مستقبل غامض للغذاء والماء في دول الخليج

أكد المشاركون في مؤتمر quot;أمن الماء والغذاء في دول الخليجquot; الذي أنطلقت فعالياته الاثنين، أن أمن الماء والغذاء يقع ضمن التحديات الإستراتيجية لدول التعاون،التي تقع ضمن أكثر مناطق العالم جفافاً وفقراً في الموارد المائية والطبيعية.


أبوظبي: إن الضغوط التي يتعرض لها قطاع الماء والغذاء في دول الخليج تجعل الإسراع في وضع استراتيجية شاملة للماء والغذاء أمراً حتمياً. إذ ليس شح مصادر المياه هو المشكلة الوحيدة التي تواجه دول المجلس بل هناك،‮ ‬ملوثات المياه التي تزداد تنوعاً ‬وشراسة،‮ ‬إضافة إلى تزايد متوسط استهلاك الفرد الخليجي‮ ‬من المياه‮ ‬ليصل إلى‮ ‬350‮ ‬ليتراً ‬يومياً،‮ ‬وهو من أعلى المعدلات في‮ ‬العالم،‮ ‬كما ما زالت المنطقة تفتقر إلى إدارة متكاملة حقيقية للمياه تضمن تحقيق الأمن المائي‮ ‬المطلوب.

كما أن الأمن الغذائي العالمي يواجه تحديات كبيرة، فمن المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم من 7 مليارات إلى 9 مليارات نسمة العام 2050. كما أن التقدم الاقتصادي في البلدان الصاعدة ستنتج عنه زيادة الدخل للطبقات الفقيرة، ومن ثم سيشهد الطلب العالمي على الغذاء زيادة كبيرة تتطلب زيادة الإنتاج بنحو 70% عالمياً، و100% في البلدان النامية.

وأضاف مشاركون في مؤتمر rlm;quot;أمن الماء والغذاء في الخليج العربيquot; الذي انطلقت فعالياته الاثنين في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي أن quot;أمن الماء والغذاءquot; يقع ضمن التحديات الاستراتيجية التي تواجه حكومات دول quot;مجلس التعاون لدول الخليج العربيةquot;، حيث تقع هذه الدول ضمن أكثر مناطق العالم جفافاً وفقراً في الموارد المائية الطبيعية، وإنه على الرغم من اعتمادها بشكل رئيسي على المياه المحلاة -وهو الحل الأكثر تكلفة- بالإضافة إلى المياه الجوفية، فهي لا تزال تواجه تحديات عدة من استنزاف لتلك الموارد، بسبب تزايد عدد السكان ونقص الوعي بضرورة الحفاظ على تلك الثروة.

متوسط استهلاك الفرد الخليجي من المياه يصل إلى 350 ليتراً يومياً

قال الدكتور عبداللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في كلمته التي ألقاها نيابة عنه عبدالله الشبلي الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية إن الغذاء والماء من أهم القضايا الاستراتيجية التي اهتم بها جميع قادة دول المجلس منذ تأسيسه، لما لهما من أهمية لحياة المواطن الخليجي وتعزيز حياته وتنميته المستدامة. كما أن quot;تحديات المياه كثيرة منها التلوث، كما أن متوسط استهلاك الفرد الخليجي يومياً نحو 350 ليتراً ،وهو من أعلى المعدلات في‮ ‬العالم لكننا بقادتنا ورؤيتهم الرشيدة قادرون على مواجهة التحديات كافةquot;.

وأوضح الزياني أنه صدر عن quot;مجلس التعاون لدول الخليج العربيةquot; الكثير من التوصيات والإجراءات المتصلة بترشيد استغلال المياه وتحسينه، حيث أقرت كل مؤتمرات المجلس بأن يكون موضوع المياه بنداً قائماً في جلسات مجلس التعاون كلها، وأن تكون قضية التحلية بدورها بنداً حاضراً. مبيناً أنه في قمة العام 2003 أصدرت الأمانة العامة للمجلس المذكرة المتصلة بالإدارة المائية المتكاملة للمياه وتم التشديد على مراجعتها دورياً، وإعداد خطة متكاملة للتعامل مع القضايا المستجدة المتعلقة بالمياه كافة.

ولفت الزياني النظر إلى أنه في العام 2004 تبنت الأمانة العامة خطة الإدارة المتكاملة والتنمية المستدامة في موضوع المياه واشتملت الخطة على خطوات عدة وإعداد خطة لمعالجة النقص في المياه كتحديد المكامن الجوفية والتحلية وتقديم إحصاء لدرجات الاستهلاك وإعداد القوانين المتصلة بتحلية المياه وإعادة الاستفادة من مياه الصرف الصحي وتحديد البحيرات الجوفية المشتركة بين دول المجلس وضبطها للحفاظ عليها من التلوث والاستفادة منها.

مشيراً إلى أن الأمن الغذائي حظي بدوره باهتمام قادةدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ اجتماع العام 1985، فقد وضعت قوانين وتوصيات ترسم أطر العمل الخليجي المشترك في استيراد الغذاء وسياسته وما يتصل بذلك من قضايا كشهادة الصحة الغذائية وتراخيص العبور الخاصة بالأغذية، وتحديد المحاصيل الموجودة في دول المجلس ودراستها.

وأفاد الزياني بأن الدورة 31 لاجتماع قادة مجلس التعاون التي عقدت في أبوظبي في العام 2010 قد حددت معالم السياسة المائية لدول المجلس ومستقبلها، والعلاقة بين الماء والزراعة والغذاء وعلاقة ذلك كله بالمياه وبأمن المواطن الخليجي. مبيناً أن على دول مجلس التعاون الخليجي تبنّي استراتيجية متكاملة حول أمن الماء والغذاء لمواجهة التحديات المستقبلية.

ودعا الزياني إلى ضرورة ‬التركيز على الأبعاد الاستراتيجية المتعلقة بأمن المياه في‮ ‬منطقة الخليج العربي‮. ‬لذلك فإن دول المجلس مدعوة أكثر من أي‮ ‬وقت مضى إلى اتخاذ خطوات جادة وحثيثة نحو تبني‮ ‬استراتيجية خليجية شاملة بعيدة المدى بشأن الأمن المائي‮ ‬والغذائي‮ ‬في‮ ‬دول المجلس وإعطائهما أولوية قصوى.

أكثر مناطق العالم جفافاً وفقراً في الموارد المائية

الخليج يواجه خطر شح المياه

وفي سياق متصل، أكد الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في كلمته في المؤتمر أن مفهوم الأمن المائي والغذائي برز كأحد التحديات الاستراتيجية التي تواجه حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تقع هذه الدول ضمن أكثر مناطق العالم جفافاً وفقراً في الموارد المائية الطبيعية. مضيفاً أن الأمن الغذائي أيضاً يواجه مستقبلاً غامضاً في دول الخليج العربي، حيث تواجه إمداداتها الغذائية تهديداً متزايداً بسبب ندرة الموارد الطبيعية وتدهورها، علاوة على اعتمادها على استيراد معظم احتياجاتها الغذائية من الخارج، ما يجعلها عرضة لعدم الاستقرار اقتصادياً واجتماعياً، نظراً إلى تقلبات الإنتاج العالمي للأغذية، وتغيّرات السياسات التجارية، وتذبذب أسعار السلع الأساسية.

ومن جهته، أوضح الدكتور راشد أحمد بن فهد، وزير البيئة والمياه في دولة الإمارات، إن قضية الأمن المائي والغذائي تمثل إحدى القضايا الرئيسية التي تنعكس على التنمية في دولة الإمارات ومنطقة الخليج، حيث تتشابه الظروف الطبيعية والمناخية في دول الخليج العربي إلى حدّ كبير، فالمنطقة شديدة الجفاف، وقد انعكس ذلك على قلة الموارد المائية المتجدّدة فيها.

مضيفاً أن الطلب على المياه ازداد من ستة مليارات متر مكعب العام 1980 إلى 26 مليار متر مكعب العام 1995، وأن معدل نصيب الفرد من المياه انخفض من 700 متر مكعب العام 1970 إلى 170 متراً مكعباً العام 2000. وأدى العجز في المياه الجوفية إلى الطلب المتزايد على المياه العذبة. مشيراً إلى أن القطاع الزراعي يستهلك نحو 70% من المياه العذبة، وأن الطلب على المياه قد نما في القطاع الحضري أكثر من الضعف، وأصبح استهلاك المياه في القطاع المنزلي استهلاكاً غير رشيد، الأمر الذي يزيد من صعوبة المشكلة.

عدد سكان العالم 9 مليارات في 2050 .. والأمن الغذائي في خطر

أكد عبدو قاسم العسيري، منسق المكتب شبه الإقليمي لدول الخليج العربي واليمن لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، ممثل المنظمة في دولة الإمارات، أن الأمن الغذائي العالمي يواجه تحديات كبيرة، فمن المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم من سبعة مليارات إلى تسعة مليارات العام 2050. كما أن التقدم الاقتصادي في البلدان الصاعدة ستنتج عنه زيادة الدخل للطبقات الفقيرة، ومن ثم سيشهد الطلب العالمي على الغذاء زيادة كبيرة تتطلب زيادة الإنتاج بنحو 70% عالمياً، و100% في البلدان النامية، ولكن ذلك يواجه بنقص الاستثمارات في القطاع الزراعي.

مشيرا إلى أن هناك تحديات عدّة على مستوى الأمن الغذائي والمائي الإقليمي، من أهمها محدودية الموارد المائية والأراضي الصالحة للزراعة، إلى جانب تحديات الأزمة المالية العالمية وتوقعات التغيّرات المناخية الحادة.

وذكر العسيري أن دول المنطقة مستورد حقيقي للغذاء، وقد أسفرت زيادة السكان، وارتفاع مستويات الدخول، عن ارتفاعات كبيرة في واردات المنتجات الغذائية. كما ارتفعت قيمة واردات الأغذية في البلدان التي يغطيها quot;المكتب شبه الإقليميquot; من 6.5 مليارات دولار العام 1990 إلى 28 ملياراً العام 2008. لافتاً إلى أنه من الضروري تقييم الأنماط المتغيّرة في استهلاك الغذاء، ومعرفة أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والصحية والغذائية.

أما بالنسبة إلى الموارد المائية في المنطقة، فهناك إجماع، بحسب العسيري، على أنها تمثل أهم التحديات، ليس للتنمية الزراعية فحسب، بل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أيضاً، فهناك ندرة في الأمطار، ويبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه الجوفية أقل من 100 متر مكعب مقابل 6.400 متر مكعب للفرد في العالم.

المياه باتت تهدد الأمن القومي للدول

أشار الدكتور محمد سالمان طايع، أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية في quot;جامعة القاهرةquot;، أن المياه تعتبر من أهم مدخلات عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأحد العوامل الرئيسية التي باتت تهدد quot;الأمن القوميquot; للدول والمجتمعات، وأشار إلى الدور المتزايد لمتغير المياه في منظومة الأمن القومي لأي دولة، وذلك في ضوء مجموعة من الاعتبارات.

وتطرق طايع إلى ظاهرة الجفاف التي اجتاحت العديد من الدول خلال ربع القرن الماضي، بسبب انخفاض الموارد المائية لديها إلى الحدّ الذي دفع بعض المراقبين والمحللين إلى القول إن بعض مناطق العالم توشك أن تشهد مجاعة مائية حقيقية. كما تحدث عن الاعتبار المتمثل في تفاقم مشكلة الغذاء في العديد من الدول الواقعة في نصف الكرة الجنوبي. ومن ناحية ثالثة، تناول طايع التزايد المطّرد في استخدام المياه للأغراض التنموية الزراعية والصناعية وتوليد الكهرباء، واختتم هذه الاعتبارات في ظاهرة الانفجار السكاني، خاصة في العالم النامي.

وحول خصوصية الحالة المائية لدول الخليج العربي، قال طايع إن هذه الدول تعتمد على تحلية مياه البحر في تأمين مصادر المياه العذبة التي تلبي أكثر من 70% من مجموع الاحتياجات المائية لسكانها، وأشار إلى أن مفهوم quot;الأمن المائي في الخليجquot; تتداخل فيه الأبعاد الأمنية المتعلقة بالمياه العذبة، مع تلك المتعلقة بمياه الخليج المالحة، لأن الأخيرة تمثل الرافد الأساسي والمورد الرئيسي لتوفير النسبة الغالبة من الموارد المائية في تلك المنطقة.

وأوضح الدكتور نديم فرج الله، أستاذ مشارك في قسم تصميم المناظر الطبيعية وإدارة النظم البيئية في quot;الجامعة الأميركيةquot; في بيروت، أن تزايد عدد السكان ونمو الاقتصادات وتغيّرات المناخ أدت إلى زيادة في الطلب على المياه، حيث قدرت دراسات حديثة زيادة الطلب العالمي على المياه بحلول العام 2030 بنسبة 40% على ما هو عليه اليوم.

وأضاف فرج الله أن ذلك سينعكس على دول مجلس التعاون، حيث يبلغ متوسط معدلات النمو السنوي لكل من السكان والناتج المحلي الإجمالي في دول quot;مجلس التعاون لدول الخليج العربيةquot; نحو 7%، في حين أن نسبة النمو السنوي للطلب على المياه قاربت الـ17%، وأوضح أنه على الرغم من أن إمدادات المياه العذبة ظلت ثابتة، فقد تراجعت حصة الفرد من موارد المياه العذبة الداخلية بنحو 23%، حيث عانت قطر أكبر انخفاض بنسبة قاربت الـ60%، تليها دولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة 52% ومملكة البحرين بنسبة 50%.

وأكد فرج الله على محدودية المياه العذبة في دول التعاون، حيث يأتي معظمها من مصادر جوفية، بينما تأتي كمية قليلة من المصادر السطحية. وأضاف أن الموارد المتاحة لا تكفي لتلبية احتياجات شعوب هذه الدول، ويجري بالتالي زيادتها بصورة رئيسية عن طريق تحلية مياه البحر. مرجّحاً أن تصبح مصادر المياه العذبة أكثر ندرة في المنطقة نتيجة التغيرات المناخية. وتطرق فرج الله إلى مزاعم بعضهم أن هطول الأمطار على شبه الجزيرة العربية يمكن أن يتدنى بنسبة تصل إلى15%-20%.

وقال فرج الله أن السعودية تستخدم 1.5 مليون برميل من النفط لتحلية 24 مليون متر مكعب من المياه يومياً. وإذا لم يحدث تحول كبير في الطلب، فسوف تمثل ندرة المياه عقبة رئيسية أمام التنمية الإقليمية.