بينما تحظي ألمانيا بمكانة خاصة، لا جدال عليها، باعتبارها زعيمة لأوروبا، في ظل المتاعب الاقتصادية وأزمة الديون التي تعصف بالقارة العجوز، فإن التحول الذي حصل مؤخراً في مجرى الأحداث أدى لحدوث انزعاج بين جيرانها وبين الألمان أنفسهم.


القاهرة: إن ألمانيا، وفي أعقاب خسارتها للحربين العالميتين وقيامها بإبادة جماعية مرعبة، بدأت تسعى للعودة إلى الحظيرة الأوروبية، وهي قانعة بالتركيز على إعادة بناء اقتصادها المدمر وترك قيادة القارة بإخلاص لدول مثل فرنسا.

وهي الخطة التي التزم بها الألمان، وحققت معهم نجاحاً كبيراً. وبشكل ساخر للغاية، وجدت ألمانيا نفسها اليوم على طريق العودة للمكانة التي لم يكن يفترض أن تكون فيها، حيث باتت اليوم القوي المهينة على متغيرات الأحداث ومستجداتها في أوروبا.

وفي هذا الصدد، قالت اليوم صحيفة لوس أنغلوس تايمز الأميركية إن ألمانيا، وباعتبارها الأغنى في المنطقة والأكبر من حيث التعداد السكاني، فإنها الزعيم الذي لا جدال عليه في ظل أزمة الديون العنيدة والمشاكل الاقتصادية العميقة في القارة الأوروبية.

لكن التحول الذي طرأ على وضعيتها قد تسبب في تولد حالة من الانزعاج وعدم الارتياح ليس فقط بين بعض من دول الجوار وإنما أيضاً بين بعض المواطنين الألمان أنفسهم. ومضت الصحيفة تنقل في هذا السياق عن أولريك غويروت، زميل الأبحاث البارز لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، قوله :quot; لدينا علاقة متناقضة مع السلطة. ونحن لم يسبق لنا مطلقاً أن تحصلنا عليها بصورة صحيحةquot;.

وأعقبت الصحيفة بقولها إن مصير الاقتصاد العالمي يكمن الآن في أيدي المسؤولين الألمان الذين يقودون جهوداً هدفها إبعاد اليونان المثقلة بشدة بالديون عن مزيد من التدهور في الأوضاع وعن جر دول أخرى بمنطقة اليورو معها إلى الهاوية.

وقد نجحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، يوم أمس، في الحصول على موافقة عبر البرلمان الألماني على خطة إنقاذ لليونان بقيمة قدرها 175 مليار دولار، وهو إجراء مثير تماماً للانقسام بالنسبة لدافعي الضرائب الألمان الذين سيتحملون أكثر من نصف فاتورة إنقاذ اليونان، على حسب ما ذكرت لوس أنغلوس تايمز.

وفي غضون ذلك، يحث أوباما وغيره من قادة العالم ألمانيا على المساهمة بشكل أكبر من أجل تأسيس صندوق إنقاذ أوروبي دائم قد يضع حداً لأزمة الديون، وهي الضغوط التي تقاومها ميركل حتى الآن. وفي هذا الصدد، أشارت الصحيفة إلى أن دور القيادة الذي أقحم على ألمانيا يبدو أنه بمثابة حقل ألغام في عدة نواح. ويدرك المسؤولون في العاصمة الألمانية حقيقة التوازن الدقيق الذي ينبغي عليهم المحافظة عليه.

وقال نائب وزير الخارجية مايكل جورج لينك quot; من الضروري للغاية الانتباه لما تتلفظ به من كلمات. وحتى إن أقدمت على فعل ثمة شيء بنية حسنة، فإن ذلك قد يحظي بأصداء مختلفة تماماً في مكان آخر. وعلينا أن نكون دائماً على دراية بتاريخنا السياسيquot;.

ومع ذلك، وجه منتقدون اللوم لحكومة ميركل جراء الأخطاء التي ارتكبتها، بالاتساق مع شكواهم من السيطرة دائمة التزايد التي تفرضها ألمانيا على دول الجوار.

وتابعت الصحيفة الأميركية بقولها إن الخطة التي تنتهجها أوروبا حالياً لإنقاذ اليورو تحمل طابعاً ألمانياً دون جدال، من خلال إصرارها على تعهدات رسمية بأن تحدث استقامة مالية، وتدابير تقشف صارمة، ومعاقبة البلدان التي تحيد عن ذلك. من جهته، قال جوزيف جوفي، رئيس تحرير صحيفة دي تسايت الألمانية :quot; يمكنني القول إن ميركل هي ملكة أوروبا.

وقد ولت الأيام التي كان ينظر فيها إلى ألمانيا باعتبارها قوة على الصعيد الاقتصادي وقزم على الصعيد السياسي. وفي ذلك العصر الذي باتت تحظي فيه القوة الاقتصادية بالأهمية القصوى، كما اتضح خلال الـ 18 شهراً الماضية، نجح العملاق الاقتصادي في التحول أيضاً إلى عملاق سياسيquot;.

وبعد استعراضها ما تم بذله من جهود طوال الأشهر الماضية، ودور ميركل الفعال على صعيد التحركات الإيجابية قارياً لإنقاذ الوضع، أبرزت الصحيفة التصريحات التي حذر فيها رئيس الوزراء الايطالي الجديد، ماريو مونتي، من أن ألمانيا تجازف بأن تتعرض لثمة ردود أفعال باعتبارها زعيم تعصب الاتحاد الأوروبي، إذا فشلت في الاعتراف بالتضحيات التي تقدمها البلدان الأخرى.

وختم جوفي حديثه بالقول :quot; لقد ألقي عليها حقاً دور قيادة القارة الأوروبية، وتلك الدولة التي تحظي بثقافة غير مهيأة للعب دور القيادة، لا تمتلك الأجهزة ولا تشعر بالارتياح للقيام بمثل هذا الدورquot;.