كتاب جديد للشاعر صلاح حسن: quot;قربان التاريخquot;
العراق بعد سقوط الطاغية وكارثة الاحتلال
إيلاف امستردام: صدر للشاعر العراقي صلاح حسن المقيم في هولندا كتاب جديد بعنوان quot; قربان التاريخ quot; العراق من لهب العقل إلى رماد النفط. يتناول فيه الأوضاع في العراق بعد سقوط طاغية العصر واحتلال العراق من قبل أمريكا. فقد قام الكاتب بزيارة العراق ثلاث مرات متتالية بعد خمسة عشر عاما قضاها في المنفى ورأى بنفسه ما حدث. يتألف الكتاب من مقدمة وستة فصول وجاء بمائة وست وسبعين صفحة من القطع الوسط وظهر عن مؤسسة المنتدى العربي في هولندا. وينتظر أن تقام احتفالية لتوقيع الكتاب في مدن أمستردام وروتردام ولاهاي. كما سيقدم الشاعر في مدينة لاهاي محاضرة عن الوضع الثقافي في العراق على قاعة المكتبة العامة في لاهاي.
من مقدمة الكتاب:
يمتد تاريخ العراق الى اكثر من 6000 سنة قبل الميلاد، وكان يطلق عليه ارض ما بين النهرين (موسوبوتاميا). ويجزم جميع الباحثين والعلماء على ان حضارة وادي الرافدين هي اقدم حضارة عرفتها البشرية. ففي مدينة اور، مدينة النبي ابراهيم اخترع السومريون الكتابة المسمارية قبل ميلاد السيد المسيح بثلاثة الاف سنة. وفي مدينة بابل قام الملك الشهير حمورابي بكتابة اول دستور يحمي حقوق المرأة. اما في مدينة آشور فقد قام الملك آشور بانيبال بأنشاء اول مكتبة في التاريخ.
بقي العراق طيلة تاريخه هدفا للغزاة، وقد وقع فريسة عدد من الامبراطوريات القديمة والحديثة التي نهبت تاريخه وكنوزه وثرواته الطبيعية.. حتى مجيء حزب البعث والطاغية صدام حسين الذي استطاع خلال خمسة وثلاثين عاما ان يحقق ما لم تستطع تحقيقه خمس امبراطوريات حكمت العراق : (مسخ الشخصية العراقية).
فقد حاول قبله الاسكندر الكبير عند احتلاله مدينة بابل ان يزوج العراقيين من نساء اجنبيات من مختلف البلدان التي احتلها في طريقه، في محاولة لتفكيك البنية الاجتماعية والثقافية لشخصية سكان وادي الرافدين. ولكنه لم يفلح اذ اكتسبت النساء الاجنبيات بمرور الوقت الشخصية العراقية المركبة وجاءت النتائج معكوسة. ثم جاءت الامبراطورية الفارسية بكل تراثها ومدنيتها ودياناتها واحتلت العراق فترة طويلة من الزمن وارادت ان تحمله على اعتناق ديانتها ومدنيتها. ولكنها عندما خرجت منه حملت معها لغة البلد (الآرامية) وديانته وقوانينه الادارية والحضارية والاجتماعية وتبنتها الى قرون طويلة قبل انهيارها الى الابد.
ثم جاءت الامبراطورية الاسلامية بكل عنفها وعنفوانها وبدأت بتعريب واسلمة العراق (لم يكن العراق لا عربيا ولا اسلاميا في تلك الفترة) ونجحت الى حد بعيد في ذلك. ولكن الهوية الجديدة لم تستطع محو الهوية القديمة وبقي التسامح الديني قائما.. فلم يعرف العراق طيلة تاريخه حركات دينية متطرفة سواء كانت اسلاموية او غير اسلاموية. وما يحدث الان من تفجيرات انتحارية لا يمت الى الثقافة العراقية بصلة.
لقد تحول العراق الى بلد عربي اسلامي مع احتفاظه بالهوية العراقية. ولم تستطع الامبراطورية العثمانية التي جاءت بعد ذلك بكل انغلاقها وظلاميتها ان تطمس تلك الهوية رغم احتلالها الطويل الذي امتد الى قرون. (قام والي العراق داود باشا بهدم الكثير من الابنية التاريخية في مدينة بابل من اجل بناء جسر مستخدماً مليون طابوقة مما ساهم في تخريب الكثير من المعالم الحضارية لمدينة بابل). ثم جاءت الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس.. الامبراطورية الذكية الشرسة.. زرعت الفوضى في كل مكان وسرقت كل شيء جميل من تاريخ العراق، وقبل ان تخرج مطرودة جاءت بحاكم غير عراقي ليحكم البلد على امل العودة في المستقبل وهذا ما حدث بالفعل.
لقد اراد الدكتور علي الوردي وهو اهم عالم اجتماع عراقي ان ينتحر بعد مقابلة مع صدام حسين. كنا نجلس في جريدة الجمهورية من اجل التحضير للقاء صحفي، وكان علي الوردي عصبيا حانقا على غير عادته : قال.. (البارحة كنت مع صدام.. قال لي انت في كل كتبك لم تستطع ان تفهم الفرد العراقي!! واضاف : انت تقول ان العراقي - متصيرله جاره ndash; أي لايمكن ترويضه انا اقول لك انني انا صدام حسين ndash; اسويله جاره -). ؟؟
لقد استطاع صدام حسين ان يفعلها حين قتل اكثر من خمسة عشر الف عراقي شيعي وزجهم في المقابر الجماعية في مدينة بابل والناصرية والبصرة بعد فشل الانتفاضة، وحين قصف مدينة حلبجة الشهيدة في الشمال بالقنابل الكيمياوية موقعا اكثر من خمسة الاف ضحية. وبطرق وحشية مبتكرة وجديدة على تاريخ التعذيب والابادة استطاع ان يصفي مئات الافراد بتفجيرهم وهم واقفون. ينبغي ان ننقل العراق كله الى عيادة الطبيب النفسي لان العراقي الان اصبح خطرا على نفسه.
لايستطيع الفرد في العراق ان يفكر او ان يبادر لانه معطل والاخرون هم الذين يحددون له الواجبات التي ينبغي عليه ان يفعلها، ونيابة عنه يتخذون القرارات المصيرية ويرسمون شكل الدولة التي سيمنحونها له. العراقي لا يفكر برئيس الدولة الجديد ولا يتساءل حتى.. انه يريد اولا ان يخرج من الكابوس. فليس عجيبا ان يقترح سياسي عراقي قضى خمسة وعشرين عاما في النضال ضد دكتاتورية صدام حسين ان يكون الامير الاردني الحسن بن طلال ملكا للعراق الجديد ؟!! وليس غريبا ان يتبع العراقيون فتاوى رجل دين غير عراقي ويهلكون انفسهم من اجله. اليس العراقي خطرا على نفسه ؟؟ ولكي تستمر دورة العنف يغذي الاحتلال فكرة الحرب الاهلية ويلوح بها كلما افاق عراقي من كابوسه وطالب بحياة خالية من تاريخ الدكتاتور وصورة المحتل.
العراقي خطر على نفسه لانه لايفكر بالمستقبل، او لانه غير مسموح له التفكير في المستقبل. وقد يتبنى فكرة الانتحار الرائجة حاليا اذا استمر الوضع الراهن على هذه الوتيرة ويدمر كل شيء بما في ذلك روحه.
التعليقات