمن الممكن أن يبلغ الدين نحو 95 مليار دولار على الأقل.
أما المشكلة فتكمن في أن الاعتراف - ولو جزئياً - بديون من هذا القبيل من شأنه أن يخلق سابقة تؤدي إلى رفع دعاوى لا تحصى في هذا السياق. فهل ستعترف المانيا بالديون المستحقة؟ وهل تعتبر هذه الديون صفقة إقتصادية لدعم الاقتصاد اليوناني، أم أن الأمر سيؤدي إلى نزاعات جديدة في المجال السياسي والدولي؟