بعد 128 يوما على اجراء الانتخابات العراقية و 72 يوما بالتمام علىاعلان نتائجها، خرج العراق من ازمة سياسية محققة كادت ان تعصف به وبمشروع تحرير العراق وكذلك بناء نظام ديمقراطي سليم يكون مركز اشعاع ليس فقط لدول المنطقة، وانما لجميع الشعوب التي تنشد التحرر من ربقة الانظمة الاستبدادية، وبالمناسبة بقي عددها قليل واكثرها في منطقتنا، مبنية على اسس قومية او دينية. وبعد الضغوط الداخلية والخارجية استطاعت قائمة الائتلاف من حل مشكلة استحقاقها الانتخابي في تقديم مرشح لرئاسة الوزارة حظي بقبول اغلب الفعاليات السياسية العراقية المتمثلة بالبرلمان وتلك التي خارجه. وتنفس الشارع العراقي الصعداء وعادت إليه بعض الثقة بالسياسيين الجدد. وبعد ساعات على ولادة صفقة الاتفاق المبنية على توزيع المناصب السيادية التسع محاصصة على اسس قومية وطائفية، تماما كما طبختها قائمة الاتلاف على اساس حكومة وحدة وطنية (مناصب موزعة بين الشيعة والسنة والاكراد)، اعتبر عضو مجلس النواب عن القائمة العراقية القاضي وائل عبد اللطيف تشكيل الحكومة الحالية بهذه الطريقة خروجا عن الوحدة الوطنية. وإن الحكومة الحالية قد شكلت للأسف على أساس محاصصات طائفية ومذهبية وذهبت الجهود التي استمرت ثلاثة أشهر هواء في شبك. وأضاف:quot;إن عملية تشكيل الحكومة كانت مبيتة لان الأسماء كانت معروفة سلفا وعدد الأصوات التي تصوت لها معروفة سلفا وبالتالي انها خروج عن الوضع الوطني والديمقراطي للبلدquot;. لقد جاءت تلك التصريحات وغيرها بعد ابعاد ممثلي التيارات التي لا تؤمن بالمحاصصة في ترشيح اياد علاوي لمنصب نائب الرئيس الذي صرح المتحدث باسم قائمته بهذا الشأن ان ترشيح علاوي جاء لأنهم لايؤمنون بالمحاصصة الطائفية والعرقية على اساس ان الدستور العراقي لا يحوي اي فقرة تشير إلى أن منصب الرئيس او نائبة ان يكون من طائفة ما او قومية محددة.وتمنى علاوي ان تكون الحكومة القادمة حكومة وحدة وطنية وتنأى بنفسها عن المحاصصات وتعمل على بناء الدولة الحديثة القوية والموحدة وفي بناء وحدة وطنية حقيقية بعيداً عن التقسيم الطائفي والعرقي والجهوي، حيث جرى تهميش للوحدة الوطنية خلال العام المنصرم. وان تاخير تشكيلها اصاب العراقيين بالاحباط والعملية الديمقراطية بالخذلان.

يجب ان تكون من اولويات الحكومة القادمة ايضاً بناء مؤسسات الامن والجيش وفق معايير الوحدة الوطنية الحقيقية، ويكون ولاء هذه المؤسسات للشعب والوطن. وسرعان ما بدأت معارك جانبية حول توزيع المناصب الوزراية بين القوائم في المطالبة بوزارات quot;سياديةquot;. مصطلح مبتدع ليس له علاقة بالحس الوطني وخدمة المصلحة العامة وتحقيق طموح الناخب العراقي. ان شرف المساهمة في خدمة العراق وتحمل المسؤولية في ادارة اي وزارة هي مهمة وطنية وتمثيل سيادة الدولة، لا يختلف فيها عمل وزير الصحة عن عمل وزير المواصلات او الخارجية. وان ما يمكن ان يقدمه وزير المالية لا يقل اهمية عما يمكن ان يقوم به وزير النفط او الداخلية. فاي وزارة سيادية هذه التي بدأ الصراع من جديد على ان تطالب بها القوائم ؟ فهل هي الوزارات التي عبرها يمكن ان تحقيق الاحزاب عبر دوائرها اكبر فائدة حزبية او قومية او طائفية ؟ او ان ان يكون وزيرها اكثر الوقت محط انظار وسائل الاعلام واكثرهم سفرا خارج العراق ؟ ان اهمية اي وزارة في الانظمة الديمقراطية يعود إلى البرامج السياسية التي تتبناها الحكومة وتريد تحقيقها لمواطنيها. فان كان مثلا مركز الثقل في برنامجها القضاء على مشكلة البطالة فان وزير الشؤون الاجتماعية هو محور عمل مجلس الوزارء. وان كانت الحكومة تريد تحقيق نجاح في مجال الخصصة مثلا، فالدور لوزير المالية وان كانت مشكلة امنية تعيق تقدم البلد فوزير الداخلية، وفي حالة خوف من اعتداء خارجي فوزير الدفاع في مقدمة عمل الحكومة ومجلس وزرائها.....الخ وبما ان العراق يواجه جميع تلك المشاكل مجتمعة واكثر منها فان اي وزير في الحكومة القادمة هو محط انظار الشارع العراقي وعليه مسؤولية كبيرة، ان كان الغرض فعلا خدمة العراق وبنائه. ان التنافس الذي بدأته القوائم على الوزارات التي سمتها سيادية سوف يعلو صراخها اكثر من الاختلاف على منصب رئيس الوزراء. فقائمه الاتلاف وحسب تصريح احد اعضائها تريد وزارة الداخلية و 16 وزارة اخرى وفقا لثقلها البرلماني والسياسي والطائفي. حيث شددت على التمسك بمعظم الوزارات الخدمية مع وزارتين سياديتين احدهما امنية، أما الدفاع او الداخلية. اما وزارة النفط التي يسعى حزب الفضيلة (احد مكونات الائتلاف) ان تكون من حصته وذلك لرغبة الحزب شرعنة سرقة النفط العراقي من آبار الجنوب العراقي وبيعه عبر ايران كما هو يجري الان بالتعاون مع مليشات بدر وجيش المهدي. وصرح مسؤول في قائمة التحالف الكردية بان القائمة تريد الاحتفاظ بوزارة الخارجية، فيما طالب حسين الفلوجي من جبهة التوافق بأن تكون وزارة الخارجية من حصة قائمته. اما القائمة العراقية بقيادة علاوي والجبهة العراقية للحوار بقيادة المطلك تشترطان مناصب quot;سياديةquot; أيضا لاشتراكهما في تشكيلة الحكومة القادمة. ان العراق اليوم يمر بمنعطف خطير وخطير جدا. نعم لقد خرجنا إلى آفاق رحبة كما قال الرئيس جلال الطالباني بعد حل مشكل رئاسة الوزارة، ولكننا دخلنا في نفق quot;اللبنةquot; او المحاصصة الطائفية والقومية التي كرستها المناصب التي اتفق عليها على الرغم من انها اخرجتنا من حالة اللا حكومة والفراغ السياسي. ومن اجل ان نقضي على بوادر مرض quot;اللبننةquot;يتحمل اليوم نوري كامل علي المالكي المكلف بتشكيل الحكومة المسئولية الاساس. تمر في حياة الشعوب والامم وكذلك الافراد فرص مهمة ومصيرية. واليوم هذه فرصة المالكي لكي يدخل التاريخ العراقي من اوسع ابوابه بعد اصبح اول رئيس وزارء شرعي للعراق بعد اكثر من نصف قرن من تاريخ العراق الحديث ورئيس اول حكومة عراقية دائمة بعد سقوط النظام البعثصادامي، ان فعلا اختار طريق تفتيت حصى quot;اللبننةquot; في مرارة الجهاز الحكومي العراقي وكذلك أن يخلف وراءه التسلق الرفاقي على حساب الكفاءات العلمية والمهنية عبر تجربته التعايش مع النظام السوري وطريقة التقوقع الحزبي فيه. كما وان يكون قد خرج بدروس تجربته كمسئولفي لجنة الامن في البرلمان التي قادها على الارض الوزير صولاغ في حكومة الجعفري والتي اوصلت العراق إلى ان يحتل اخطر مكان في العالم يغرقه دم العراقيين حسب الهوية الطائفية. ان تصريحات المالكي الاولى بعد تكليفه اعادت بعض الثقة لدي الوطنيين العراقيين بان هناك امل في تغير الحال إلى الاحسن . لقد دعا الفرقاء العراقيين الى :quot; التخندق جميعا في خندق الاخوة والعلاقة التي تربطنا كعراقيينquot;. كما تعهد في اول خطاب له بعد ترشيحه رسميا من قبل قائمة الائتلاف العراقي الموحد بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعتمد على المهنية والتكنوقراط. وان لاتكون الوزارة ملكا للوزير او لطائفته. وان يتمتع كل وزير بالكفاءة والاخلاص العاليين. وانه سيعمل لكل العراق وان يسعى لنبذ الطائفية. وهذا معناه فك الأنظمة المعمول بها في قيادة الوزارات التي سير ت من قبل حزب الدعوة او جماعة الصدر او المجلس الاعلى او التحالف الكردي في الفترة السابقة. ان الامل الذي ولد لدي البعض من الوطنين العراقيين لما يمثله المالكي من خط عروبي في الحزب الذي كان بعض قادته يقيمون في ايران ويتخذون مواقف لاتختلف مع توجهات ايران السياسية التي دائما ليست في مصلحة العراق ومستقبله السياسي عبر مسيرته السياسية بعدم تحمسه للذهاب بعيدا باتجاه العلاقة مع ايران التي تشكل عصب سياسات معظم الاحزاب الشيعية العراقية والتي تلقى رفض نظيراتها السنية وحتى الشيعية العلمانية. ولربما هناك امل في الرجل في ايقاف دور إيران العابث في العراق وكذلك ابتعاده عن المليشيات الطائفية والقيام بحلها مع غيرها من المليشات المسلحة، تلك التي تلقى الدعم المادي والمعنوي من خارج الحدود او من الاحزاب. واولى التطبيقات العملية، إن اراد فعلا تنفيذ ما صرح به هو إلغاء مفهوم الوزارات السيادية تلك التي تتكالب عليها القوائم الحزبية ( الداخلية، الدفاع، الخارجية، النفط والمالية ) واعطائها ليس على اسس المحاصصة، بيد عناصر يعتمد في اختيارها الوطنية العراقية والكفاءة المهنية و عدم ارتباطها باجهزة النظام البعثصدامي الساقط. ان وزارة الخارجية يجب ان لا تكون وراثة للتحالف ووزارة الداخلية ليست ملكا للاتلاف وكذلك وزارة الدفاع ليست حكرا لطائفة ما ووزارة النفط، الثروة الوطنية الوحيدة الباقيه للعراق ان تكون بايدي امينة وكفوءة وذات خبرة حقيقية في مجال الصناعة النفطية. يجب ان تكون تلك الوزرات بيد الكفاءات العراقية والوطنية منها، بغض النظر عن قوميتها وطائفتها ودينها. وسنرى هل سيدخل المالكي التاريخ العراقي كوطني عراقي غلبت وطنيته وانتمائه على ولائه الحزبي، وانه مشافى من المرض الطائفي ومزالق المحاصصة الحزبية؟ ان ما قاله المالكي في كلماته وتصريحاته بعد تكليفه كلام جميل، وجميل جدا ولكنه يحتاج إلى التطبيق. فإذا ما طبق فعلا فإن العراق والشعب العراقي سيكونان من الدول التي تطبق الديمقراطية بصورة صحيحة وستبدأ فعلا مرحلة بناء العراق الجديد التي ينتظرها العراقيون ثلاثة اعوام كاملة بعد اربعة عقود عجاف.