انشغل الإعلام العربي في الاسبوع الماضي بزيارة وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار إلى كل من القاهرة وعمّان، بسبب رفض وزير الخارجية المصري لقاءه بحجة أن وقته ضيق وبرنامجه مشغول، وإلغاء زيارته إلى عمان بسبب ما أعلنته السلطات من اكتشاف أسلحة ومتفجرات أدخلتها عناصر من حماس إلى الأردن. وكما قلت في مقالة سابقة فإن الصحفي أو الكاتب لا يملك الأدوات أو الإمكانيات لمناقشة المعلومات التي أعلنها الناطق الرسمي الأردني، فهذه من صلاحيات الدول والحكومات المعنية، بدليل أن رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية أكّد (أن حكومته ستجري التحقيقات والتحريات المطلوبة للتوصل إلى حقيقة الأمر فيما يتعلق بضبط الأجهزة الأمنية الأردنية أسلحة ومتفجرات بهدف استهداف بعض المنشآت في الأردن)، وقد أرسل رئيس الوزراء الفلسطيني ممثلين عنه زاروا مكتب التمثيل الأردني في غزة، ليعبروا عن عمق الروابط الفلسطينية ألأردنية التي لن تؤثر فيها هكذا أمور. و وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار نفسه كان حكيما وعقلانيا في مؤتمره الصحفي في دمشق، عندما سئل عن إلغاء زيارته إلى الأردن، عندما أجاب بقوله: (إن علاقتنا بالأردن لا تتوقف على زيارة ألغيت أو أجلت). إن هذه المواقف من رئيس الوزراء و وزير الخارجية الفلسطينيين مواقف مسئولة، تعي فعلا حقيقة ترابط العلاقات الفلسطينية الأردنية وضرورة البحث عما يمتنها والقفز عما يمكن أن يضعفها.

وبينما يحرص الجانب الفلسطيني ومن داخل دمشق على تمتين العلاقات الفلسطينية الأردنية، نجد أن بعض الصحف اللبنانية وليس السورية تقوم بمهمة التوتير والتأزيم مستغلة تمجيد حركة حماس ndash; وهي تستحق ذلك ndash; للدفاع عن النظام السوري عبر مجموعة من الخطابات والمغالطات التي لا تليق بصحافة حرة في لبنان، لكن الخوف من النظام المخابراتي السوري في لبنان والاستقواء به يستدعي ذلك عند البعض في لبنان وليس الكل، بدليل أن هناك صحف وقنوات إعلامية لبنانية لم ترضخ للابتزاز والترهيب السوري، وتكشف بشكل مستمر دوره التخريبي الذي أيضا يضلل الجماهير عبر دفاعه الكاذب عن سلاح المقاومة اللبنانية التي تستحق التمجيد، ولكن دفاع النظام السوري مجرد بلاغة لتنسى الجماهير سكوته المخزي طوال أربعين عاما على احتلال الجولان دون أن يطلق رصاصة واحدة، ودون أن ينظّم حتى مقاومة سلمية في الجولان. المثال الصارخ على هذا النوع من الإعلام المقالة التي كتبها الزميل طلال سلمان رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية يوم الجمعة الحادي والعشرين من أبريل الحالي في زاويته المسماة (على الطريق)، وكي نكون منصفين فإن هذه المقالة لا تليق بالصورة المرسومة في أذهان الكثيرين عن جريدة السفير وأنا واحد منهم، لأن نوع الشتائم والافتراءات في هذه المقالة لا يمكن تفسيرها إلا أنها نفاق للنظام السوري المرعب والمخيف في لبنان، وذلك من خلال الملاحظات التالية:

أولا: رفض وزير الخارجية المصري استقبال محمود الزهار وزير الخارجية الفلسطيني، وفي هذا إهانة واضحة ورغم ذلك تقول المقالة المذكورة: (ولأن القاهرة أكبر من أن تخاصم علنا حكومة فلسطينية تمثل أكثرية المجلس التشريعي المنتخب ديمقراطيا، فهي قد اكتفت بالاعتذار عن عدم استقبال وزير الخارجية الفلسطيني لضيق وقت المسئولين حسب البيان الرسمي). وقد قرأت هذه الجملة عدة مرات ولم أفهم منها أيضا سوى الهروب من مهاجمة مصر، لأنه لا فرق في السياسة بين الخصومة العلنية والسرية، ما دامت النتيجة بالنسبة للشعب الفلسطيني هي عدم استقبال وزير خارجية حكومته؟فلماذا الإستقواء على الأردن فقط؟

ثانيا: ويوضح الكاتب هدفه من مقالته وهو الدفاع عن النظام السوري بزج تعبيرات خارجة عن السياق كقوله أن للأردن (مصلحة في هزّ استقرار النظام المنيع في سورية)، وذلك ضمن سياق الإشارات الأردنية أن الأسلحة التي تمّ اكتشافها وصلت عن طريق سورية. ويأتي هذا الدفاع قبل أن تعلق الحكومة السورية على ذلك، وهذا ما يفهم منه فقط التزلم خوفا من النظام السوري، لأن المعلومات الأردنية لا أملك أنا أو الزميل طلال سلمان نفيها أو تأكيدها، وهي من المفروض منطقيا أن تترك للجهات الرسمية في فلسطين والأردن وسورية، لو كان غرض الكاتب فعلا مصلحة القضية والحكومة الفلسطينية الجديدة التي شكلتها وترأسها حركة حماس. وضمن نفس التضليل المعتمد على مخاطبة عواطف الجماهير بالكلام الذي لا يقدم دعما للشعب الفلسطيني. فهو يقول أن المعلومات الأردنية هدفها (الحرب ليس على حماس وحدها، بل على من اعتبر نفسه - أي النظام السوري ndash; منتصرا بانتصار إرادة الشعب الفلسطيني الذي اختار حماس لحكومته). ولا أعرف أي نصر حققه النظام السوري وعلى من؟. هل على غير الشعب اللبناني عبر الاستمرار في مسلسل الاغتيالات، ورفض ترسيم الحدود بين البلدين، ورفض إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان مما يعني بدون نقاش عدم الاعتراف باستقلال لبنان واعتباره جزءا من سورية!!. وهل يقبل الزميل طلال سلمان أن تقطع أية دولة عربية علاقاتها الدبلوماسية مع لبنان وتغلق سفارتها، وتعلن أن ذلك أسوة بموقف النظام السوري؟؟. وأي انتصار الآن لإرادة الشعب الفلسطيني، وهذا النظام منذ عام 1967 وحتى هذه اللحظة يمنع أي مقاوم فلسطيني من إطلاق رصاصة ضد الاحتلال الإسرائيلي من الحدود السورية، وهل يتذكر الزميل طلال سلمان أية عملية ضد الاحتلال انطلقت من الحدود السورية؟؟. وهو وأنا وكل من عاشوا في لبنان وسورية، نتذكر تعليمات الضابطة الفدائية السورية أي فرع المخابرات السوري الخاص بالمنظمات الفدائية الفلسطينية: كل من يريد مقاومة الاحتلال فليذهب إلى جنوب لبنان!!.

ثالثا: أما قوله أن (المملكة قامت على أنقاض فلسطين)، فهو كلام لا يمكن أن يكون خدمة للحكومة الفلسطينية بزعامة حماس، ولا خدمة لمستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حول حدود الدولة الفلسطينية التي تراها السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس ضمن حدود عام 1967، وهو يصبّ في خدمة طرح اليمين الصهيوني الخاص بالوطن البديل، هذا اليمين الذي يرفض إقامة دولة فلسطينية لأنه يعتقد أن الدولة الفلسطينية قائمة أساسا شرق الأردن، أي في المملكة الأردنية الهاشميه، التي أعلنت عام 1988 قرارها الجريء والوطني بفك الارتباط مع الضفة الغربية، وذلك استجابة لرغبة الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية التي رأت أن تنامي الاعترافات الدولية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، يجعل من حقه أن يقيم دولته المستقلة ضمن أراضي الضفة الغربية و قطاع غزة. ومن المعروف أنه منذ نكبة فلسطين عام 1948 ظلت الضفة الغربية تابعة للأردن إلى أن سميت المملكة الأردنية الهاشمية بعد استفتاء عام 1950، وظلّ قطاع غزة تابعا أو تحت الإدارة العسكرية المصرية، وتم احتلال الضفة والقطاع معا في حرب حزيران عام 1967، فكيف يكون الأردن قام على أنقاض فلسطين، وهل يستطيع الكاتب أن يقول: أن مصر قامت على أنقاض فلسطين لكون قطاع غزة كان تحت الإدارة العسكرية المصرية من عام 1948 و حتى احتلاله مع الضفة الغربية عام 1967، فما دامت حالة الضفة هي نفس حالة القطاع، لماذا هذا القياس الخاطىء و المضلل بالنسبة للضفة والأردن فقط؟. ولماذا لا ينتقد الكاتب مصر أكبر قوة عسكرية عربية، لأنها كانت أول دولة عربية وقعت معاهدة الصلح مع إسرائيل عام 1979 أي قبل الأردن بخمسة عشر عاما!!. ونستطيع تصور خطورة هذا الطرح لو وقع تحت أيدي اليمين الصهيوني صاحب خطة الوطن البديل، وكم وكيف سيستعملونه قائلين: (انظروا لسنا وحدنا من نقول بالوطن البديل، ولكن هاهو صحفي عربي يقول علنا أن المملكة الأردنية قامت على أنقاض فلسطين، فدولة الفلسطينيين هناك في الأردن!!!).

رابعا: أما التضليل الأخير في مقالة جريدة السفير، فهو الادعاء بأن الأردن يخوض الحرب ضد الشعب العراقي!!. فعلا هذا الطرح إهانة للعقل والتفكير المنطقي، فأية حرب هذه التي يخوضها الأردن ضد الشعب العراقي، وكل القيادات العراقية سنيّة وشيعية وعربية وكردية، تشيد بضبط الأردن الحاسم لحدوده مع العراق، بينما العديد من هذه القيادات تؤكد أن النسبة الغالبة من الإرهاب في العراق قادمة عبر الحدود السورية، كما جاء في واحد من هذه التصريحات على لسان رئيس الوزراء العراقي لإبراهيم الجعفري يوم الثامن من يوليو لعام 2005، حيث قال: (إنه يعتزم زيارة سورية لتخفيف التوتر بين البلدين، إلا أنه حثّ واشنطن في نفس الوقت على إبقاء الضغوط على دمشق لتمنع تسلل المسلحين عبر حدودها إلى العراق)، وأضاف: (إن الضغوط الدولية نجحت في إجبار سورية على سحب قواتها من لبنان، ويمكن لهذه الضغوط أن تدفع سورية لتحسين الأمن عبر حدودها مع العراق). وينسى المدافعون عن النظام السوري أن هذا النظام يرفض حتى الآن إرسال سفير وفتح سفارة له في بغداد، رغم أن الجامعة العربية فتحت مكتبها وممثلها في بغداد رسميا. إن كلام الخائفين من المخابرات السورية في لبنان لا يعبر عن حقيقة النظام السوري ومواقفه، ولكن يعبر عنها الكتاب الوطنيون السوريون الذين يعرفون طبيعة النظام الذي يتسلط منذ أربعين عاما بالقمع والاستبداد والسجون على الشعب السوري، وأفضل توصيف لهذا النظام، ما كتبه الكاتب السوري المعروف صبحي حديدي يوم السابع عشر من ديسمبر لعام 2005، في صفحة (الحوار المتمدن)، قبيل الانتخابات التشريعية العراقية: (...سلوك النظام يظل في الجوهر انتحاريا، ما دام ظهره إلى الجدار ما يزال، فإن احتمال تورط الأجهزة السورية في اغتيال جبران تويني ينبثق من ذات المنطق البسيط الذي يقول إنّ الساحة اللبنانية هي آخر ما تبقى للنظام من ميادين لخوض معاركه بالذخيرة الحية، أو بالسيارة المفخخة والعبوة الناسفة. رسالة أولى في اللعبة هذه تقول للبنانيين: نحن هنا ما نزال قوة ضاربة، أقرب إليكم من حبل المريد، والزلزال يصيبكم أنتم قبل أن يصيبنا!. رسالة ثانية تقول للمجتمع السوري: ذراع الاستبداد طويل، وهو في الآن ذاته ليس قبضة و هراوة و زنزانة فحسب، بل كاتم صوت أيضا. رسالة ثالثة تقول للعرب: زلزال النظام سوف يهزّ الأرض في أمكنة أخرى، وسيصيب استقراركم (وهو زائف، في كل حال)قبل استقرارنا أو مثله سواء بسواء. رسالة رابعة إلى الولايات المتحدة: في وسعنا أن نحكم إغلاق الحدود السورية- العراقية في هذا الوقت الحساس، قبيل إجراء الانتخابات التشريعية، وعلى نحو يستدر مدائح وزير الداخلية العراقي...على غير عادته. رسالة خامسة إلى الدولة العبرية هذه المرة: الموشك على الانتحار قد لا يكتفي بتسخين جبهة مزارع شبعا في لبنان، وقد يشعل الحرائق هنا وهناك في الجولان...عليّ و على أعدائي....القاسم المشرك في هذه الرسائل أنها انتحارية بالفعل خالية من السياسة البسيطة، أو على وجه الدقة تلك السياسة الذرائعية المكيافيللية التي تنحني للعاصفة تارة أو تهرب إلى الأمام طورا، والتي كانت ديدن سياسة الأسد الأب في الملمات والمآزق، وكلما ضاق الخناق على النظام). هذا هو وصف المطلعين السوريين على تركيبة النظام الذي يجثم على صدور شعبهم (أهل مكة أدرى بشعابها)، وليس وصف وتملق الخائفين من النظام في لبنان.

إن الدفاع عن حكومة فلسطين برئاسة حماس واجب وطني، لأنها حكومة جاءت عبر الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني، ومرفوضة كل محاولات إفشال هذه الحكومة، فمن يرفضها أو يقبلها هو الشعب الفلسطيني الذي انتخبها بالغالبية، ولكن المرفوض هو استعمال مواقف دعم هذه الحكومة للتضليل على مواقف الآخرين (كلمة حق يراد بها باطل)، و طرح افتراءات على طرف تملقا لطرف لا يفهم سوى لغة الانتحار كما وصّف صبحي حديدي، أما الدفاع الخطابي البلاغي عن (النظام المنيع) في سورية، فسوف أناقش وجوه مناعته هذه، و وعوده الكلامية الأخيرة لوزير الخارجية الفلسطيني في مقالة قادمة.
[email protected]