تميزت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، ولاسيما خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بتبوئها المركز الأول ضمن الدول الكبرى، quot;المعاديةquot; لشعوب العالم عامة، وشعوب الشرق الأوسط، على وجه الخصوص. ومازال شعار اللبراليين واليساريين والعلمانيين العرب، من ذلك الجيل، الذي رفعوه في حينها، ناعتين به أمريكا، quot;بعدو الشعوب رقم واحدquot;، ما زال يرن في أسماعنا بوضوح لحد اليوم. لقد وجه هؤلاء فوهات بنادقهم، ونبلات أقلامهم، ولهيب حناجرهم، ضد quot;زعيمة الإمبريالية العالميةquot;، وألقوا على عاتقها كل الشرور والمصائب والمآسي، التي كانت شعوبهم وبلدانهم، تعاني منها حينذاك. فإسرائيل هي quot;صنيعة أمريكية في أرض العربquot;. والإستعمار، الذي عُدّ أساس الخراب في البلاد العربية، من تخلف، وعبودية، وإستغلال، وإستبداد، كان مجيّراً بلا منازع للولايات المتحدة. وقد تغنى الكتاب والفنانون والشعراء الحداثيون، واللبراليون، واليساريون، بالشعارات النارية المناهضة لأمريكا، والمناصرة للإتحاد السوفياتي quot;الصديقquot;. والشباب المتحمسون منهم، جالوا وسط شوارع بغداد، والقاهرة، وبيروت، ودمشق، وهم يحملون بفخر مداليات quot;الرموز الإسطورية الثوريةquot;، مثل جيفارا، وسوكارنو، وكاسترو، وجمال عبد الناصر، وهوشي منه،متحدين الإمبريالية الأمريكية، quot;عدو العرب الأول!quot;
كانت أمريكا الداعم الأول، للنظام الملكي في العراق، ولحكومة نوري السعيد، ولكل العلاقات الإستغلالية الجائرة، الرأسمالية منها والإقطاعية، التي كانت تنخر في جسد المجتمع العراقي، حتى قيام ثورة الرابع عشر من تموزعام 1958. حتى الممارسات الظلامية لبعض المتبرقعين بعباءة الدين، أسندها اللبراليون آنئذ إلى أمريكا. ومن المعروف أن جميع الأحزاب العراقية، ذات الخطاب اليساري أو الوسط، كانت تثبت في أنظمتها وبرامجها ديباجة، تتضمن كيلاً وافراً، من الإدانات واللعنات، على أمريكا quot;عدوة الشعوبquot;، وquot;أم المصائبquot; الكونية! كي تبرهن على وطنيتها. وفي وقتها، كانت صفة quot;الغربquot;، شتيمة مقذعة، يستخدمها الكتاب والخطباء والشعراء، كما في حالة الشاعر اللبناني ميشال سليمان،الذي نعت حزب البعث بالتبعية للغرب، في بيت شعره المشهور:
أحزب البعث أم بعث العبيد بقايا الغرب في العهد الجديد
أضف إلى ذلك أن المثقفين quot;التقدميينquot;، كانوا يكيلون للزعماء الموالين للغرب، مثل نوري السعيد أو الحبيب بورقيبة أو النحاس باشا، عبارات الشتم والإستهجان. ولطالما نفى هؤلاء الزعماء عنهم تلك quot;التهمةquot;، مؤكدين ولاءهم للأمة والوطن، وعداءهم للإستعمار.
ماذا جرى للأمريكان إذن؟ وماذا حل باللبراليين والحداثيين العرب، حتى يقوم بينهما هذا التوافق البارز، بعد تلك القطيعة المطلقة؟ ماالذي حصل على الأرض، منذ الثمانينيات والتسعينيات، لكي تضمحل تلك العداوة التقليدية، بين هذين القطبين المتناقضين أصلاً، وتتحول بين يوم وليلة، إلى حالة توافق وإنسجام في الخطاب السياسي والإجتماعي، وحتى الإقتصادي؟ ماالذي طرأ يا ترى على الساحة الدولية، ومنطقة الشرق الأوسط بالذات، لكي تتغيّر القلوب، وتطيب الخواطر، وتصفى النفوس، بهذا الشكل اللافت للنظر، الأمر الذي جعل المتلقي العربي يقرأ ويسمع ويشاهد للبراليين العرب، ثقافة جديدة محابية للغرب، وأمريكا على وجه الخصوص، داعية إلى العولمة، والتطبيع والتعايش مع إسرائيل، والإنفتاح على نمط الحياة في أمريكا والغرب. لماذا غدا لبراليو ويساريو وحداثيو الكوكب، يناصبون اليوم سياسة العولمة الأمريكية العداء، بينما يهادنها ويبشر بها نظائرهم العرب؟. وحينما غزت أمريكا العراق، وقف ضدها اللبراليون واليساريون والحداثيون في العالم، وشجبوا بما لا يقبل الشك عملية إسقاط النظام الصدامي الدكتاتوري، المعادي للبرالية والحداثة واليسار وحقوق الإنسان، ورفضوا وما زالوا يرفضون التغيير السياسي الحاصل في العراق، وعدوا العملية برمتها، حرباً إمبريالية عدوانية، هادفة إلى إسقاط نظام مستقل والإستيلاء على حقول البترول، ومحاربة الإسلام، وقتل المواطنين العراقيين. بينما نقرأ للكتاب اللبراليين العرب في العراق وعموم المنطقة، ثقافة التضامن والتأييد، للعملية السياسية الديمقراطية، التي بدأت في التاسع من نيسان عام 2003، بإسناد من الولايات المتحدة، ومباركة أكثر من 85% من جماهير الشعب العراقي. وهكذا نرى إصطفاف اللبراليين والحداثيين العراقيين والعرب في أول المؤيدين، لإسقاط الدكتاتورية الصدامية، وإقامة البنية التحتية لنظام حكم جديد، قائم على الإنتخاب والإستفتاء، والتعددية، وتداول السلطة، وإحترام حقوق الإنسان. ولا عجب إذا وجدنا مؤتمر الأحزاب quot;الإشتراكيةquot; وquot;التقدميةquot; لبلدان البحر المتوسط، قبل عامين، يستغرب من إنخراط اللبراليين واليساريين العراقيين، في العملية السياسية، وليس في صفوف quot;المقاومةquot; المسلحة ضد الإحتلال الإمبريالي!. لقد إنتقد متحدثو جميع الوفود، ذات الآيديولوجيات المتشابهة، في كلماتهم التي ألقوها في المؤتمر، الموقف quot;الذيليquot; لليسار العراقي!.
تكمن بعض أسباب تبدل العواطف بين اللبراليين العرب وأمريكا، في الظواهر والأحداث السياسية والإجتماعية والإعلامية، التي ربما كان لها الفعل التأثيري الأول في تغير تلك العلاقة. فعلى الصعيد السياسي، كان هناك أحداث سياسية تأريخية، عالمياً ومحلياً، مثل زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات لإسرائيل، باسطاً يديه للسلام. ويوم تسابقت الدول العربية، وهي صاغرة مستسلمة، لتطبيع العلاقات مع دولة إسرائيل. وهناك غلطة العمر لدى السوفييت حينما تدخلوا عسكرياً في أفغانستان، بحجة إسناد الحكومة الشيوعية هناك، الأمر الذي دفع أمريكا، إلى تجنيد المئات من المجاهدين العرب، بقيادة المليونير السعودي أسامة بن لادن، لمحاربة الغزو الشيوعي. من ناحية أخرى، عصفت عام 1980 بمنطقة الخليج حرب ضروس دامت ثماني سنوات، بين العراق وإيران، مما أدى إلى إنحياز الدول العربية بالمال والسلاح والإعلام إلى جانب المعتدي صدام، بدوافع إقتصادية وطائفية. ومما زاد الطين بلة معاداة الجانبين المتصارعين لقوى اليسار واللبرالية! في العراق، كما في سائر البلدان العربية، تعزز قمع السلطات للبراليين والناشطين في مجال حقوق الإنسان. وفي إيران عاد الملالي الجهلة بالبلاد إلى عصور الهمجية، والجاهلية.
ومن الأحداث المهمة أيضاً، وثوب حزب البعث (ذي الولاء التقليدي للغرب) عامي 1963 و1968 إلى السلطة في العراق، بمباركة صريحة من أمريكا. إضافة إلى إستيلاء زمرة العوجة عام 1979 على الحكم، وتربع صدام وعائلته على عرش رئاسة الجمهورية، وتحوله إلى الحاكم الأوحد في العراق، ممتطياً صهوة حزب البعث، الذي تحول أعضاؤه إلى ضباط مخابرات مدججين بالسلاح. وإن نسي المواطن العربي المسحوق أحداثاً، فإنه لن ينسى أحداث الإحتلال quot;العربيquot; للبلدان العربية الأصغر، وحصلت أربع مرات: أولها إحتلال مصر عبدالناصر لسوريا عام 1958، ثم إحتلال مصر عبد الناصر لليمن عام 1965، وإحتلال سوريا الأسد للبنان عام 1978، وأخيراً إحتلال نظام صدام البعثي للكويت عام 1990. ومن سخريات القدر، فسر القوميون العرب عمليات الإحتلال القسري تلك، بأنها تحقيق الحلم العربي في إقامة الوحدة العربية الفورية الشاملة.
لعبت كل تلك الأمور دور quot;المعامل الكيميائيquot; المسرّع، في تغيير ميزان القوى الدولية والإقليمية. أما الحدثان الأكبر تأثيراً، اللذان إتخذا حقيقة، منحى درامياً، في إنقلاب الصور التقليدية، وتداخل المفاهيم، في منطقة الشرق الأوسط، فكانا سقوط المعسكر السوفياتي، وتحول منظومته، إلى مرحلة البرسترويكا التعددية الشفافة. الأمر الذي دفع الأحزاب الأوربية اللبرالية واليسارية إلى القنوط والإنكفاء، بعد إنهيار quot;قلاعهاquot; الفكرية، وغرقها في لج العولمة الكونية، التي تقودها أمريكا، ووجدت نفسها في موقف المهزوم على يد أمريكا، الأمر الذي دعاها إلى إشهار السلاح، من جديد، ضد السياسة الأمريكية quot;العدوانيةquot;. وصار العالم يشهد كل يوم، في جميع قارات المعمورة، يشهد الإحتجاجات المليونية التي يقودها الحداثيون، واللبراليون، ضد العولمة وزعيمتها أمريكا، في مناسبة أو غير مناسبة.
هذا على الصعيد الدولي. أما على الصعيد العربي، ولاسيما بعد الحرب الطائفية المدمرة بين إيران والعراق، والغزو الصدامي للكويت، فقد جرت عمليات إصطفاف وولاءات جديدة. كُسر الحاجز النفسي الطائفي بين أنظمة الحكم الخليجية السنية، وبين إيران الشيعية، التي زادت فيها، حدة الشمولية والأصولية الإسلامية. وتمردت بلدان عربية جديدة على الولاء الفلسطيني، وسياسة quot;رمي إسرائيل في البحرquot; الناصرية والبعثية، وتجلى ذلك في إزدياد عدد الممثليات الدبلوماسية الإسرائيلية في العواصم العربية. ناهيك عن اللقاءات السياسية الودية، السرية والعلنية، بين الدبلوماسيين العرب ونظرائهم الإسرائيليين، من وراء ظهر quot;ماردquot; الشعوب العربية المسترخي في عسل quot;الرفضquot;. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أوضحت دراسة صدرت في تموز (يوليو) عام 2002، أن الناتج الإجمالي الإجتماعي للعام 1999، لمجموع البلدان العربية وهي 23 بلداً كان 531 مليار دولار، بينما بلغ الناتج الإجمالي الإجتماعي للعام نفسه لدولة أسبانيا وحدها 596 مليار دولار. وإذا إستثنينا الإنتاج العسكري التسليحي للعراق ومصر، فقد أنتجت الصين عام 1981 نصف ما أنتجته البلدان العربية مجتمعة. وفي العام 1987 أنتجت الصين ما يعادل منتوج جميع البلدان العربية لذلك العام. والآن تنتج الصين ضعف ما تنتجه البلدان العربية كلها!. لقد ضرب العالم العربي الذي يتميز حالياً بوجود 60 مليون مواطن أمي، رقماً قياسياً في الإجحاف بحقوق الإنسان، والمرأة خصوصاً، التي تفتقر إلى أبسط الحقوق البشرية. لايستخدم من العرب سوى 6 في الألف آلة الإنترنت. وقد كتبت صحفية ألمانية في التسعينيات، مقالة عن العرب، ذكرت فيها أنهم quot;أناس من بقايا العصر الحجري، يعبثون بتكنلوجيا القرن العشرينquot;، ويستوردون أصغر صامولة موجودة في الآلات الإلكترونية المعقدة التي يلعب بها أبناؤهم! من ناحية ثانية، قرأت إحصائية تقول أن ما يترجمه العالم العربي سنوياً لا يتعدى 350 كتاباً، بينما يترجم اليونان وحده 1750 كتاباً كل عام. وفي إعتراف لفضائية الجزيرة القطرية فإن 80% من مشاهديها، يفضلون العيش تحت ظل الإحتلال الأجنبي، على العيش تحت ظل الأنظمة الدكتاتورية المحلية!. ويبرر هؤلاء المشاهدون سلوكهم ذلك وفق قاعدة quot;تفضيل السئ على الأسوأquot;. ولنا مما يحصل في العراق حالياً خير دليل على صحة هذا الإستنتاج.
الواقع أن الأوربيين لم ينجحوا في إستكمالهم عصر النهضة، دون ترك ثوابتهم القيمية ولجوئهم إلى ثوابت الحداثة. لقد جاء القوميون العرب في الخمسينيات على دبابات إلى الحكم، ليخلقوا quot;عهداً جديداً مشابهاًquot; لعصر النهضة الأوربية، وquot;ليحررواquot; فلسطين بالكامل. وبدلاً من خلقهم عصر نهضة عربية، أغرقوا الشعوب العربية في مستنقع من الدكتاتوريات العائلية والحزبية، وبدلاً من أن يحرروا فلسطين من البحر إلى النهر، أعطوا إسرائيل أراضي مضافة، تقدر بثلاثة أضعاف الأرض المحتلة أصلاً. جرى ذلك خلال الحروب العربية العبثية، ونشر سياسة العنف والإرهاب بدلاً من سياسة العقل والحوار الديمقراطي. كان اللبراليون العرب في خلال الخمسينيات والستينيات، ينتقدون سياسات الغرب وأمريكا، لمساندتهما الأنظمة العربية الرجعية الموالية لها. وبعد أن تخلت الولايات المتحدة منذ بداية التسعينيات، عن quot;حلفائهاquot; الزعماء العرب الذين يحكمون بالنار والحديد، للأسباب التي وضحناها سابقاً، حدث نوع من الإتفاق المفاجئ غير المعلن، بين الولايات المتحدة وبين اللبراليين العرب، على خلق مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يشمل دمقرطة المجتمعات، وإشاعة الشفافية في الحكم. وجاءت المبادرة الأمريكية لإنهاء حكم صدام في العراق، بعد شهر عسل إستمر خمسين عاماً، لتبهر اللبراليين في العراق والمنطقة العربية. لقد تغير الموقف الأمريكي التقليدي، وأشاح بوجهه القديم المبتسم للأنظمة الشمولية، ليدعو الشعوب المستباحة، إلى المطالبة بشدة وحزم، أكثر من أي يوم مضى، بنشر الديمقراطية والتعددية البرلمانية، وإنهاء أنماط الحكم العائلي الفردي، وإحترام حقوق الإنسان، ومساواة المرأة بالرجل.
نزلت هذه السياسة الأمريكية quot;الجديدةquot;، النابعة من صميم الشروط الإستراتيجية، لنظام العولمة بزعامة الولايات المتحدة، منزل الصاعقة المدوية على رؤوس الحكام العرب التوتاليتاريين، وبرداً وسلاماً على أفئدة الحداثيين، واللبراليين، واليساريين، وكافة القوى التي تؤمن بالديمقراطية، والتعددية، وإحترام حقوق الإنسان. وتمثل الإنعطاف الأمريكي من مساندة الأنظمة العربية المتفردة بالسلطة، إلى الدعوة لقيام مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي أريد له أن يحدث quot;ثورةquot;، في الموقف العربي التقليدي المعادي لحقوق الإنسان. لا عجب أن وقفت جميع الأنظمة العربية، وهي أنظمة حزبية أو عائلية وراثية مستبدة، ضد إسقاط النظام العراقي القائم على أساس حكم الحزب الواحد والعائلة الواحدة. وما يزال الحكام العرب يراوغون، ويتآمرون، ويصدّرون آلات القتل لأهل العراق، ويطلقون الفتاوى الدينية التكفيرية، والتصريحات المضللة، الواحد تلو الآخر، مدفوعين بهاجس الخوف، من تداعيات quot;لعبة الدومينوquot; السياسية، ومن أجل الحؤول دون نجاح التجربة الديمقراطية العراقية في المنطقة العربية، وإنتصار الأغلبية الساحقة، الرافضة أصلاً للأنظمة العربية الدكتاتورية، وخشية إنتشار العدوى الديمقراطية إلى منظومات حكمهم، التي نخرت جدرانها quot;إرضةquot; التخلف الإجتماعي، والفساد الإداري. لقد وقفت النخبة البرالية، المتنورة، الواعية من الجماهير العربية، إلى جانب عموم شعب العراق، في بناء دولته العصرية، التي بدأها بتشكيل حكومات منتخبة، تمثل أكثر 85% من المجتمع العراقي، بعد أن كانت تلك النسبة لم تتجاوز في عهد صدام 15%، في أفضل الحالات. لقد تحول العراقيون الذين أستبعدوا من ممارسة السلطة لقرون، من ضحايا إلى حكام. تحولوا بمساعدة الإحتلال، إلى حكام أنفسهم في العهد الجديد.
أصبح عدد الموالين للحداثة والنزعة اللبرالية، في الشرق الأوسط اليوم، يتزايد بوتيرة أرعبت الأنظمة العربية، والتابعين لها من الشرائح الغوغائية، ذات المستوى الأدنى من الوعي الإجتماعي والسياسي، الراضية بالظلم والتخلف، والرافضة للتغيير والتقدم. وبينما نقرأ كل يوم عن مئات نساء العالم، اللاتي يطالبن بمساواتهن مع الرجال، وبتطبيق ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نشاهد على الفضائيات آلاف النساء العربيات، يتظاهرن علناً، إحتجاجاً على منحهن أية حقوق مدنية مضافة!. نعلم اليوم بوجود تيار عربي عارم، معاد للبرالية والحداثة، وساخط على تطبيق أسلوب تعددية الحكم، وإحترام الحقوق المدنية للإنسان، إلى جانب الفئة الضئيلة من أنصار اللبرالية والحداثة. فلنلق نظرة على أهم التهم الموجهة إلى الحداثيين واللبراليين من قبل شعوبهم العربية المغلوبة على أمرها: أولاً الإلحاد، وثانياً التحلل الأخلاقي، وثالثاً العمالة لأمريكا، ورابعاً الشعوبية.
تحولت أساليب الكفاح العربي، وخصوصاً الفلسطيني، من شكل المقاومة السلمية، الذي تتفهمه المجتمعات الدولية المتمدنة، إلى تشكيل الميليشيات الإرهابية، ذات العمليات المسلحة العشوائية التي تستهدف الناس الأبرياء. ولاشك أن تلك الأعمال أدت إلى إضعاف جبهة المقاومة الفلسطينية المسؤولة، وتشرذمها وتشويه صورتها، بنظر العالم، لتبدو كعصابات إجرامية تشمئز منها النفوس. ومن الواضح أن ذلك الجهد، يصب بقصد أو دون قصد، في مصلحة الإحتلال الإسرائيلي، ويكسبه دور المدافع عن المدنيين الإسرائيليين الأبرياء، ضد الهمجية والإرهاب، إلى جانب عطف العالم المتمدن كله. ورغم أن إسرائيل خرقت جميع قرارات مجلس الأمن، الداعية إلى إيقاف تشييد المستوطنات على الأراضي، فإن العمليات الإنتحارية الإرهابية، التي تقتل الأطفال الأبرياء، تعزز من عزيمة الحكومة الإسرائيلية على بناء مستوطنات جديدة. وفي العراق حيث حكم الحزب الصدامي، ذو النزعة الشوفينية والطائفية والفاشية، أربعة عقود، وتسبب في هلاك ما يزيد عن مليون عراقي، من زاخو إلى صفوان، والشارع العربي يتفرج على الضحايا في العراق، مصفقاً للقعقاع. وكلما أباد البعث الصدامي قرية كردية، بكل أطفالها ونسائها وشيوخها ورجالها، وزرعها وضرعها بيوتها ومساجدها ومدارسها، زار العراقَ وفدٌ من quot;الأحرارquot; العرب، مهنئاً القائد الضرورة بالإنجاز القومي التأريخي، ومطالباً إياه بمواصلة المسيرة الثورية، في سحق أحرار العراق، كي تتحرر فلسطين، وإحتلال الكويت، كي تتحقق الوحدة العربية الشاملة. لقد إمتاز اللبراليون العرب، آنذاك بالسذاجة والضبابية وقصر النظر، وتوهموا أن صداماً كان محارباً ضد الإمبريالية الأمريكية. والحق أن صداماً كان في حينها من أقوى حلفاء الغرب، ولم يتبدل quot;هواهquot; تجاه العم سام، إلا بعد أن غير الأخير إستراتيجيته الكونية، بإتجاه قيام أنظمة سياسية تكون أدوات فعالة، لإسناد ورعاية العولمة الأمريكية.
التعليقات