أكد محللون اقتصاديون أن موجة ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية والخدمات، التي تشهدها دولة الإمارات حاليًا، سيكون لها تأثير سلبي على المواطنين والوافدين داخل الدولة، موضحين أن ذلك يؤثر سلبًا على نسبة الإدخار، التي يسعى إلى تحقيقها كل فرد، خصوصًا بالنسبة إلى الوافدين المتخصصين من أصحاب الكفاءات والمهارات العالية، الذين إن وجدوا، فإنهم ينفقون معظم رواتبهم على شراء المواد الغذائية وبترول السيارة والدواء، علاوة على رسوم المدارس الخاصة والإيجارات ورسوم استخدام الكهرباء والمياه، فإنهم سيضطرون إلى الهجرة إلى دول خليجية مجاورة، تقلّ فيها أسعار تلك السلع والخدمات بشكل كبير عمّا هو كائن داخل الدولة، مثل الكويت والسعودية والبحرين وقطر، مطالبين بضرورة توحيد كل أسعار تلك السلع والخدمات بالقيمة نفسها، التي تكون عليها في بقية دول مجلس التعاون الخليجي.


مخاطر اقتصادية جدية قد تنجم من غلاء أسعار السلع المتواصل في الإمارات

أحمد قنديل من دبي: قال وافدون في دولة الإمارات لـquot;إيلافquot; إن إنفاقهم على رسوم مدارس أبنائهم الخاصة وعلى السلع الغذائية ورسوم استخدام الكهرباء والمياه وبترول السيارة والدواء زاد بنسبة كبيرة في الآونة الأخيرة، بسبب ارتفاع أسعار هذه السلع والخدمات، لافتين إلى أنهم ينفقون ما يزيد على 75% من رواتبهم على هذه السلع والخدمات.

حيث قال سيد صادق quot;موظف تقنيquot; إن أسعار السلع الغذائية الخدمات زادت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، التي أعقبت الإعلان عن زيادة رواتب موظفي الحكومة الاتحادية في الإمارات، موضحًا أنه عندما يذهب إلى التسوّق حاليًا في أي من المراكز التجارية المتخصصة بالمواد الغذائية أسبوعيًا يقوم بدفع ضعف ما كان يدفعه من قبل على الكمية نفسها التي كان يشتريها من قبل.

وتساءل صادق quot;لا نعلم لماذا ازدادت أسعار السلع والمنتجات الغذائية بهذه الصورة الكبيرة.. أين الرقابة؟، وكيف يمكننا سداد احتياجات المعيشة الأخرى؟. منوهًا بأنه ينفق ما يقترب من 80% من راتبه الشهري لتغطية مصروفات المدارس الخاصة العالية جدًا لتعليم أبنائه ولتغطية تكاليف إيجار المسكن واستخدام الكهرباء والمياه وشراء الأدوية وشراء مستلزمات المنزل الغذائية وبقية متطلبات المعيشة. مطالبًا بضرورة تخفيض أسعار السلع الغذائية، وفرض الرقابة على تلك الأسعار بشكل جدي من قبل وزارة الاقتصاد، وكذلك وجود آلية لمنع المدارس الخاصة من زيادة مصروفاتها الدراسية المغالى فيها بشكل سنوي. وأوضح أنه يدخّر مبلغًا يتراوح بين 20-25% فقط من جملة راتبه شهريًا.

وذكر أحمد عبدالراضي quot;مهندسquot; أنه يعاني هو وأسرته ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية وارتفاع رسوم المدارس الخاصة والمعيشة بشكل عام، مبينًا أن لديه ابنين في مدارس خاصة، يحتاجان شهريًا 6 آلاف درهم كرسوم لمدرستهما، إضافة إلى سداد 3500 درهم كإيجار للمسكن، وسداد ألف درهم شهريًا كرسوم لاستهلاك الكهرباء والمياه، و3 آلاف درهم لشراء المنتجات الغذائية، التي تضاعفت أسعارها تقريبًا في الشهور الأخيرة، ناهيك عن أسعار الدواء وبترول السيارة.

ولفت عبدالراضي إلى أن 75% من راتبه الشهري يذهب إلى تغطية هذه الرسوم والخدمات، وأنه لا يمكنه إدخار سوى 25% من راتبه كحد أقصى.

وأشار منصور ذكي quot;موظف حكوميquot; إلى أن بعض التجار والموردين يستغلون أي زيادة تقوم الحكومة بإضافتها إلى رواتب الموظفين، ويقومون برفع الأسعار، سواء كان هؤلاء التجار أصحاب محال تجارية غذائية أو موردي دواء أو شركات عقارية وبترولية أو مسؤولي مدارس خاصة.

مضيفًا أن الغلاء أصبح سمة رئيسة في الآونة الأخيرة، وأنه لم يعد يستطيع إدخار المزيد من الأموال من راتبه الشهري، كما كان يفعل من قبل، حيث إنه ينفق ما يزيد على ثلثي راتبه على تكاليف المعيشة المتزايدة.

ضبط الأسعار وتدعيمها
من جانبه قال الخبير الاقتصادي حسين العويد لـquot;إيلافquot; إن على وزارة الاقتصاد أن تتدخل لدعم مجموعة كبيرة من السلع الاقتصادية الأساسية وبعض الخدمات، وأن تساوي أسعار السلع داخل الدولة بنظيرتها الموجودة في الدول الخليجية الأخرى المحيطة بالإمارات، مبينًا أن التجار داخل الدولة يرفعون الأسعار بطريقة مبالغ فيها جدًا، خاصة في الآونة الأخيرة،وأنه في المقابل لا تقوم إدارة حماية المستهلك بدورها بالشكل المطلوب، حيث لاتزال غير قادرة على ضبط الأسعار بشكل كامل، وإلزام التجار والموردين بأسعار معينة وثابتة.

وأشار العويد إلى أن أسعار السلع، التي ارتفعت بشكل كبير أخيرًا، ستكون لها انعكاسات سلبية كبيرة على المجتمع من حيث أن هذه الزيادة التي لا يصاحبها تدعيم للأسعار ستؤدي إلى هجرة الكثير من المقيمين من ذوي الخبرة والكفاءة العالية إلى الدول المجاورة، التي تنخفض فيها أسعار السلع والخدمات بشكل كبير مقارنة بالأسعار داخل الدولة، موضحًا أنه لابد من توحيد الأسعار في دول مجلس التعاون الخليجي كافة.

وشدد على أنه لا مناص من دعم أسعار السلع وبعض الخدمات، وذلك لأن الوافدين إلى الدولة يريدون أن يدخروا الأموال بدلاً من أن ينفقوا معظم رواتبهم على السلع والخدمات، وإلا فإنهم سيضطرون إلى البحث عن بديل آخر. قائلاً quot;عندما يجد الموظف الوافد أن ما يحصل عليه من راتب يقوم بإنفاقه على السلع والخدمات المرتفعة الأسعار، سيضطر إلى المغادرة بحثًا عن مكان آخر، يتمكن من خلاله من تحقيق المزيد من الإدخار، أي أن يحدث ما يسمّى بالهجرة العكسية من الدولة.. فالإنسان دائمًا يسعى إلى تحقيق وفرة ماديةquot;.

وتساءل العويد لماذا لم تهبط أسعار السلع والخدمات بعد حدوث الأزمة المالية العالمية مثلما حدث للعقارات والرواتب وغيرها؟، وضرب مثلاً أن سعر عبوة دواء الأنسولين في خارج الدولة يقدر بـ 42 دولار أميركي، وأن سعر العبوة نفسها في الإمارات يزيد على 500 درهم إماراتي.

تكثيف الزيارات التفتيشية
في سياق متصل أوضح الخبير الاقتصادي محمد عبد الهادي لـquot;إيلافquot; أنه يجب على وزارة الاقتصاد أن تضرب بيد من حديد كل التجار الذين يقومون برفع الأسعار، من خلال فرض عقوبات قاسية عليهم، وأن يتم تكثيف الزيارات التفتيشية على كل محال المواد الغذائية بشكل دوري ومستمر ومفاجئ، وعدم الاكتفاء بزيارة المحال مرة واحدة في العام، وذلك لأنه عندما يجد الموردون وأصحاب المحال التجارية أنه ليست هناك رقابة لصيقة بهم، فإنهم يلجأون إلى زيادة الأسعار بشكل غير قانوني.

وشدد على أهمية تدعيم تدعيم أسعار السلع الغذائية والبترول والكهرباء والمياه، وذلك حتى تتوقف الهجرة العكسية من قبل الكفاءات الوافدة بسبب غلاء المعيشة في الدولة.

أسعار المواد الخام والظروف الطبيعية والسياسية
في المقابل، لفت الخبير الاقتصادي محمد السعيد لـquot;إيلافquot; إلى أن شركات السلع والخدمات أو الموردين أو التجار يضطرون في بعض الأحيان إلى زيادة الأسعار نتيجة للخسائر الضخمة التي يحققونها نتيجة بيع السلع أو تقديم تلك الخدمات بأسعار رخيصة، مبينًا أن أسعار المواد الخام قد تزداد فجأة في بعض الأوقات، بسبب وقوع بعض الظروف أو الكوارث الطبيعية أو السياسية، التي يمكنها أن تؤثر بشكل رئيس على الأسعار، مثل هطول الثلوج أو الأمطار، أو حدوث ظروف جوية صعبة تؤثر على نقل السلع والبضائع من مصادرها إلى الأسواق المحلية والدولية، أو زيادة الطلب على هذه السلع في بلد المنشأ أو ندرة وجود تلك السلع، أو وقوع توترات سياسية، تدفع إلى زيادة أسعار النفط ومشتقاته في الأسواق العالمية على سبيل المثال، وهو الأمر الذي يضطر التجار إلى زيادة الأسعار لتفادي وقوع خسائر أو المزيد منها.

وأضاف السعيد أن بعض السلع والخدمات تحتاج تدعيمًا حكوميًا لأسعارها حتى لا يتأثر المستهلك بالزيادات، التي قد يضطر التجار إلى فرضها نتيجة لأي ظروف مفاجئة، قد تحدث، مما يؤدي إلى زيادة الأسعار. لكنه أوضح أن دائرة حماية المستهلك لا بد وأن تحدد مجموعة معينة من السلع، لا يسمح للتجار بزيادة أسعارها، مهما كانت الظروف، وأن تترك بقية السلع لظروف العرض والطلب.

موجة غلاء غير مسبوقة

هذا وتواجه أسعار بعض السلع الأساسية في الإمارات حاليًا موجة غير مسبوقة من الارتفاع، حيث قام معظم الموردين برفع أسعار سلع عدة، مثل الخضر والفواكه والزيوت ومساحيق الغسيل والصابون ومستحضرات عناية، إضافة إلى بعض المنتجات الأخرى الخاصة بمستلزمات الأطفال.

هذا وتهدد بعض الشركات بالتوقف عن توريد السلع لمنافذ البيع التي تتعامل معها، إذا امتنعت عن قبول الزيادة في السلع التي توردها.

وأشار موردون إلى أن فرض زيادة الأسعار على بعض المنتجات يأتي نتيجة ارتفاع أسعار المواد الخام عالميًا وارتفاع تكاليف نقله، فضلاً عن زيادة الطلب على بعض هذه السلع في بلد المنشأ، الأمر الذي يزيد الكلفة النهائية للمنتج، وتصل الزيادة التي يطالب بها الموردون إلى 25% من قيمة تلك السلع، وفي المقابل تحذر إدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد التجار والموردين من أي زيادة في الأسعار من دون الحصول على موافقة رسمية منها قبل الإقدام على فرض أي زيادة مهما كانت طفيفة.

تجدر الإشارة إلى أن وزارة الاقتصاد أكدت أنها تتلقى في الوقت الحالي، وبصورة غير مسبوقة، شكاوى من مستهلكين، تتعلق بزيادات غير مبررة في أسعار السلع الغذائية الرئيسة، بعد قرار رئيس دولة الإمارات بزيادة رواتب موظفي الحكومة الاتحادية.