المسرح العراقي في سيدني:
المنطقة الصفراء تحاكي المنطقة الخضراء
واصف شنون من سيدني: في عرض مسرحي ذكرنا بشتاءات مسرح الستين كرسي والمسرح الشعبي في بغداد السبعينات والثمانينات،قدمت فرقة اوروك المسرحية في سيدني عملها الثاني من تأليف وإخراج عباس الحربي بعنوان (المنطقة الصفراء )،وكانت الفرقة قد قدمت عرضها المسرحي الأول ndash;الرسالة الثانية ndash; الذي ألفه أيضا ً عباس الحربي وأخرجه الفنان منير العبيدي ولاقى إعجابا ً كبيرا ً من الجالية العراقية والمهتمين بشأن المسرح والفنون والثقافة.
المنطقة الصفراء في مسرح عباس الحربي،هي الطبقة الإجتماعية المسحوقة التي أنتجت بقدرة الأميركان المنطقة الخضراء،لكن الصفراء هي التي تحتفظ بالكرسي الذي سرقتهُ من عهود الدم (كرسي الحكم ) أو الطغاة،فيعمل الحربي على مسرحة العلاقات العراقية الإجتماعية السياسية في عمل فني جميل ُ المشاهد معتمدا ً على الحوار والغناء والتذكر وبعض من التراث.
عتمد عرض عباس الحربي وكعادته على شخصيات شعبية عراقية صميمية مثل ستار أبو الفشافيش الذي بترت ساقه في لغم حربي إيراني اثناء حرب إيران والعراق،وكان ستار أحد المناضلين ضد الحكم السابق،وأيضا كان ستار قد فقد زوجته بقصف صاروخي،وقد خلفت له نتيجة تأثير الأسلحة الأميركية الحديثة،طفلا ًمعاقا ُ (جبارة )، وجبارة طفل ٌ كبير يتحدث بصراحة عن الكل و تعيش مع ستار إبنته سعدية (المرأة العراقية ) التي تناضل من أجل المعيشة والشرف والأصالة كـ(أم عراقية باسلة)،بينما هويدي خطيبها وهو (ابن شهيد سياسي ) يعمل بكل جهده لأرضائها كحبيبة،فيستغني عن جلب الورود والهدايا إليها ليجلب صفائح النفط والغاز كتعبير عن المحبة الفائقة،فهويدي موظف في وزارة النفط،ويجلب(هويدي ) أحد السياسيين العائدين من الخارج الى عائلة المنطقة الصفراء لكي يكون وبمساعدة هويدي وسعاد وستار وجبارة (أعضاء المنطقة الصفراء ) وزيرا ُ ينضم الى (أعضاء المنطقة الخضراء ) ولكن ليس أي وزير بل وزيرا ً للنفط !!،وهكذا عباس الحربي في التأليف على الخصوص يلعب لعبته المسرحية الشعبية التي تثير ليس العواطف فقط بل الأسئلة
الجارحة التي ليس لها طبيب سياسي ولا تعالج سوى بالصراخ وإعلان الضوء أمام ظلام قاتم، فقد غنت سعدية ( لاتذرفين الدمع ياعيون بغداد ) بينما كان أخيها المعاق يغني (يمه كرصتني العكرب ثم يغني ويرقص ويهتز على أغنية البرتقالة ).
يعرض الحربي في استراليا القارة البعيدة في الجغرافيا وفي الجوع وفي نقص الحاجات الأساسية للبشر، عن مآساة الجغرافيا والتاريخ التي يعيشها العراقيون في عراق ما بعد التغيير،وهو ومن معه ليسوا سوى صداع في رأس التأريخ اليومي!،اليوم العراقي الذي تشغله المفخخات أكثر من الطبيعيّات.
كان عرض المنطقة الصفراء مستعجلا ً في تنفيذه وإداءه ومكان عرضه وتضمن العمل مشاهد ا ًعديدة لم يتم الإعداد لها جيدا ً،وكذلك لم يهتم المخرج وهو عباس الحربي بممثليه،وأغلبهم من الشباب الذين تم تقديمهم أول مرة في أدوار مركبة يصعب على ممثلين وممثللات محترفات تقديمها،وخاصة حين تتداخل الشخصيات وتتبدل المشاهد المسرحية بدون مصاحبة لإنارة وإكسسوارات وتأثيرات صوتية وسرعة في حركة تغيير المسرح وديكوره.
يقول عباس الحربي :ليس لدينا أي دعم ونعتمد على (فلوسنا ) الشخصية في تنفيذ هذا العمل ويضيف quot; ماذا تراني أن أفعل سوى هذا،هل أذهب لأقتل الوقت بماكنات القمار وحضور الحسينيات،نحن الأن نؤسس لمسرح في سيدني،وقد إعتمدت على ممثلين مولودين في إستراليا،الناس يجب أن ترى نفسها من خلال المسرح وتتذكر كيف كانوا هناك، لاأتحدث عن رسالة،لكن المسرح هو عمل جميل ونظيف،والذي يشاهده أول مرة،سوف يدمن عليه،اليس كذلك quot;،ونعم كذلك، ففي أستراليا جاليتان عراقيتان كبيرتان في سيدني،الأولى ُمدمنة على حفلات أعراس الزواجات التي لاتدوم سوى أسابيع أو أشهر والأخرى تنوح بمناسبة وغيرها على الموتى وماضي الأيام وتاريخ السادة الأجلاء،والمسرح للجاليتين عبارة عن مضيعة للوقت.
أجادت سعدية(دينا عزت ) في توصيل مواصفات المرأة العراقية العامة،وغنت دينا عزت من كل قلبها غناء ً عراقيا ً نقيا ً وصافيا ً،بينما كان طارق الصفار (جبارة ) قد حقق حلمه في هذا الدور فأضحك الناس وأبكاهم،وكذلك كان رامي عزت (هويدي ) الذي أدى أدوارا ً صعبة على كاهله،أما أحمد محسن (ستار ) وهومن الممثلين الذين صنعهم في السابق المخرج منير العبيدي،فقد كان مضطربا ً في أول الأمر لكنه عاد الى إستقراره كممثل فأدى مشاهده كـ(ستار ) في نهاية العمل المسرحي حين صرخ بـ(أبي لميا ) وحمّله الكرسي المسروق،وأبو لميا(بهاء الحلاوي ) يجرُ الكرسي وكأنه الصليب عى ظهره أو هو الصليب الذي يجره العراقيين الأن جميعا ً.
التعليقات