الدكتور عادل عامر

كشف خبير اقتصادي أن حجم جرائم ما يعرف بـquot;تبييض أو غسيل الأموالquot; في مصر يبلغ 15 مليار دولار سنوياً، وحذّر الخبير من انتشار جرائم تزييف الدولار في مصر أيضاً بعد الثورة، لافتاً إلى أن مثل هذه الجرائم تشكل خطراً داهماً على الإقتصادي المصري الذي يعاني من التدهور الحاد.


القاهرة: وفقاً للدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات الإقتصادية، فإن جرائم غسيل الأموال والجريمة البيضاء تشهد تزايداً على المستوى العالمي، حتى وصلت إلى 600 مليار دولار سنوياً، بلغ نصيب مصر منها 5 مليارات، وأضاف عامر في دراسة له أنه منذ إنشاء وحدة مكافحة غسيل الأموال في البنك المركزي المصري وفقاً للقانون الرقم 80 لسنة 2002 تلقت الوحدة ما يقاربالـ 2000 إخطار بشبهة غسيل الأموال عن مؤسسات وأشخاص لم تتم الإدانة إلا في خمس حالات هي:المتهمون الـ 31في قضية الآثار الكبرى، وقضية مصري في إيطاليا استولى على 14 مليون يورو من وزارة التعليم الإيطالية وعندما أخطرتنا السلطات الإيطالية بالواقعة كانت قد أبلغتنا عن 11 مليون يورو فقط واستطاعت الوحدة إثبات أن المبلغ هو14 مليون يورو، وهناك قضية سليم الرادة الذي استولى على ملايين الجنيهات وتم التحفظ على أصوله وصدر حكم ضده، وقضية مدرس جاء بلاغ بحقهبأنه قام بفتح حساب لزوجته في البنك بمبلغ 250 ألف جنيه، بالتحريات عنه وعن مصدر دخله المعروف والمتمثل في راتبه تبين أنها أموال مسروقة، وقضية خاصة بصاحب إحدى شركات الصرافة الصغيرة الذيجمع اموالاًمن تزييف العملة.

نشاطات غير مشروعة

وأوضح عامر أن الأساليب التي يجري على أساسها غسيل هذه الأموال غير المشروعة التي يتم تحصيلها من عمليات السرقة وتسهيل الدعارة والرشوة وتهريب المخدرات وتهريب البشر والمتاجرة بالأطفال، ونوادي القمار، تتمثل في أن يقوم أصحاب الأموال غير المشروعة هذه بإيداعها في بنوك أو تحويلها بين البنوك لدمجها مع الأموال المشروعة، وإخفاء مصادرها الأصلية. وقد يتم تحويل هذه الأموال من البنوك الداخلية إلى بنوك عالمية لها فروع كثيرة في العالم. ثم تقوم البنوك الخارجية نفسها بعملية تحويل أخرى للأموال عبر فروعها المختلفة، وبعد ذلك يقوم أصحابها بسحب أموالهم من البنوك لشراء الأراضي، أو المساهمة في شركات عابرة القارات.

تزييف العملة

وحذّر عامر من انتشار نوع جديد من جرائم الأموال في مصر بعد الثورة، ألا وهي جريمة تزييف عملة الدولار، وقال إن حجم هذا النشاط غير المشروع وصل إلى نحو ملياري دولار. وأوضح أن هذه الجريمة كانت محدودة للغاية قبل الثورة، لأن الحصول على طابعة الليزر الألوان، التي يمكن استخدامها في تزوير العملات، كان يتطلب موافقة من جهاز أمن الدولة المنحل، إلا أنه بعد ثورة يناير دخلت كميات مهولة من تلك الطابعات إلىمصر من دون قيود، نظرًا لانخفاض أسعار تلك الطابعات في السوق المحلية لتبلغ 3 آلاف جنيه، الأمر الذي يوحي بالاستغراب، حول توقف الإجراءات الأمنية التي كانت متبعة بشأنها وتصل إلى أخذ بصمة الطابعة بما يمكن من تتبعها وضبطها حال إصدار عملات مزورة عبرها.

ولفت إلى أن عمليات التزوير انتقلت إلى الفئات النقدية الأقل قيمة كالعشرين جنيهًا بسبب سرعة وسهولة تداولها، كذلك تزايد حجم التداول على فئة نقدية يسهل دس عملات مزورة داخلها من دون اكتشافها، كما أنها ترتبط بنوعية وثقافة الطبقة التي تقوم بتداولها، على اعتبار أن العملات متوسطة القيمة هي الأكثر تداولاً بين قطاعات الشعب كما أنه لا يتم التدقيق فيها. إن بعض العملات المزيفة قد يتم تدويرها لتدخل وتخرج من البنوك مجددًا من دون اكتشافها، مشيراً إلى أن حجم الاختراق لدورة النقد عالٍ جدًا سواء عبر عمليات غسيل أموال أو تزوير، موضحًا أن نظم الدفع هي عبارة عن منظمات متكاملة في ما بينها بنقطة مركزية تستطيع من خلالها مراقبة السيولة.

تخليق الدولار

وأشار عامر إلى انتشار نوع ثالث من جرائم الأموال في مصر بعد الثورة، ويتمثل في عمليات quot;تخليق الدولارquot;، التي يتورط فيها بعض أفارقة في مصر، وهي لا تدخل ضمن جرائم تزييف العملات باعتبارها عمليات نصب، وتقدر بثلاثة مليارات دولار. وتجري عمليات نصب عبر الإنترنت من خلال الأفارقة أو عمليات نصب من خلال الأفارقة المقيمين في مصر، الذين يخدعون بعض رجال الأعمال بقدرتهم على تخليق الدولار أي تحويل الأموال المصرية إلى دولارات.

تراخي الجهات الامنية

وقال عامر لـquot;إيلافquot; إن السبب في انتشار جرائم الأموال في مصر بعد الثورة يرجع إلى ضعف الرقابة وتراخي الجهات الأمنية في متابعة النشاطات الإجرامية، وأضاف أن الدول النامية عموماً مستهدفة لغسيل الأموال الناتجة عن الأنشطة غير المشروعة مثل تجارة المخدرات والدعارة والمضاربات في البورصة، مشيراً إلى أن حجم المضاربات غير المشروعة في البورصة يبلغ خمسة مليارات دولار. ولفت إلى أن نشاط غسيل الأموال يستغل البورصات الناشئة من خلال عمليات تداول ضخمة وعن طريق وسطاء وشركات سمسرة وإنشاء شركات لتحويل الأرصدة إليها لتبييض وغسيل الأموال من خلالها.

إصابة الإقتصاد بالشلل

أضاف عامر أن جريمة غسيل الأموال تصيب إقتصاد أي دولة بشلل في عملية نموها وتؤدي إلى عدم القدرة على اتخاذ القرار الاقتصادي السليم، بسبب عدم القدرة على معرفة حجم المعروض النقدي الحقيقي والمزيف وتأثيرهما على الأوضاع الاقتصادية من حيث عمليات الإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار، إضافة إلى إسهامها فى إحداث حالة انكماش وتدهور عام في الأداء الاقتصادي واتساع نطاق الفقر والتوتر الاجتماعي.

استخدام الوسائل الحديثة

ويرجع عامر انتشار جرائم تزييف وتزوير العملة في مصر بعد الثورة أيضاً إلى التقدم التكنولوجي واستخدام الوسائل الحديثةالتيأصبحت متاحة بأقل الأسعار، فضلاً عن عدم تحديث البنك المركزي لنظم طباعة العملات، وتخلفه عن مواكبة التطورات العالمية منذ 2003. مشيراً إلى أن البنك المركزي يستخدم تقنيات تعتبر بالية عند مقارنتها بالأنظمة التكنولوجية الحديثة الخاصة بتزوير العملات، فضلاً عن غياب دور إدارات المراجعة الداخلية في البنك المركزي، ويضاف إلى ذلك محاولة إسرائيل تدمير الإقتصاد المصري من خلال هذه النشاطات غير المشروعة، موضحاً أنه تم ضبط نحو 34 قضية تزييف عملة قادمة من إسرائيل بعد الثورة.

جريمة معقدة

وحول كيفية تتبع عمليات غسيل الأموال، قال عامر إن هذه الجريمة تعتبر من أعقد الجرائم عالمياً، وليس من السهل كشفها، مشيراً إلى أن مرتكبيها عادة ما يكونون من أصحاب النفوذ والسلطة وكبار رجال الأعمال، ولذلك يطلق عليها جرائم أصحاب الياقات البيضاء، لكنه أشار إلى أن بداية الكشف عنها يكون بتلقي بلاغ من اشتباه في عميل في بنك تضخمت ثروته بما لا يتناسب مع مصادر دخله أو نشاطه التجاري، ويتم التحري عنه بمعرفة الجهات المختصة، وتابع قائلاً إن لجوء عميل إلى وسيط عقاري لشراء وحدة عقارية بأسعار مبالغ فيها في أوقات تعاني فيها الأسواق حالة ركود، فإنه يشتبه في قيامه بغسيل أموال، بالإضافة إلى أنه في حالة قيام شخص، معلوم دخله من وظيفته، بإنشاء مشاريع تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة تحوم حوله شبهة الغسيل، ولو اتجه عميل يتعامل في الأوراق المالية بمبلغ صغير في عمليات شراء وفجأة تضخم مبلغ المضاربة على الأوراق المالية فإنه يشتبه في تورطه في هذه الجريمة.