يتوافق الخبراء الاقتصاديون على أن مصر مستمرة في سداد ديونها، وأنها قادرة على دفع مستحقات موظفيها، لذا هي بعيدة عن الافلاس. وخير برهان على ذلك استمرار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على القروض.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: وسط تصاعد الأحداث السياسية وتعقيداتها، واشتعال الصراعات بين التيار الإسلامي الذي يمسك بزمام السلطة في مصر من جانب، والمعارضة الليبرالية من جانب آخر، يدفع الإقتصاد المصري ثمن العنف، لاسيما وأنه لا تلوح في الأفق أية بوادر لإنتهاء الأزمة وإنقشاع الغمة، ما يعيق عودة الإستثمارات ورؤوس الأموال المهاجرة، ويزيد من صعوبة الأوضاع الإقتصادية، ويشعل بورصة التكهنات بإقتراب شبح الإفلاس من مصر.

وفي الوقت الذي يحذر فيه البعض من أن مصر مقبلة على الإفلاس، يرى خبراء إقتصاديون أن هذا الشبح ما زال بعيدًا، مؤكدين أن الإفلاس يعني عدم قدرة الدولة على سداد التزاماتها مثل رواتب العاملين بالدولة، ولاسيما أفراد الجيش والشرطة، بالإضافة إلى عدم القدرة على سداد ديونها.

الافلاس بعيد

ووفقًا للخبير الاقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم، فإن الوضع الاقتصادي في مصر في غاية السوء، ويتفاقم يومًا يعد يوم، حيث أن عجز الموازنة سيصل إلى 200 مليار دولار كما هو متوقع، فضلاً عن تراجع تصنيف مصر من B إلى -B، كما تزايد الدين الداخلي إلى ما يعادل 75 في المئة من الناتج المحلي. لكنه في الوقت نفسه يستبعد فكرة إفلاس مصر على المدى القريب، موضحًا لـquot;إيلافquot; أن الدولة المصرية ما زالت قادرة على دفع رواتب الموظفين العموميين، ولاسيما القوات المسلحة والشرطة، quot;فمصر تعتمد بصفة أساسية في الدخل القومي على إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، وهذان الموردان لم يتأثرا بالثورة أو بأحداث العنف التي تشهدها البلاد، بل زادت مع رفع رسوم عبور السفن بالقناة، ووصلت تقديرات تحويلات المصريين بالخارج إلى 18 مليار دولار خلال العام 2012quot;.

إلا أن عبد العظيم شدد على ضرورة ألا تطمئن الحكومة المصرية كثيرًا، لاسيما أن الوضع الإقتصادي في حالة إنهيار، ولا بد من سرعة تشكيل إدارة أزمة تضم عددًا من المختصين وشيوخ الاقتصاد في مصر، لوضع خطة خروج سريعة من الازمة الاقتصادية، ووضع خطة زمنية لتنفيذ ذلك.

مفاوضات القرض خير برهان

وينفي الدكتور صلاح جودة، رئيس مركز الدراسات الإقتصادية، لـquot;إيلافquot; فكرة إفلاس مصر، quot;فهذا السيناريو مستبعد جدًا في الوقت الحالي، على الرغم من إمكانية حدوثه مستقبلًا، ويدلل على ما ذهب إليه بالقول: quot;إن إستمرار الحوار بين مصر وصندوق النقد الدولي على مستوى عالٍ يؤكد أن الإقتصاد المصري ما زال قادرًا على المقاومة، فتلك المفاوضات لم تكن لتحدث لو أن مصر معرضة للافلاس، أو قريبة من مرحلة سيئة لا تستطيع معها دفع ما عليها من ديونquot;.

وأوضح جودة أن الهدف من الاقتراض من صندوق النقد الدولي ليس الحصول على 4.8 مليارات دولار فقط، quot;لكن الاهم هو إعطاء صورة مشرفة عن الإقتصاد المصري للمجتمع الدولي، وأنها دولة تحاول النهوض، إلى جانب أن الاتفاقية في حد ذاتها تفتح الباب أمام العديد من الدول الدائنة أن تعفي مصر من بعض الديون، مثل الولايات المتحدة التي أعلنت أنها ستعفي مصر من مليار دولار بشروط مرتبطة باتفاقية صندوق النقد الدولي، كما قررت المانيا اعفاء مصر من 42 مليون يورو من ديونهاquot;.

ولفت جودة إلى أن المراحل المتقدمة التى وصل اليها الإتفاق بشأن قرض صندوق النقد الدولي أكبر دليل على أن مصر بعيدة عن الافلاس، لكن إذا استمر الوضع سيئًا فستخسر مصر كثيرًا، وقد تصل حدود الافلاس على المدى البعيد.

فزاعة بيد الاخوان

يرى خبراء أن جماعة الإخوان تستخدم ورقة الإقتصاد سياسيًا من أجل الضغط على الشعب والمعارضة معًا. وقال الدكتور محمود الشريف، أستاذ الإقتصاد في جامعة القاهرة، إن الوضع الاقتصادي في مصر سيئ جدًا بعد أن وصل الاحتياطي النقدي إلى 15 مليار جنيه، وبلغ عجز الموازنة 200 مليار جنيه، quot;لكن جماعة الاخوان المسلمين تستخدمه فزاعة في مواجهة القوى المعارضة والشعب المصريquot;.

أضاف الشريف لـquot;إيلافquot; أن الجماعة تسعى الى تحقيق عدة أهداف من وراء تلك الفزاعة، منها الحد من موجة الإحتجاجات ضدها بالشارع عبر التخويف بإنهيار الإقتصاد وإنتشار البطالة، إضافة إلى تحميل المعارضة مسؤولية ذلك الإنهيار، والأهم تمرير شروط صندوق النقد الدولي وفرض ضرائب جديدة على المواطن.

ونبّه الشريف إلى أن الاقتصاد المصري ينمو بمعدل 2.2 في المئة، بالإضافة إلى أن معدل الدين مرتفع لكنه أقل بكثير من اليونان، والاحتياطي من النقد الدولي ضعف مثيله في اليونان ولا يقل عن 15 مليار دولار.

ولفت إلى أن كل تلك المؤشرات تؤكد أن الإقتصاد المصري قادر على التعافي ومقاومة أمراضه، شريطة إيجاد حلول للأزمات السياسية.