هل تستمر الدورة النفطية الحالية بأسعارها المتراجعة خمسة أعوام؟... هذا ما يقوله محللون يحمّلون تباطؤ الاقتصاد الصيني مسؤولية التراجع الأخير.


حيان الهاجري من الرياض: واضح جدًا أن الإفراط في العرض النفطي مستمر. وبحسب تعليقات أخيرة لوكالة الطاقة الدولية، كان تقدير فائض الإنتاج بالنسبة إلى الاستهلاك 3 ملايين برميل يوميًا في الربع الثاني من العام الجاري، وهذا هو سبب تراجع الأسعار، بحسب تقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز. أما السؤال بالنسبة إلى المنتجين والمستهلكين والمستثمرين فهو: "كم سيستغرق انتهاء دورة السوق هذه من الوقت؟".

التحذير الأول يكمن في أن المسار الطبيعي لسوق النفط قد ينقلب في أي وقت، من دون سابق إنذار، بفعل القرارات السياسية. فالسعوديون يستطيعون أن يقرروا أن الاستقرار في المنطقة وفي مملكتهم يتحقق بشكل أفضل من خلال خفض الإنتاج وخلق توازنات جديدة بدلًا من سعيهم إلى تعظيم حصتهم في السوق، وتكبيد الآخرين خسائر كبيرة.

وبحسب فاينانشيال تايمز، هناك فرصة لتحقق ذلك، ولهذا يتعرّض السعوديون لضغط كبير تمارسه دول أعضاء في منظمة أوبك. لكن الرياض متمسكة بموقفها، ما يوحي بأن التنازل صعب.

محرك الدورة النفطية
بحشب فاينانشيال تايمز، ثمة احتمال لزيادة الإنتاج خلال العامين المقبلين على الأقل، فسوف تزيد إيران إنتاجها وصادراتها ببطء خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، على ما قاله تقرير صادر من مؤسسة CSIS الأميركية. وسوف يضيف هذا 400 إلى 600 ألف برميل يوميًا إلى العرض النفطي الدولي.

كما ستأتي الموارد من المشاريع الجديدة، ومن تطوير بعض الحقول المنتجة الحالية. وقد تخجل بريتيش بيتروليوم وشركات أميركية أخرى من الذهاب إلى إيران حاليًا، لكن ثمة شركات كثيرة أخرى ستفعل ذلك. ومع تخفيف العقوبات الدولية عن الكاهل الإيراني، مصلحة إيران العقلانية تكمن في زيادة إنتاجها وتصديرها النفطي، وتشير أشد التقديرات حذرًا إلى أن هذه الصادرات قد تضيف مليون برميل يوميًا إلى العرض العالمي قبل نهاية 2017.

وإذ تفترض فاينانشيال تايمز أن ليبيا باقية في حالة الفوضى، وأن الأمن العراقي المفقود سيستمر مانعًا قيام استثمارات كبيرة في كردستان، تطرح السؤال الآتي: "هل يجبر انخفاض الأسعار، بعد أسبوع آخر من التقلبات واستقرارها دون 50 دولارًا مع اتجاه هابط على مدى ستة أشهر، المنتجين الأميركيين على خفض إنتاجهم النفطي؟".

الفأس الصيني
الإنتاج النفط الصخري مرن، ومحور المسألة هو إذا كان ممكنًا تغطية تكاليف التكسير الهيدروليكي من خلال أسعار تتراوح بين 40 و 45 دولارًا للبرميل. تقول فاينانشيال تايمز إنه ليس هناك أحد متأكد من قدرة التكسير على ذلك. وحتى اليوم، استجابة هذه الصناعة لتهاوي السعر من خلال خفض التكاليف كانت مثيرة للإعجاب، لكن لا يمكن أن تبقى هذه الاستجابة غير محدودة، ومن الحكمة أن نفترض أن إمدادات النفط الأميركية غير التقليدية بلغت ذروتها، وستنخفض بنسبة تصل إلى 20 في المئة خلال عامين مقبلين، بتقدير فاينانشيال تايمز.

من جهة أخرى، يتراجع الإنتاج في بحر الشمال، وفي الأماكن تكون التكاليف مرتفعة. لكن تكاليف التشغيل العامة تبقى أقل من 40 دولارًا، ما يعني الحفاظ على سقف الإنتاج.
أما الطلب، فقد تنبأت وكالة الطاقة الدولية بأن نموًا اقتصاديًا متسارعًا سيحد من فائض العرض في النصف الثاني من هذا العام، وخلال عام 2016. لكن هذه التوقعات أتت قبل التباطؤ الصيني، لذا صارت لاغية اليوم.

وفي سوق النفط، كان متوقعًا بقاء الصين مصدرا رئيسًا لنمو الطلب، مع انخفاض الاستهلاك في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان. فوقعت الفأس في الرأس، وسيستغرق تأثير الأزمة على الإنفاق والاستثمار طويلًا قبل اتضاح الأمور. وبدلاً من زيادة الطلب المتوقعة بحوالى 350 ألف برميل يوميًا هذا العام وفي العام المقبل، كما اقترحت وكالة الطاقة الدولية، من الحكمة أن نفترض أن الطلب الصيني على النفط يبقى عند مستوياته لهذا العام، ويزيد بشكل طفيف فقط في عامي 2016 و2017.

خمس سنوات على الأقل
بحسب تقرير فاينانشيال تايمز، يمكن لكل منا استخدام الافتراضات الخاصة به في هذه المسألة، لكن الاستنتاج الحتمي في النهاية يتمثل في الآتي: في حال غياب أي تغيير في القرار السياسي السعودي، يستمر فائض العرض بالنسبة إلى الطلب خلال عامين آخرين على الأقل، أو لفترة أطول. وعندما يتوازن العرض والطلب مرة أخرى في السوق العالمية، سيكون العالم مضطرًا للتعامل مع حجم الأسهم التي تم تكديسها.

لذلك، ترى فاينانشيال تايمز أن دورة السوق هذه ستتراجع فقط عندما يبدأ تأثير تأجيل المشاريع الجديدة في الظهور على المعروض النفطي، خصوصًا أنه تم تأجيل عدد من المشاريع الجديدة، وستصل مشاريع كثيرة أخرى إلى المصير نفسه خلال أشهر قليلة مقبلة. لكن، ورغم كل ذلك، سيكون ظهور تأثير هذا التأجيل تدريجيًا، أي سيكون على العالم أن ينتظر خمس سنوات، إن لم يكن أكثر، قبل أن يرى تأثير إلغاء هذه المشاريع في ميزان العرض والطلب.

وبالتالي، رغم أن توخي الدقة أمر مستحيل في هذه المسألة، يمكن القول إن هذه الدورة ستستغرق خمس سنوات على أقل تقدير، قبل أن تبدأ بالتراجع، وبذلك سيستمر انخفاض الأسعار.
&