رغم مرور سنة كاملة على قدح أول شرارة لثورة الياسمين في تونس، إلا أن الوضع العام في البلاد ما زال غير واضح الرؤية وهو ما دفع ثمنه الاقتصاد الذي يتخبط في صعوبات كبيرة تسببت بها عدة عوامل.


تونس:لعل أهمالعوامل التي أدت إلى صعوبات كبيرة للإقتصاد التونسي تتمثل بتراجع الاستثمار الأجنبي وانتشار الاعتصامات والاحتجاجات التي أشعل فتيلها العاطلون عن العمل، وخاصة حاملي الشهادات العليا والذين يفوق عددهم 200 ألف إضافة إلى الوضع السياسي الضبابي الذي تقوده حكومة متعثرة فشلت في تقديم بديل ثوري وفتحت الأبواب على مصراعيها للمعارضة لانتقاد أدائها بإستمرار.

بدأ السيد نجيب بن عياد من كبار المستثمرين في تونس قلقا وهو يحدثنا عن الاقتصاد التونسي وآفاق الاستثمار الخارجي الذي عرف أكبر تراجع له على مرّ السنين خلال سنة 2011.ويِوضح أن المستثمرين الأجانب يقفون وقفة تأمل كبيرة في الوضع الاقتصادي الراهن الذي تعيشه البلاد أضف إلى ذلك ما صرح به مؤخرا السيد سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والناطق الرسمي باسم الحكومة من أن بعض الأطراف تجري اتصالات بالسفارات التونسية في الخارج وتتحادث مع المستثمرين وتطلب منهم عدم الاستثمار في تونس لأن حكومة الترويكا ستنتهي خلال شهر مارس الجاري.

ويؤكد بن عياد أن مثل هده التصريحات من شأنها أن تؤثر في الاستثمار فكيف سيقدم المستثمر مهمن كان أجنبيا او تونسيا على الاستثمار وضخ أموال بالمليارات في بلاد سياستها غير واضحة وحكومتها متعثرة وأوضاعها الاجتماعية هشة.

عرقلة الاقتصاد

يفيد بن عياد بان الوضع العام في البلاد ما زال يتّسم بعدم الاستقرار خاصة على المستوى الاجتماعي فهذه اعتصامات مازالت إلى اليوم لم تجد حلا وهذه احتجاجات تخمد في منطقة لتشتعل في منطقة أخرى كلها عوامل تساهم بصورة مباشرة في عرقلة الاقتصاد وإبعاد المستثمرين. ويقول بن عياد رغم أنه يروّج أكبر الماركات العالمية في تونس والخارج إلا أن رقم معاملاته سنة 2011 شهد أسوأ تراجع له ومرت شركاته بظروف جدّ عصيبة عكس بعض مشاريعه في الكويت ولبنان والمغرب أين يفكر جديا في تغيير وجهته والاستقرار هناك خاصة إذا زاد الوضع الأمني والسياسي في البلاد تأزما.

ويقول: quot;رغم أني من أول المستثمرين الذين نجحوا في تركيز منظومة عقود الاستغلال تحت التسمية الأصلية أو ما اصطلح على تسميتها بالفرنشيز إلا أني سأتوقف على العمل تحت هذه المنظومة حتى تتضح الرؤية السياسية والاجتماعية في البلادquot; ولم تخالفه الرأي السيدة ليليى خياط نائبة رئيس مجلس سيدات الأعمال العربيات في الحديث عن الوضع الاقتصادي في البلاد وضرورة إيجاد حل لهذه الوضعيات الهشة والاعتصامات التي تعيق التنمية في البلاد وضرورة دفع عجلة الاقتصاد وقالت إن الوضع الحالي يتطلب التريث قليلا والوقوف إلى جانب الحكومة في مشروع التنمية الذي تسعى إلى تنفيذه.

وقالت إن المرأة التونسية وخاصة سيدة الأعمال في تونس تحظى بمكانة خاصة جدا، وجب عليها العمل إلى جانب الرجل وبكل جدية، للمحافظة عليها لبناء تونس الغد حتى وان تراجع المستثمر الأجنبي إلى الخلف وأعاقته بعض الهواجس والتخوفات من الاستثمار في تونس وهو أمر مشروع، فإن رجال وسيدات الأعمال التونسيين مطالبون بضخ أموالهم في بلادهم وتوفير مشاريع تنموية في المناطق الداخلية والجهات المحرومة ومناطق الظل لتوفير مواطن شغل قارة لساكني هذه المناطق والخروج بالاقتصاد الوطني من الدائرة الضيقة.

لعبة متداخلة الأرقام

يرى السيد ابوبكر الأشقر محلل سياسي واقتصادي أن الوضع الاقتصادي في تونس ما زال غير واضح المعالم وشبّهه بلعبة متداخلة الأرقام صعبة التنفيذ لا يفهم لها أول من آخر أو كالخيط الهلامي زئبقي التكوين كلما تصورت انك أمسكت بطرف منه افلت منك ثانية، هذا الوضع الاقتصادي المتعثر والذي لا تستطيع تحديد مؤشرات واضحة له في غياب استثمارات ضخمة وانتشار الفزاعة الدينية التي يتبناها بعض المنتمين إلى التيار السلفي ممن يتفننون في إخافة المواطنين بشكل مباشر وترويع المستثمرين بطريقة غير مباشرة ساهم في تعقيد الحركة الاقتصادية في البلاد إضافة إلى تواصل تفاقم العجز الجاري في البلاد و الذي ارتفع خلال الشهر الماضي إلى 634 مليون دينار أي ما يعادل 437.24 مليون دولار وقد أرجع محافظ البنك المركزي التونسي جزءا هاما من هذا الارتفاع إلى الزيادة الكبيرة في كلفة واردات مواد الطاقة، ما ساهم في تراجع احتياطي تونس من النقد الأجنبي الذي بلغ إلى حد يوم 21 فبراير الماضي 10.200 مليار دينار أي ما يعادل 7.034 مليارات دولار ما يغطي 108 أيام من الواردات التونسية.

وقال المحلل الاقتصادي إنه وللخروج من هذه الأزمة وحلّ لغز اللعبة الاقتصادية المتداخلة وجب العمل بكل جدية على تعبئة موارد مالية من النقد الأجنبي في شكل هبات أو قروض لمجابهة هذا الوضع الذي ربما قد يكون كارثيا ما لم يتم العمل على تركيز آليات عملية وسريعة وهو حل اقترحه محافظ البنك المركزي وما زال لم يجد طريقه إلى التنفيذ ولعل الحكومة ما زالت لم تعِ بعد خطورة الوضع الذي يمر به الاقتصاد والذي يقتضي بذل مجهودات مضاعفة لتوفير استقرار شامل.