بعض الكتاب العرب (وفي حالة إيلاف تحتار في الصفة!) يبالغ في حالة ذلك الرجل الذي كان محبوسا تحت ظروف مروعة من الحر والعطش ، فوجد نفسه عصفورا يملك الآن حريته. وتنهال ذاكرته جلدا لرموز زمن مضى. نعم: كان زمنا مرّا. زمنا خارج التقويم. لكنهم نسوا أنهم حتى الآن ما ملكوا حريتهم. فأول شروط الحرية: ليس مغادرة السجن. لكنه مغادرته إلى حيث منزل أثيث أليف مبدع آمن! وهذا ما لا يدعي الزمن العربي الراهن أنه (يمثله)!
إن أزمات الماضي كانت في معظمها (فلسفية)! جدلا بين طبقة الحكام وطبقة الصعاليك، كان جدلا ينتهي بعدة أطراف من أصحابه الى (ظلمات). ربما ظلمات السجن والنفي وربما ظلمات الإنتحار العقلي، والإستقالة من المبادىء. وهذه أزمة الإنسان المعاصر التي حينما نقرأ ظاهراتها لا تتسع أحداقنا دهشة. بعكس هذه الظاهرة. وأنا لا أتقصد الإخوة العراقيين فحسب. وإنما حتى أولئك الذين في (المدرجات)... المشجعين. حينما أحكي عن ظاهرة من الرضا ، تهيمن على الخطاب الثقافي العراقي ، الذ ي عرفت الآن أنه خطاب رســـمي حتى ولو كان يتحدثه عراقيون في الســويد ، والشعور بالقطيعة مع الماضي القريب. تلك الثلاثين عاما القابلة للجدل.
ثلاثون عاما عاشها العراق شاهدا منحازا على أحداث جسام ألمت بالوطن العربي وألم ّ بها. إنه تاريخ الصراع. الحرب التي توجب على الجميع خوضها. ومنيوا بخسارات مثلما حققوا النصر في آخر اللعب قبل أن تحول اللعبة الى فهرس مجلد أنيق تعرض نسخة أنيقة منه في مكتبة الكونجرس. ألم يكن العراقيون إلا ســــجناء غادروا الى المدن القريبة ثم البعيدة قبل أن يمرّوا بيوت أهلهم؟!... وإذنْ فأين هي القضية؟!
حقا! هل كانت حقبة صراع بين المثقفين والدولة حسمت لصالحهم بدليل أن (ليث كبة) صار المبرر الثقافي لنظام مؤقت ، ومع ذلك: غير مجمع عليه؟. إذا كان هنالك من يجهل الوزن الثقافي الإفتراضي للسيد المبرر الكبير جاهل بمفاصل الثقافة العراقية. تلك المتعلقة منها بالسياسة بالذات، فإنه لا يعرف مم يتكون العراق.
هنا موضوعنا: ظل العراق على مدى ستين عاما حتى قبل ثورة 23 يوليو مؤثرا في الحياة العربية لجهة السياسة والشعر. وربما بسبب كون العراق دولة غنية وخيرة لم يضطر العراقيون لمهادنة طرف ضد آخر دون مصلحة عراقية. ونسجل هنا أن الأنظمة التي حكمت العراق حتى نهاية صدام حسين هي من أنزه الأنظمة في أقطار الوطن العربي. نسبيا. وهنا نسأل: أين المثقفون العراقيون الآن ليقوموا بكتابة المرحلة؟!. عليهم ألا يمعنوا في الدلال على الأنظمة التي أسقطت مايقولون عنه أنه حكم فاشستي ويدعوا الآخرين يكتبون العراق الجديد. وعليهم وهذه من عندي ألا يدّعـــو أن مبدعي الثلاثين عاما المضين الذين لم يتعرضوا للإعتقال ولم يغادروا الوطن مبدعو ن (بائدون)!
وعليهم أن يدركوا دورهم التاريخي في التأصيل لعروبية القطر العراقي وسط حالة التيه التي خلقها العدوّ ألأمريكي حول (هوية) العراق.
(يتبع)
التعليقات