(التغريب) هو أس البلاء هكذا يقول بنو صحوة. و (الغرب) هو الذي قضى على حلم (الوحدة) هكذا يقول بنو يعرب.. وبين (أبونضال) العروبي، و (أبوجهاد) الصّـحَـوي، أو بين نظريات (ميشيل عفلق) العروبية، ونظريات (يوسف القرضاوي) الصحوية، ضاع الناطقون بالعربية، وكانت النتيجة التخلف.
الغرب ومؤامرات الغرب هي أصل العلة.
قالها (ميشيل عفلق) ورددها معه العروبيون، ثم وصفوه بالغرب (الإمبريالي)، وكررها بعدهم (يوسف القرضاوي) و(ابن لادن)، ورددها الصحويون، ثم وصفوه بالغرب (الصليبي).. لم تتغير الفحوى، ولا المضمون، ولا العدو المصطنع، ولا التخلف، وإنما تغيّر الوصف الخارجي فقط!
نجا الخليجيون من العروبويّة و القومَجيّة، وأوحالها وفكرها (النازي) القميء. غير أنهم وقعوا في مصيدة الصحوة، فشربوا المقلب الصحوي حتى الثمالة.
الغرب هو العلة.. لماذا لا أفهم!
قد أفهم سبب هذه العداوة لدى (عرب الماء) حيث عرفَ أولئك (الاستعمار)، واستغلاله، وكوارثه، وامتصاصه لثرواتهم، وضربه لهويتهم، فكان لهذه الكراهية مبرر وسبب موضوعي إلى حد ما... أما (عرب الصحراء)، أو (الخليجيون) على وجه التحديد، فلم يجدوا من الغرب إلا الغنى بعد الفقر، والصحة بعد المرض، والسيارة والطائرة بعد الإبل والبغال و الحمير، والبيوت الفاخرة المكيفة بعد بيوت الطين وخيام الشعر السوداء المهترئة التي تمزقها رياح الصحراء وعوامل التعرية.
أطلق لخيالك العنان، وتصوّر أن الغرب لم يحط برحاله ورجاله ومكتشفيه في الجزيرة والخليج، ولم يهتم بهذه الأصقاع النائية التي كان الجوعُ والفقر والمرض والنسيان يلفها من كل جانب، كيف سنكون نحن الخليجيين، وكيف سنعيش، حيث لا ماء ولا غذاء ولا دواء ولا أية مقوماتٍ تذكر للحياة.
الحقيقة التي يدعمها التاريخ تقول : أن الجزيرة منذ أن غادرها (الأمويون) إلى دمشق، بقيت نسياً منسيا، حتى أعادها (الغربيون) إلى التاريخ مرة أخرى حينما لامست أقدامهم ثراها، فتفجرت بفضلهم ينابيع النفط ، وتحوّلت الصحاري القاحلة المجدبة إلى ناطحات سحاب، وتحوّل الشحُ في المياه إلى معامل لتحلية مياه البحر، وغادرت الأمراض والأوبئة المستوطنة في الجزيرة والخليج إلى أبد الآبدين.. لم يًـعُـد ثمة لا سنة (الرحمه)، ولا سنة (الدّبا)، ولا سنة (الجراد).. وأصبح رغدُ العيش يلقاك في كل زاوية، فتحول الإنسان الخليجي من (الجهل) المطبق إلى (العلم) والانفتاح... قبل النفط ، أو بلغة أدق : قبل الغربيين، كانت الجزيرة والخليج منطقة (طرد) للإنسان إلى خارج حيّـزها الجغرافي، وبفعل النفط الذي اكتشفه الغربيون تحولت إلى منطقة (جذب) للإنسان الذي أتى إليها من كل أرجاء المعمورة.
كان الإنسان الخليجي، وإنسان الجزيرة - قبل الصحوة طبعاً - يعرف أهمية ذلك (الغربي) الذي يجوبُ صحاريه باحثاً عن الذهب الأسود، و يعملُ بكل جد ونشاط في مهمته ، لينقذه من ظلام الجهل والمرض والتخلف، إلى نور التحضر و الصحة و العيش الرغيد. عَملَ أجدادُنا مع ذلك (الغربي)، و وقعوا معه الاتفاقيات، ومهّـدوا له السبل، حتى أنجز المهمة.. وبقدر ما استفاد أفاد، وبقدر ما نجحَ هو نجحنا نحنُ في المقابل، فكانت القسمة قسمة عادلة، علمتنا أول ما علمتنا أن الحضارة (عقدٌ بين طرفين) يقوم على (المصلحة) المتبادلة، وليس على الشعارات، والعنتريات، والمقولات المستوردة من التاريخ.
وفجأة، ابتلانا الله نحن الخليجيين بهؤلاء (الصحويين) ، فأخلوا بالمعادلة، وقلبوا الطاولة على الجالسين حولها، وأشعلوا جذوة ثقافة الكره والبغضاء، وغدروا بالعهود، ولوثوا ثقافتنا الخليجية المتسامحة والمنفتحة، وأصبح (الغربي المُـنقذ) هو (العدو اللدود)، فارتبكنا، وارتبك معنا مشروعنا الحضاري، وكاد ابن لادن، ذلك الإرهابي حتى العظم، والمخرّب حتى الجريمة، والمتخلف حتى العيش في الكهوف، أن يكون رمزاً (نهضوياً) أهم حضارياً ممن أسسوا التنمية، وقادوا قطار التعليم، وأقاموا المنشآت الحضارية، ونقلونا من الظلام إلى النور، ومن الأمراض والأوبئة إلى المستشفيات والأجهزة الطبية. الفرق بين الصحوة وبين ما قبلها، كالفرق بين (الإرهابي) أسامه بن لادن وأبيه (المعلم) محمد بن لادن. ابن لادن الابن أراد أن يهدم البيت على ساكنيه، وأن يفجر النفط، ويَحرقنا ويحرق أبناءنا فيه، أما والده فهو الذي شق طريق (كرا) في قلب جبال السروات بين الطائف ومكة، وتوفي حينما سقطت به طائرته وهو يشرف على ذلك المشروع التنموي العملاق الذي مازال يشهد على رياديته. هذا هو ابن لادن الأب (الرائد)، وهذا هو ابن لادن الابن (الفاسد) ، وبينهما فقارن حتى تعي ماذا فعلت (الصحوة) بنا نحن السعوديين!
كيف كنا قبل الصحوة، وكيف أصبحنا بعدها؟.. كما ترون : حيث العمليات الانتحارية، وحيث القبح، وحيث الدم، وحيث الهدم، وحيث التخلف، وحيث أكشاك وخلايا الأمراض والأوبئة الفكرية المتطرفة!
الغرب، والتحالف معه، والاقتداء به، واستيعاب علومه ومناهجه في الحياة الدنيا، لا في الحياة الآخرة، يعني بكل صراحة ومباشرة : ( السلام والأمن والتحضر والتنمية والرخاء). وإن رَغِـَم أنف عفلق و القرضاوي معاً وأتباعهما،
- آخر تحديث :
التعليقات