العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على الصادرات النفطية والمصرفية الايرانية، تضر اقتصاد البلاد بما يكفي لإجبار ايران على تغيير مسارها، أو ربما سوف تثير غضب الجمهورية الإسلامية أكثر من قبل وتؤدي إلى عواقب وخيمة.


إعداد لميس فرحات: من خلال فرض عقوبات اقتصادية جديدة تهدف إلى معاقبة الايرانيين العاديين فضلاً عن مسؤولين رفيعي المستوى، تبنت واشنطن وحلفاؤها الاوروبيون استراتيجية محفوفة بالمخاطر التي يمكن أن تأتي بنتائج عكسية على جهودها لوقف برنامج طهران النووي المشبوه.

سعت إدارتا الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومن قبله الرئيس جورج بوش، على مر السنوات، للضغط على ايران من خلال ما يسمى بـ quot;العقوبات الذكيةquot; التي استهدفت النخب في البلاد. لكن في الأسابيع الأخيرة، تخلت إدارة أوباما وحلفاؤه عن استراتيجية العقوبات الذكية، ووجهت صفعة إلى إيران، بفرض قيود واسعة على صادرات النفط والخدمات المصرفية التي يؤمل في أن تحقق أضراراً بالغة في الاقتصاد، وتجبر القيادة الايرانية على تغيير مسارها.

اعتبرت صحيفة الـ quot;لوس انجلوس تايمزquot; ان علامات الضرر بدأت تظهر على الاقتصاد الايراني، إذ تدنت قيمة الريال (العملة الوطنية في ايران)، مقابل ارتفاع حاد في الأسعار، في ظل هلع المستهلكين الذين يقبلون على شراء المواد الغذائية، استعداداً لمستقبل أسوأ. وعلى الرغم من ذلك، يستبعد بعض المسؤولين الحاليين والسابقين ان تتمكن العقوبات العشوائية من التسبب بانقلاب شعبي ضد نظام الملالي، أو تؤدي إلى إثارة غضب طهران ضد الغرب.

يوم الاحد، قال وزير النفط الإيراني، رستم قاسمي، ان ايران ستوقف صادرات النفط قريباً الى quot;بعض البلدانquot;، في رد فعل على قرار الاتحاد الأوروبي بفرض حظر على واردات النفط الايراني اعتباراً من 1 تموز/يوليو. ولم يحدد الوزير هذه الدول المستهدفة، لكن مثل هذه الخطوة يمكن أن تضر الاقتصادات المتداعية في دول مثل اليونان واسبانيا. في إيران، يشكك الناس في نجاح هذه السياسة، معتبرين انه من غير الواضح ما إذا ستحقق هذه العقوبات أية تحولات سياسية في موقف طهران.

يعبّر مستشار الشؤون الإيرانية والخليج العربي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، راي تاكيه، عن شكوكه في أن تؤتي السياسة الغربية ثمارها، مشيراً quot;لا شيء لدينا سوى النظريات، لا يمكن التكهن بشيء حتى الساعةquot;. هناك خطر يتمثل في أن المعاناة الحادة للشعب الايراني يمكن أن تؤدي إلى انقسام في التحالف الغربي الذي يدعم العقوبات، كما حدث عندما فرضت الامم المتحدة حظراً اقتصادياً على العراق في عهد صدام حسين.

وتصر ايران على ان برنامجها النووي يهدف للأغراض السلمية فقط. لكن العديد من الدول الغربية تخشى ان ايران تحتاج إلى أقل من عام واحد، لاكتساب الخبرة حول كيفية صنع قنبلة نووية. التدابير الجديدة الغربية تشمل حظر تصدير النفط إلى أوروبا ، الذي يهدف إلى الحد بشكل كبير من عائدات النفط التي تعتمد عليها ايران، كما ان العقوبات الاميركية على المصرف المركزي الايراني، تهدف إلى عزل طهران عن الاقتصاد العالمي.

يحاول مسؤولون غربيون تضخيم آثار هذه الخطوات عن طريق إقناع غيرهم من كبار المشترين للنفط الايراني - اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند - إلى اللجوء إلى مصادر أخرى لتأمين إمداداتها. ووصف الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد العقوبات الاخيرة بأنها quot;أعنف هجوم على دولة في التاريخquot;، فيما يخشى النقاد الذين يعارضون سياسة العقوبات الجديدة، من أن ينظر إليهم على أنهم أدوات للحكومات الأجنبية.

يقول فاريبورز رايزدانا، المحلل السياسي والاقتصادي إن quot;المعارضة الصامتة داخل البلاد لا تريد أن تكون عميلة للولايات المتحدة ودول أخرىquot;، مضيفاً quot;انهم يريدون ايجاد حل محلي من أجل بلدهمquot;. هناك قلق واسع ومتزايد بأن العقوبات ستضر الفئة الأكثر هشاشة، فيعتبر رايزدانا ان quot;أول المتضررين سيكونون الفقراء والضعفاء، ومن بعدهم الطبقة المتوسطة، وفي نهاية المطاف أقلية ضئيلة من الأثرياء الذين يستهلكون السلع المستوردة من الخارجquot;.

عبّر الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد عن رأي مشابه، فقال إنّ المسؤولين لا يزال باستطاعتهم quot;استخدام السيارات المملوكة من الحكومة من دون الشعور بوطأة العقوباتquot;، على الرغم من قوله يوم الخميس ان ايران مستعدة لإجراء محادثات حول برنامجها النووي.

خلال عطلة نهاية الأسبوع، وصل مفتشو الوكالة الدولية للطاقة إلى ايران لتفقد منشآت البلاد النووية. وتعهد وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي بالشفافية مع المفتشين وقال ان quot;المسؤولين الذين يزورون طهران سيكون باستطاعتهم الوصول إلى أي موقع يريدون تفتيشهquot;.

لكن الفئة الأغلب من الايرانيين تشعر بالقلق من المجريات الأخيرة، إذ يقول تاجر السلع الغذائية، علي آغا، إن quot;الناس تواقون لشراء مساحيق التنظيف والمواد الغذائية الاساسية وتخزينها للمستقبلquot;، مضيفاً quot;انهم يتوقعون أن ترتفع الأسعار في المستقبل القريب، ويحاولون أن يوفروا قليلاَ عن طريق شراء السلع بالسعر القديمquot;.

وقال كولين كال، الذي كان حتى الشهر الماضي مسؤولاً رفيع المستوى في البنتاغون لمنطقة الشرق الأوسط، انه يرى quot;بعض الأدلةquot; في تصريحات الإيرانيين على أن العقوبات ستزيد من الضغط الشعبي على السلطات. لكنه اعترف أن رأيه يعتمد على أدلة محدودة ولا يمكنه التوصل إلى نتيجة مؤكدة. انتقلت إدارة أوباما نحو فرض عقوبات واسعة على طهران بطريقة تدريجية وعلى مضض. ففي بداية رئاسة أوباما، أكد مسؤولون اميركيون انهم يعتقدون ان مثل هذه العقوبات من شأنها أن تؤدي إلى تضرر الأبرياء، ويمكن أن تأتي بنتائج عكسية سياسياً.

بعد فرض عقوبات واسعة على صدام حسين وسلوبودان ميلوسيفيتش الصربي، توصلت معظم القوى العالمية إلى رأي مفاده أنه يمكن التلاعب بالعقوبات من جانب الحكومات لتعزيز دعمها السياسي وحتى تحقيق أرباح ضخمة. وقال مسؤول بارز في وزارة الخزانة الأميركية، التي تطبق برنامج العقوبات: quot;ليس لدينا أي مصلحة في الإضرار بالايرانيين العاديين لكن المسؤول عن ذلك هو الحكومة الايرانية، التي أدى تعنتها إلى زيادة العزلة الدبلوماسية والاقتصاديةquot;.

ويشير مسؤولون اميركيون إلى احتمال فرض مزيد من العقوبات على طهران، في حال لن تجدي العقوبات الحالية، بما في ذلك الخيار العسكري. وقال مسؤول في وزارة الخزانة الاميركية، ديفيد كوهين، أمام الكونغرس في ديسمبر/ كانون الاول.quot;اذا استمرت ايران في اختيار طريق التحدي، سنستمر في تطوير طرق جديدة ومبتكرة لفرض عقوبات جديدة ومكلفة أكثر من أي وقت مضىquot;.