هم ثلاثة، هم عشرة، هم مائة وعشرون، هم سبعة وأربعون، هم مائتان، هم ثلاثون، هم مائة وستون، وهم هذه المرة ألف عراقي.
الحكاية لم تعد مفاجأة أو مثيرة.. إنهم قتلى كارثة جسر الأئمة...
ماذا سيحدث ؟
لا شئ...
لا شئ سوف يحدث.
سوف نعود للعد من جديد:
هم اثنان، هم خمسة، هم الشعب العراقي مأخوذاً من شرايينه ليسكب دمه كله ثمناً لماذا ؟.. للعروبة، للإسلام، للديموقراطية، للحرية، للاحتلال، لماذا بالضبط ينسكب الدم العراقي هكذا شاسعاً وكأنه بديهة لا تستحق من.. العالم العربي.. إنْ كان يوجد عالم بهذا المعنى أنْ ينتبه على غير ما درج عليه من شعارات وأفاقين وكذبة وقتلة وإرهابيين ودكتاتوريين وزعماء خالدين ودعاة جدد وفقهاء قتل وذبح وترويع ومتربحي حروب ومأجورين ومثقفين وأشباه صحفيين ومحلليين.
إنَّ ما يخيف أكثر من غيره هو فقدان الحس الإنساني البسيط الذي يحرك إنساناً تجاه آخر، فما بالنا ونحن نقول نحن أمة واحدة وعالم عربي واحد ومصير واحد ونعرف يقينا أنها مقولات تقوم على دجل لا يأنف من تكرار ذاته طالما يتكسب من كل هذا.
أعرف جسر الأئمة فقد وقفت عليه مرات عديدة في بغداد متأملاً المدي من جهاته ومتفائلاً بهذا الشعب الصبور وبنجاته بعيداً عنا نحن الذين صفقنا طويلا لجلاديه من عينة صدام حسين، ونتفرج الآن على دمه مهدوراً من أجل ماذا العروبة، الإسلام، الديموقراطية، الحرية، الاحتلال... ونمعن في التشفي ولا نكتفي بل نرسل إرهابيين ليقوموا بمهمة شرب الدم نيابة عنا نحن الذين توقفت قلوبهم عن أنْ تتحرك إلا على المذابح والمجازر بوصفهما جهاداً ونضالاً.
نحن القتلة شاربو الدم كارهو الحياة والبشر والحضارة، نحن الذين نستعذب جلد الذات بدون أدنى ذرة من إحساس بواجب تنظيف ذواتنا التي تعفنت من طول بقائها في الصفاقة وكراهية الحياة الإنسانية.
أتعلمون من هم قادتنا...
أسامة بن لادن
أيمن الظواهري
أبومصعب الزرقاوي
ومن دار في فلكهم الأعمى تبريراً أو تنظيراً أو إفتاء أو قبولاً، هؤلاء هم سدنتنا وكهنتنا المندسين حتى في طعامنا وشرابنا.
وبعد طائراتهم المفخخة، وسياراتهم المفخخة وإنتحارييهم المفخخين، جاء دور إشاعاتهم المفخخة.. ويقول شهود عيان إنَّ ثمة من صرخ على جسر الأئمة أن انتحارياً على الجسر فتدافع زائرو الإمام الكاظم هرباً بحيواتهم وحدث ما حدث.. وقبله ومعه كان محترفو قتل قد أطلقوا قذائف لترويع البشر في زحام احتفالهم الديني.. ولن نعدم في العماء العربي محللاً ولا متربحاً ولا أفاقاً يُحمِّل الاحتلال المسؤولية.. وهو مسؤول بالطبع ومعه الحكومة العراقية عن عدم الانتباه بما يكفي لسواد نوايا القتلة المنبثين الآن في العراق.
لكن ماذا عنا نحن الجالسين أمام الشاشات وقد تعبت أكفنا من التصفيق لكل سيارة مفخخة تذهب بأرواح عراقيين، وأين يذهب العراقيون بكل هذا الحزن الذي يلف أيامهم.
أيها العراقيون، لا تترددوا لحظة واحدة...
بصدق تام...
اقطعوا معنا كل صلة وكل وشيجة، انتموا لأنفسكم فقط ولمصالحكم فقط ولحياتكم فقط، لا تلتحقوا بنا فنحن في متاهة الدم وأملنا الوحيد أن نقدمكم قرباناً لهمجيتنا المغدورة الغادرة.
اقطعوا معنا وأديروا ظهوركم لنا فلن نقدم لكم شيئا غير وسخ تاريخي قومجي كهنوتي لا يطعم طفلاً ولا يشفي مريضاً ولا يزرع شجرة ولا يروي حقلاً وإنما يرفع سكيناً كآلة حصاد كونية لقطع رؤوس البشر.
التعليقات