أن يفوز (حسني مبارك) بدلا من أن (يورّث) نجله الذي يبدو مستعدا ومتلهفا لشغل منصب سياسي بعد أن شبع من المناصب التجارية وغيرها، فهذه إحدى معجزات الرؤساء العرب. البقاء طويلا دون ان يقدم احد منهم ما يجعله يشعر بالرضا. انهم زعماء من النوع المقاوم لعوامل التعرية. وزعماء يعرفون متى يمتثلون لأمر الآمر المطاع هناك... في واشنطن أو في مزرعته. وربما حتى في لحظات يختطفها من جدوله ليرفه عن نفسه وكلبه وزوجته في (تل أبيب) مخفورا بالمجرمين العتاة من وزن (شارون) وما حوله. لا غريب أن تكون (مصر) بعيدة. لقد فرّ بها السلام والتسوية والتطبيع الى محطات تشبه المدن الأجنبية. ولا أظن أن هنالك سياسيا في مصر يمكنه أن يحقق آمال شعبها العظيم. كلهم أحفاد باشوات وضباط استخبارات ومحترفو (تعذيب) المعتقلين بموجب (الرأي) ولذا فقد استعان بهم السيد بوش لانتزاع اعترافات من سجناء (جوانتنامو) فهو لا يثق بغير العرب في مجال المساعدة الفعالة بهذا الصدد. لا أرحب بمبارك ولم أكن أحلم أن أسمع يوما اسم رئيس جمهورية مصر العربية مختلفا عن حروف اسمه. ولا أبالغ إن قلت إن المصريين مشغولون بالعمل في السعودية والخليج أكثر من اهتمامهم بمن سيكون (الحاكم بأمره) في قصر القبة! ولن أكون أشد حرصا على وطن من أهله.
لا يثير الفوز المخطط له مسبقا أية آلام. فالجسد العربي مخلوق مفضل لتعيش فيه الأوجاع. كانت امريكا وما تزال تثير الزوابع في دروب الرئيس السوري الشاب (بشار الأسد) لأنه يستطيع أن يقول (لا) وهي كلمة قامت امريكا بالتعاون مع اللبنانيين الأحرار بتفسيرها تفسيرا خاصا. وإلا ما معنى أن تتدخل سوريا واسرائيل في أقصى حالات التدخل؟ مامعنى أن يرفض اللبنانيون كل ما يربطهم بسوريا تاريخا وجغرافيا وعرقا ومصيرا مشتركا ولا يمانعون في العمل التجاري مع اسرائيل؟! لا يحسبن هؤلاء اننا لم نزل تلاميذ في مدرسة الأغبياء. ليس شطارة منا. ولكن الدهر علمنا كما علم الله آدم الأسماء كلها. كعرب نعرف من هو الجيد لنا.. ونعرف من سوف يتنتهي علاقتنا به بمجرد تنصيبه (خلفا) للرئيس الراحل. يصير أبعد من الغول وأشد غرابة من الأحلام. ألم تقم قوات العدوان الإمريكي وذيلها الإنجليزي بنزع (صدام) من كرسيه انتصارا لمعلناة الشعب العراقي؟! فماذا جاءت به الأقدار بعد زوال هادم اللذات؟ شلة سياسيين منافقين ويبلعون البترول ولهم أشداق كـ (زيباري) ورطانة وعملاء ورجل يقتعد كرسي نائب الرئيس بينما هو مطلوب في قضية (اختلاس) اثنين وعشرين مليون دينارا أردنيا من بنك (البتراء) عيني عينك! والملك الأردني لم يكن أقل شهامة من جوقة (عفا الله عما سلف) وقتلة يغذيهم وجود متطرف ايراني له ميليشيات معروفة بالقسوة والظلم ويعد (مرجعية).. وعليا
العرب لو استغنوا عن اطباق الالتقاط لكسبوا ثواب الدنيا والآخرة. فهم امة متقلبة. مزاجها سوداوي وطباعها كطباع زوجة الأب. فتلفزيوناتهم مشرعة لنقل خطب بوش ونقل تموجات جسد (نانسي عجرم) التي أخجل شخصيا من البنات العربيات عندما أراها. اشعر ان المرأة العربية يجري ذبحها بأمثال عجرم أو المخنثين من أبناء الارستقراطية الذين لا ينقصهم سوى التثني والطرب. فبئس من قوم إذا ناموا لم يصحوا سوى بضرب المدافع وإذا تكلموا هربت الميكروفونات خجلا، وإذا تبرعوا.. فلامريكا.. تخيلوا أن أمير قطر تبرع بمئة مليون دولار لمساعدة امريكا (الشقيقة) في مأساة كاترين. وهل يمكنه ان يتبرع بعدد من الالاف لمواطن عربي مسحوق مشكلته تكمن في كونه لا يستطيع أن يشوه سمعة وطنه!!! كأن الوطن هو العباءة التي يرتديها بيروقراطيون استوزرتهم الأزمان الرديئة. فوزير النفط شاعر مصاب بالإسهال الشعري ووزير الدفاع (ستايل) خاص ومليونير ومنجاب. ولم يقف في طابور تدريب عسكري في حياته إلا إذا كان في موكب كرنفالي مع الملكة (اليزابيث) وهكذا

نحن من حقنا ان نحزن
من واجبنا أن نحزن
مما تبقى بنا من دم عربي علينا أن نكون متشائمين
فماالذي ستفعله (الماشطة في الوش العكر)؟

ومن سيجري عملية التجميل للمومياءات سوى من يتعيشون من شتمهم؟ ومن سيقول لكافور (جود الرجال من الأيدي وجودهمو / من اللسان. فلا كانوا ولا : الجود!)؟ ومن سيرتحل قائلا (بكى صاحبي لمارأى الدرب دونه)؟ لن يكون واحدا منا. نحن أبناء مؤسسات الحزن والخوف الرسمية التي تبكر في استقبال من قرروا الدوام فيها ابتعادا عن المظان.لقد حولونا الى مجموعة (ذهانيين) نشك حتى في أيدينا. يراقبنا مجهول ينتمي لسلطة غير مجهولة. ونفر منه فرارنا من الأسد. هل بقي عيب واحد ليس فينا؟ نعم. أنا لم أذكر اننا نعتبر انفسنا أبناء الله والمصطفين من خلقه واقرب العباد اليه وكأنه (تنزه) عن ذكرنا يوظفنا ماسحي جوخ. زالت في أدمغتنا الحدود بين الله وبين نفر في الأرض طغوا مثل فرعون. ولم يبعث الله لهم موسى ليلقف ما يسحرون
يارب... لم يعد في وسعنا إلا أن ندعوك (اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكننا نسألك اللطف فيه) فلعله أن يرحم ضمائرنا من العذاب. ويغفر لنا تواطئنا مع ظالمينا. فهو أعلم بما ننطوي عليه من خوف. وسوء منقلب. ولكم الأجر إن دعوتم معنا

[email protected]