الكويت: أكدت دراسة متخصصة نشرت حديثًا أن المستشارين الماليين في كبريات الشركات الاستثمارية في العالم باتوا يعتمدون بشكل كبير على ما يسمّى بـquot;التمويل السلوكيquot; في اتخاذ قراراتهم الحاسمة.

وقالت الدراسة، وهي بعنوان quot;تأثير العقل الباطن على القرارات الماليةquot; قامت بها مجلة بلومبيرج الاقتصادية على موقعها الالكتروني إن المستشارين الماليين يستخدمون خبراتهم النفسية بشكل أكبر كي يقنعوا العملاء المحافظين على التخلي عن تحوطهم وضخّ أموالهم مرة أخرى في الأسواق.

ونقلت الدراسة عن الدكتور المحاضر في جامعة ميسيسيبي الأميركية ميرسير بولارد قوله quot;إن هناك من يحاول أن يعتمد على علم النفس لكي يشجّع المستثمرين على دخول الأسواق مرة أخرى، بدلاً من تجميد مدخراتهم في أدوات مالية غير ذات عائد كالأموال النقديةquot;. وأوضح أن هذا يتم من خلال دراسة quot;الشخصية الماليةquot; للعميل ومعرفة سلوكه الاستثماري في حالات الانكماش الاقتصادي بهدف تشجيعه على الدخول مرة أخرى في الأسواق متبعًا بذلك تقنيات نفسية عدة.

واضاف ان من بعض تلك التقنيات ما يسمى بـquot;محتوى الاهداف الاستثماريةquot;، بحيث يتم ربط مستوى مخاطرة كل فرصة استثمارية بمدى quot;قساوةquot; الهدف الموضوع لها، ووضعها في quot;دلوquot; خاص، ليختلف المنتج الاستثماري المقدم الى العميل على حسب الهدف، الذي يرنو اليه، سواء الانفاق على تعليم ابنائه او من اجل قضاء عطلة صيفية او خطة استثمارية لما بعد التقاعد.

وافاد بولارد بأن هناك تقنية اخرى تسمى بـquot;العلاج بالصدمةquot;، وهي تقنية قديمة مستخدمة في علم النفس، ولكن يستخدمها المستشارون الماليون الآن لرفع أداء أعمالهم، بعد الانخفاضات الكبيرة، التي تعانيها الشركات الاستثمارية جراء الازمة المالية العالمية التي ضربت العالم عام 2008.

وذكر ان quot;العلاج بالصدمةquot; في مجال الاستثمار يتم عن طريق اساليب عدة، منها استخدام برنامج حاسوب متخصص في تغيير صورة العميل الفوتوغرافية الى صورة يظهر فيها بشكل اكبر سنًا، وقد بان الشيب على رأسه ووجهه، لكي يستطيع ان يتخيل شكله بعد ان يتقاعد.

ويتم اضافة بعض المؤثرات على الصورة الخيالية في الكمبيوتر كوضع صورة العميل امام بيت راق أو وهو يقود سيارة فارهة او ان يكون متقلدا بعض المجوهرات، وكل هذا بهدف اعطائه صورة لما يكون عليه اذا استثمر امواله، وبدأ يجني الارباح بعد مدة من الزمن.

وكشفت الدراسة ان شركات استثمارية وبنوك كبرى مثل quot;بنك أوف أميركاquot; وquot;ميريل لينشquot; وquot;جي بي مورغانquot; بدأت تزيد من استخدام نظرية التمويل السلوكي في اعمالهم لتقوية علاقاتهم التجارية مع عملائهم وتحديد اي المنتجات التي يجب ان تقدم لهم.

ووفقا للدراسة فإن نظرية quot;التمويل السلوكيquot; تعتقد بطغيان العواطف على العقل عند بدء اي ازمة مالية، لذلك يجب على الشركات ان تنظر اولا على مدى quot;التسامح مع المخاطرquot;، الذي يستطيع العميل احتماله قبل ان يخسر امواله، وانشاء محفظته المالية على هذا الاساس لضمان استمراريته في التعامل مع الشركة عند انكماش السوق.

ولفتت الى ان نظرية quot;التمويل السلوكيquot; بدأت تنتشر في اوساط الشركات المالية في الولايات المتحدة لدرجة ان معهد (سي.اف.ايه) الذي يعنى بشهادة المحلل المالي المعتمد وضع فصلا كاملا في مناهجه عن هذه النظرية لتدريسها للطلاب الراغبين في الحصول على هذه الشهادة للفصل الدراسي 2012.

ويتم تعليم طلاب الـquot;سي.اف.ايهquot; كيفية بناء الثقة النفسية للمستثمر بعد انهيار الاسواق وكيفية التخفيف من هلعه عند هبوط السوق. ويتم تقديم اسئلة للطلاب في المعهد تتضمن سيناريوهات افتراضية لانهيار الاسواق، ويجب عليهم التعامل معها عن طريق عمل quot;جدول متابعةquot; لقراراتهم الاستثمارية مع اعطاء السبب وراء اتخاذ اي قرار وضرورة اعطاء اجابات عقلانية تستطيع ان تطمئن المستثمر عندما يعجز هو عن تحديد السبب وراء خسائره في البورصة.

ونقلت الدراسة عن مدير قسم التمويل السلوكي والكمي في شركة quot;باركليز للاستثمارquot; البريطانية غريغ ديفز ان الشركة بدأت تضع بشكل اصيل معيار التمويل السلوكي في التعامل مع كبار العملاء، بحيث يتم التعرف اكثر إلى طريقة حياتهم ودراسة كل تفاصيل سلوكهم الاستثماري قبل البدء بأي صفقة.

واضاف ديفز انه يتم الآن الطلب من موظفي الشركة بتعبئة ما يسمى بـquot;تقويم السمات الماليةquot; للعميل، وهي عبارة عن استمارة تحتوي على 36 سؤالا تم اختيارها بعناية يقوم العميل بتحديد اجابة من 5 اجابات موجودة في الاستمارة، تبدأ بـquot;موافق بشدةquot;، وتنتهي بـquot;معارض بشدةquot;، ومن خلالها يتم التعرف بدقة إلى كيفية تفكير العميل من الناحية التجارية. واكد ديفز ان تطبيق quot;التمويل السلوكيquot; ساعد بالفعل الكثير من المستثمرين على تحقيق عوائد جيدة لاستثماراتهم على المدى الطويل، لكنه استدرك ان هناك صعوبة في تطبيقها، خصوصا ان بعض العملاء لا يحبذ ان يفصح عن مدى quot;التسامح مع المخاطرquot; الحقيقي الذي يتمتع به.

وتشير الدراسة ايضا الى ان المستثمرين عادة ما يقسمون اموالهم بطريقة خيالية في عقولهم الى اقسام عدة، ويضعون صورة باطنية لكل قسم منها، بحيث تكون منفصلة عن بعضها البعض، ولكل قسم مستوى معين من المخاطرة في الاستثمار، وهذا ما يجب ان يعرفه المستشار المالي قبل اعطاء اي نصيحة للعميل.

وقال المتخصص في علم النفس الاقتصادي في جامعة ماساتشوستس للتقنية quot;ام.اي.تيquot; الدكتور دان ايرلي ان الناس بحاجة الى ان يكونوا متيقظين تجاه طريقة تفكيرهم غير العقلانية في بداية كل ازمة مالية، مشددا على ضرورة وجود اساليب جديدة تمنع المستثمر من التصرف بعشوائية وتخبط اثنائها.

واوضح انه في عالم المال والاعمال من النادر ان تؤخذ الشخصية الانسانية في عين الاعتبار، quot;وهذا ما جعلنا نضيع في كثير من قراراتنا الاستثماريةquot;.

واشارت الدراسة الى انه يجب على متخذي القرارات المالية فهم قوة اندفاع العاطفة في عملية اتخاذ القرارات، التي تحتاج تحكيم العقل في المقام الاول، وهذا بالضبط ما يحاول ان يفسره المتخصص في التمويل في جامعة quot;كيلوغ للادارةquot; الدكتور براين كنوستون. وقام الدكتور كنوستون بفحص ادمغة عينة من المستثمرين اثناء انهماكهم في عمليات البيع والشراء، واثبت ان المستثمرين التواقين الى المخاطر تنشط لديهم منطقة في الدماغ تطلق عليها quot;النواة المتكئةquot; مسؤولة عن الاحساس بالمتعة عند مواجهة مخاطر معينة.

وفي الوقت نفسه تكون هناك تفاعلات كيميائية تشعر المستثمر التواق الى المخاطر بالسعادة، وهي مماثلة تماما للتفاعلات التي تحصل لمحبي القفز بالمظلات من شاهق.

واكد الدكتور كنوستون ان هذه التفاعلات الداخلية لدى المستثمر من الممكن ان تقوده الى التورط في منتجات استثمارية تتسم بالمخاطرة العالية.
وقال ان المستثمرين المحافظين ايضا تنشط لديهم مناطق اخرى في الدماغ خاصة في منطقة تسمى quot;الانسيولا الداخليةquot;، وهي تلعب دورا مهما في العواطف، كالخوف والالم، وتوجد لديهم تفاعلات كيميائية في ادمغتهم تشابه الى حد كبير ما يفرزه الانسان عند سماع فحيح الافعى.

واضاف الدكتور كنوستون انه من الضروري معرفة كيفية عمل الدماغ لدى هؤلاء المستثمرين لكي يتم تصميم ادوات تساعدهم لاتخاذ قرارات مالية افضل لهم.

ولاحظت الدراسة زيادة الاهتمام بنظرية quot;التمويل السلوكيquot; بعد الازمة المالية التي ضربت العالم عام 2008 بشكل اكبر مقارنة بما قبل الازمة، في دلالة واضحة على زيادة الوعي لدى الشركات الاستثمارية بأهمية تأثير السلوك النفسي على المستثمرين بقدر ما للبيانات المالية والاحصاءات من اهمية في عالم المال والاعمال.