لم يحظ دكتاتور في تاريخ البشرية المعاصر بأهمية استثنائية وملفتة للنظر مثل الأهمية التي نالها جلاد العراق الأوحد وسيد الدكتاتوريين العرب وسيفهم المثلوم! وامامهم (الناقص)! المدعو صدام التكريتي والذي تفوق بجرائمه وجرائم نظامه على كل الدكتاتوريين والطغاة الذين مروا في صفحات التاريخ العراقي والعربي بدءا من (زياد بن أبيه) الأموي.. مرورا بـ(الحجاج بن يوسف الثقفي) وبالعشرات من ولاة وحكام بني أمية والعباس و بني بويه والسلاجقة والمغول وصولا للعصر الحديث الذي أنبت زمرة من الطغاة تفاوتت (أهميتهم) الاجتماعية والسياسية، والظاهرة (الصدامية) في السياسة العربية قد أضحى لها مريدون ورجال وأحزاب ومنظمات جماهيرية بعضها بعيد كل البعد عن طبيعة التفكير والآيديولوجيا البعثية الصدامية الرثة و الغوغائية ولكنها مرتبطة مع صدام برباط وثيق هو رباط الحقد والروح الفاشية والغباء السياسي المفرط و العقد النفسية المريضة التي تقف خلف من يسيرون تلكم الأحزاب والتنظيمات؟ وإلا فما الذي يجمع بين (الإسلامي) في حماس أو المغرب والجزائر وبين (القومي العلماني) في مصر و الشام! وبين (السلفي) في الخليج و الجزيرة العربية؟ أو بين أولئك النفر من الإعلاميين المتمترسين على ضفاف نهر (التيمز) البريطاني من جماعات (الهمبكة و الفهلوة) الثورية المزيفة وهم يلتقون جميعا في الدفاع الشديد عن أشرس وأسوأ مجرم تحول إلى حاكم وشبه إله في تاريخ العرب المعاصر؟، فمن المعلوم تاريخيا للجميع من أن صدام لم يأت لسدة الحكم عن طريق الإنتخاب والرغبة الشعبية كما كان الحال مع الرئيس التشيلي الراحل (سلفادور إليندي)!، كما أنه بالقطع لم يرث السلطة عن والده أو عن أسرته كما هو حال أغلب الحكام العرب؟ ولم تأتيه السلطة نتيجة ظروف طبيعية معروفة، بل كان وثوبه على السلطة الأولى في العراق قد تم عن طريق واحد من أبشع الإنقلابات في التاريخ العراقي الحديث يشبه إلى حد بعيد الظروف التي صعدت فيها النازية للسلطة المطلقة في ألمانيا عن طريق تصفية الخصوم بشكل صاعق ومفاجيء و شامل! ولو كان البعثيون في العراق يمتلكون ذرة واحدة من المسؤولية الأخلاقية و الوطنية لحاكموا صدام و عصابته عن مسؤوليتهم عن قتل و تصفية وإبادة ثلثي القيادتين القومية و القطرية في تموز 1979 وقتلهم لأحد أكثر القادة البعثيين إنفتاحا و تقبلا للرأي الآخر وهو (عبد الخالق السامرائي) مفكر الفرع العراقي للحزب ورجله المتقشف و الذي ورطه صدام في مؤامرة 30 حزيران/ يونيو 1973 الإنقلابية المعروفة بمؤامرة (ناظم كزار)!! رغم عدم علاقته بها ليعتقل مدى الحياة تحت رعاية جهاز المخابرات التابع لشقيق صدام المجرم الآخر(برزان التكريتي) إلى أن يتم إخراجه من ظلمة الزنزانة بعد ستة أعوام ليعدم في إتهام مضحك بوقوفه خلف مؤامرة إنقلابية (بعثية) لا يعرف عنها شيئا؟؟ هل رأيتم أسوأ وأشنع وأكثر بلادة وغباء من ذلك الإخراج المسرحي الفاشل لمؤامرة لم تحدث إلا في خيال صدام و طغمته؟ فهل رقبة (صدام حسين) أكرم وأعز وأكثر قدسية من رقبة (عبد الخالق السامرائي) أو (محمد محجوب) أو (عدنان الحمداني) أو (غانم عبد الجليل) أو الأردني (د. منيف الرزاز)! أو مؤسس البعث العراقي (فؤاد الركابي).. وغيرهم الآلاف المؤلفة من رجال البعث العراقي الذين قطع صدام رؤوسهم بتهم واهية وبليدة تحت شهية الإنفراد بالسلطة ولكونهم أرقى منه سلوكا وتاريخا ونسبا...؟ فهل يعي النابحون من بعثيي الحاضر الجريمة الكبرى التي إقترفها صدام بحقهم وحق حزبهم؟ أم أن العصبية الجاهلية العشائرية و الطائفية تطغى على كل القيم الإنسانية وتمنع العقل المشلول من التحرك؟ فلو أراد البعثيون العودة للسياسة العراقية من بابها الواسع فإن البداية تكون من خلال النقد الذاتي الصارم وإدانة نهج قيادة الفاشية البعثية الصدامية ورد الإعتبار للقيادات التي قطع صدام رؤوسها بل وإدانة فترة الحكم الشمولي والإنفراد بالسلطة وشن الحروب المجانية وتهميش وعسكرة المجتمع العراقي وإدانة الممارسات الغبية لنظام صدام في تسهيل إدخال الأفكار السلفية و التكفيرية للمجتمع العراقي من خلال عبث (الحملة الإيمانية) التي إرتفعت خلالها سيوف الجلادين لتجهز على رقاب نساء العراق وأحرارهم بذريعة الحفاظ على الفضيلة و العفة؟ من حق البعثيين الذين يرون في أنفسهم وذواتهم النظافة من قيم العدوان و التخلف والجريمة التعبير عن مشاريعهم ولكن ليس قبل الإدانة الكاملة لعصر صدام وطغمته من القتلة وفتح صفحة جديدة في الحوار الوطني المسؤول الذي يعجل بإنهاء الإحتلال ويعيد الأمن الإجتماعي والسياسي المفقود، أما الإستمرار في الدفاع الأهوج عن إجرام صدام ففي ذلك إهانة لدماء العراقيين وأرواحهم وتعزيزا لمسيرة التخريب المستمرة وهي سياسة ستساهم مساهمة كاملة في إستمرار المجازر ولن يكسب البعثيون من ورائها أي نتيجة سوى الإستئصال..

حملة لطم عربية وإقليمية؟!!.
ولعل أغرب الظواهر التي تجسدت بعد صدور حكم الإعدام الأول على صدام و عصابته هي تلك الضجة العربية والإقليمية على الحكم؟ فهل كان القوم ينتظرون حكم البراءة مثلا؟ وهل كان بعض العرب ينتظرون من الحاكم الذي إخترق بل دمر صيغة الأمن القومي العربي وأحتل بلدا عربيا في ليل بهيم وألغاه من الوجود وتسبب في مصرع مئات الآلاف من العراقيين ودمر مستقبلهم وأنشأ المقابر الجماعية التي كانت المقدمة الفاعلة للمقابر الجماعية القائمة اليوم أن يكون مطلق السراح؟ أو أن يكرم بجائزة نوبل للتدمير الذاتي؟ والأعجب من كل شيء هي تلكم التصريحات المتخوفة من تصاعد الحرب الأهلية في العراق فيما لو نفذ حكم الإعدام بصدام؟ وكأن رقبة صدام أعز وأكرم وأشرف من رقاب العراقيين جميعا؟ وتلك لعمر الله قاصمة الظهر، وفي تاريخ العراق المعاصر حدثت عمليات إعدام عديدة لم نشهد خلالها أية ردود أفعال عربية مناهضة رغم وحشية بعضها، فقد أعدمت (العائلة الهاشمية المالكة) على يد الضباط العراقيين المسعورين ومرت الجريمة التاريخية بصمت عربي مذهل بل أن (البكباشية واليوزباشية) في القاهرة كانوا في غاية الفرح و السرور؟ كما أعدم (اللواء) عبد الكريم قاسم ورفاقه على يد البعثيين بعد محاكمة صورية لم تستغرق سوى دقائق معدودة صبيحة التاسع من فبراير 1963 وألقيت جثته في كيس في نهر ديالى وسط حبور وسعادة من (البكباشية واليوزباشية) في القاهرة أيضا؟؟ بل أن إذاعة صوت العرب وكانت تعادل في مفعولها (الجزيرة) هذه الأيام قد أنتجت أغنية للراحلة أم كلثوم بعنوان : (شعب العراء الحر ثار وعلى العراء (العراق) طلع النهار!! حسيت وأنا في ألب (قلب) العروبة بفرحته وشاركت فرحة رجعته لحريته وهنفت من ألبي (قلبي) السعيد بغداد في عيد و العالم العربي في عيد!!)!! أي أن أحكام الإعدام في العراق كانت تعتبر أعيادا في بعض العواصم العربية؟!!، كما قام نظام صدام ذاته وبصورة شخصية أيضا بعد إنقلاب 1968 الأمريكي الذي جاء بصدام ورفاقه للسلطة بتعذيب وإهانة وقتل رموز قومية عراقية بارزة كالراحل عبد الرحمن البزاز ولم نر عالما عربيا متوثبا للدفاع عنهم رغم كونهم كانوا رموزا للسلام و الحوار ويخلو تاريخهم من القتل و الغدر، أما من يحتج على عدم قانونية المحكمة وشرعيتها لكونها تقام تحت حراب الإحتلال فذلك أمر مرفوض تاريخيا لأن محاكمات (نورمبرغ) ضد النازيين وهم النسخة الأوروبية من (البعثيين) قد تمت وفقا لخيار وترتيبات وإدارة الحلفاء المنتصرين ولم يشكك أحد في شرعية تلك المحاكمات ولا في تنفيذ الأحكام رغم أن قادة النازيين كانوا أكثر رجولة من قادة البعث العراقي الصدامي النافق حين قرروا إنهاء حياتهم بالإنتحار الطوعي بعد هزيمة مشروعهم الكوني، وتلك نهاية درامية تحمل من عناصر الرجولة المعاني الكبيرة التي لا يفهمها صدام وأزلامه من المختفين في الحفر أو في المطابخ كما كان حال الرفيق (طه الجزراوي)؟ لقد تقبل النازيون الهزيمة وتعاملوا مع نتائجها بمنتهى الرجولة وأنهوا حياتهم بأيديهم تاركين الشعب الألماني العظيم ليشق طريقه بعيدا عن سياستهم العدوانية الخرقاء وهو اليوم من أعظم شعوب الأرض وليس لديه عقدة من الوجود الأمريكي بل تعامل مع ظروف الإحتلال الصعبة ليقوم قيامته الجديدة المذهلة، وأعتقد أن تنفيذ حكم الإعدام بصدام وطغمته يظل مسألة سيادية عراقية محضة لا تقبل القسمة ولا التأويل ومن يحاول التفلسف من العرب فعليهم أولا إلغاء أحكام الإعدام ضد معارضيهم قبل أن يتبرعوا بإسداء النصائح للعراقيين، وفي كل الأحوال فإن رقبة صدام ليس أكرم ولا أعز من الرقاب الحرة التي أطاح بها ظلما؟ أما من يروج لأسطورة الحرب الأهلية في حالة تنفيذ حكم الله بالمجرمين؟ فإن في ذلك الترويج البائس خوفا مستطيرا من سابقة (إعدام رئيس عربي) على يد مواطنيه!!! ففي ذلك خرقا للمحظور؟... مش كده وألا إيه ياباشا؟
[email protected]