توطين الوظائف في الإمارات يتزايد بقوة

تسعى حكومة دولة الإمارات حالياً إلى تعيين أكبر نسبة ممكنة من المواطنين الإماراتيين العاطلين عن العمل والذين يصل عددهم تقريباً إلى 40 ألف مواطن، وذلك عبر توفير وظائف مناسبة لهم في جميع الهيئات الحكومية في الدولة سواء كانت محلية أو اتحادية.


دبي: تواجه جميع شركات القطاع الحكومي الكبرى في الإمارات ضغوطا كبيرة في اتجاه رفع نسبة التوطين لديها، وكنتيجة لهذا الضغط الحكومي والدعوات المتتالية من قبل هيئات التوطين في الدولة مثل هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية quot;تنميةquot; ومجلس أبوظبي للتوطين بضرورة توطين الوظائف، بدأت المؤسسات والشركات الحكومية استقطاب بعض المواطنين للعمل في وظائف إدارية. كما تمت إقامة عدد كبير من معارض التوظيف في أبوظبي ودبي والشارقة من أجل استقطاب المواطنين الإماراتيين الراغبين في العمل.

هذا وتوقعت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية في الإمارات أن تصل نسب التوطين في الوزارات والجهات الاتحادية إلى 74% في العام المقبل 2013، مشيرة إلى أن تلك النسبة وصلت في نهاية العام الماضي 2011 إلى 67% تقريبا، كما يبلغ معدل الزيادة في التوطين بنسبة 7%. وبهذا بدأ توطين الوظائف في المؤسسات الحكومية في الدولة يتسع ويتزايد الآن بدرجة غير مسبوقة عن ذي قبل.

وتقوم الجهات المعنية حاليا بتشكيل فرق متابعة لخطط التوطين والإحلال فيها، والاستفادة من توجيهات الحكومة في ما يتعلق بتنفيذ القرارات الحكومية المتعلقة بتوطين الوظائف، لاسيما تطبيق برنامج quot;مسارquot; المعني بخريجي الثانوية العامة واستقطاب المواطنين في التخصصات الفنية والتنسيق مع هيئة quot;تنميةquot; لشغل الوظائف الشاغرة لديها، والتنسيق مع مؤسسات التعليم العالي لتلبية احتياجات الجهات من التخصصات.

تحديات.. التعليم والتأهيل والكفاءة

تحديات كبيرة تواجه توطين الوظائف في الإمارات

وقال عدد من مسؤولي الموارد البشرية في بعض المؤسسات الحكومية في الإمارات الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم لـquot;إيلافquot; إنه على الرغم من رغبة حكومة الإمارات القوية في تعيين المواطنين للعمل في كافة مؤسساتها وفي داخل كل الأقسام والإدارات المختلفة الموجودة في تلك المؤسسات سواء كانت أعمالا إدارية أو فنية أو مهارية إلا أنهالا تزال تواجه تحديات كبرى يتمثل بعضها في عدم وجود العدد الكافي من المواطنين المؤهلين لشغل الوظائف الفنية والمهارية التي تحتاج إلى كوادر مؤهلة بشكل عال ودقيق.

علاوة على عدم إتمام معظم الأفراد الباحثين عن عمل للمؤهلات الجامعية المطلوبة، مضيفين أن معظم هؤلاء العاطلين لا يزيد تعليمهم عن المرحلة الثانوية وبالتالي لا يمكنهم تحمل مسؤولية الكثير من الأعمال المنوطة بهم لغياب المعايير المطلوبة لشغل تلك الوظائف، الأمر الذي يضع الحكومة في مأزق توفير وظائف مناسبة لهم وفق قدراتهم في القطاع الحكومي في مقابل احتياج ذلك القطاع إلى كوادر فنية مؤهلة للعمل بشكل سريع، في إطار سعي الدولة إلى تحقيق التنمية الشاملة التي ترغب في الوصول إليها في كافة المجالات.

وأوضحوا أنّ معظم الهيئات والمؤسسات الحكومية لا تلجأ إلى توظيف الوافدين quot;غير الإماراتيينquot; إلا بعد عجزها عن إشغال شواغرها بموظفين إماراتيين مؤهلين ومتخصصين. لافتين إلى أنهم يضطرون إلى تعيين كوادر وافدة مؤهلة من أجل تحقيق الجودة في العمل وإنجاز خطط العمل ومشروعاته المطلوبة بكل دقة وكفاءة.

وأشاروا إلى أن بعض الشباب المواطن يتكاسلون عن إكمال تعليمهم الجامعي أو تأهيل أنفسهم وتطوير قدراتهم وإمكاناتهم، وفي المقابل يرفضون العمل في وظائف متوسطة تناسب قدراتهم ومستواهم التعليمي، ومن ثم يلقون بالمسؤولية عن عدم توفير وظائف عليا لهم على الحكومة وليس على أنفسهم.

مضيفين أن هؤلاء العاطلين يرفضون كذلك العمل في القطاع الخاص أو الشركات شبه الحكومية رغم توفر المزيد من فرص العمل فيه، وذلك لأنهم لا يجدون المميزات التي ينعم بها موظف القطاع الحكومي في ذلك القطاع الخاص من رواتب مرتفعة فضلا عن امتيازات أخرى. الأمر الذي يدفع شركات ذلك القطاع إلى توظيف الوافدين والإحجام عن توظيف المواطنين. ما أدى إلى شغل ذلك القطاع بملايين من الموظفين العرب والأجانب ومن ثم سيطرتهم عليه بشكل شبه كامل.

وأوضح هؤلاء المسؤولون أن الكوادر الإماراتية الشابة تحتاج إلى المزيد من التدريب والتأهيل المناسب في عدد كبير من الوظائف الفنية قبل شغلها، حتى يمكن للمؤسسات الحكومية تقليل الاعتماد على الموظف الوافد الذي يعمل بإنتاجية أكبر من الموظف المواطن، وذلك لأن الموظف المواطن يحرص على استمرار إنتاجيته في العمل حتى يستطيع الاستمرار في المؤسسة ولكي لا يتم quot;تفنيشهquot; منها على عكس الموظف المواطن الذي قد لا يهتم بزيادة إنتاجيته في العمل أو تحمله المسؤولية انطلاقا من قناعته التامة بأنه لا يمكن أن يتم quot;تفنيشهquot; أو أن يتم إنهاء خدماته من العمل في المؤسسات الحكومية.

توطين في وظائف شكلية وإشرافية.. بلا إنتاجية حقيقية

ويرى مراقبون أن جزءا كبيرا من التوطين في الشركات الخاصة ومؤسسات الدولة يكون شكليا وذلك إرضاء للتوجه الحكومي في توطين الوظائف، وهو ما يعني استحداث وظائف شكلية ليست ذات إنتاجية يشغلها المواطنون، أو تعيينهم في وظائف إشرافية لا تتطلب مهارات عالية، إلى جانب تعيين الوافدين في الوظائف التي تتطلب خبرة ومهارة وإنتاجية كبيرة، وذلك من أجل تعويض النقص في إنتاجية الوظائف التي يشغلها الإماراتيون. أي أن المواطن يكون مجرد مشرف على عمل الوافد الذي تقع عليه مسؤولية الإنتاج وتنفيذ خطط الشركات والمؤسسات على أرض الواقع.

ويتساءل هؤلاء: هل يمكن أن تستمر الهيئات والمؤسسات الحكومية أو الخاصة في العمل بالكفاءة نفسها التي تعمل بها حاليا لو قامت بإحلال الموظف المواطن للعمل بديلا من الموظف الوافد؟ أي هل سينجح الموظف المواطن في ملء الفراغ الذي سيتركه الموظف الوافد في العمل.. وهل سيعمل بالكفاءة نفسها أم أن إنتاجية تلك المؤسسات ستقل بشكل ملحوظ؟!.

وتجدر الإشارة إلى أن قوانين العمل في دولة الإمارات لا تفرض على الشركات الخاصة توظيف الإماراتيين إلا في مهن محدودة جدا، وذلك على عكس الوضع في القطاع الحكومي الاتحادي والمحلي. فلا يوجد قيود كبيرة على تشغيل الوافدين في القطاع الخاص واستقدامهم، كما أن التعاقد معهم يتسم بمرونة كبيرة.

هذا ويزيد عدد الوافدين في الإمارات حسب آخر التقديرات الرسمية عن 7 ملايين نسمة، وهو ما يشكل 85% من جملة سكان الإمارات في مقابل تراجع عدد السكان الإماراتيين ليمثلوا ما نسبة 15% فقط من جملة عدد السكان، أي أن عددهم الإجمالي لا يزيد عن مليون نسمة. الأمر الذي يشكل خللا كبيرا في التركيبة السكانية لصالح العمالة الأجنبية، حيث تشكل الجالية الهندية العدد الأكبر من جملة السكان وتليها الجاليات الفلبينية والباكستانية والبنغالية ومن ثم تأتي الجالية العربية.

وجدير بالذكر أنه تم تأسيس مجلس أبوظبي للتوطين كهيئة حكومية في شهر ديسمبر عام 2005 تجسيداً لرؤية الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، حاكم إمارة أبوظبي وتحقيقا لمساعي حكومة إمارة أبوظبي الرامية إلى تطوير الكفاءات الوطنية في سوق العمل وتعزيز التوطين في سوق العمل لا سيما في القطاع الخاص.