لسيجموند فرويد نظرية شهيرة في علم النفس عن تطور الشخصية قسم فيها مراحل هذا التطور الي ثلاث مراحل : المرحلة الفمية والمرحلة الشرجية و المرحلة التناسلية (Oral Phase , Anal Phase and Genital Phase). في المرحلة الاولي الفمية تكون الشخصية مرتبطة بالأم لأنها المصدر الرئيسي للأشباع ثم تتطور الشخصية تدريجيا وتنفصل عن الأم عندما يجد الطفل طرقا اخري للأشباع ويبدأ الأحساس بمتعة الاخراج والتحكم فيه ويطلق فرويد اسم الشرجية علي هذه المرحلة التي تستمر طوال الطفولة ويكون فيها الطفل ذكرا كان او انثي مرتبطا بالأسرة والمشابه جنسيا وتجد الاولاد الذكور يتكاتفون ضد الجنس الآخر و يعتبرونهم أعداء والعكس صحيح والطفل في هذه المرحلة دائما يحتمي في دفء المألوف وخاصة الأسرة ويميل الي الأنانية والصراخ للحصول علي ما يريد او للهروب من العقاب وإذا أخطأ يميل الي اتهام الآخرين بأنهم مسئولون عن هذا الخطأ سواء أخوه أو أخته او زميله في المدرسة كما يستسهل الكذب البريء للهروب من العقاب او الحصول علي ما يريد.

ثم تبدا الشخصية في التطور الطبيعي عند مرحلة البلوغ عندما يبدأ الطفل او الطفلة التعرف علي الأعضاء التناسلية وما يثيره الجنس الآخر من مشاعر فيصبح عدو الامس صديقا وحبيبا ويبدأ الانسان في البحث عن المجهول والمختلف و تعلم المتعة في ذلك وتعلم الأختيار بين بدائل وتحمل تبعات هذا الاختيار.. اي ببساطة يبدأ الإنسان في النضج و أهم علامات هذا النضج هو اكتشاف ان هناك آخر مختلفا يجب التعايش معه ومحاولة الحصول علي الثقة والمنفعة المتبادلة، ومعرفة ان هناك حرية اختيار بين عدة بدائل وتحمل مسئولية هذا الاختيار وهذا التطور في الشخصية هو التطور السوي وتؤثر فيه عوامل كثيرة مثل الأسرة والبيئة المحيطة والثقافة الغالبة فيها وطبعا هناك استثناءات لكل قاعدة.

وأعتقد انه من الممكن استخدام نفس النظرية في محاولة فهم تطور الشخصية الجمعية للشعوب والأمم وتأثير الثقافة السائدة وعوامل البيئة علي هذا التطور وسأحاول قراءة تطور الشخصية العربية حسب نظرية فرويد بقراءة السمات الرئيسية لهذه الشخصية لكي نستطيع ان نحدد الي اي مرحلة تنتمي هذه الشحصية حسب تقسيم فرويد ولماذا:

فالمتابع لأهم سمات الشخصية العربية يجد ان اهم ما تتصف به هو التمسك بدفء المألوف من العادات والأفكار واعتبار ان كل من يخرج في تفكيره او تصرفاته عن هذا المألوف هو ضال او شارد يجب رده الي الصواب كما تعتقده المجتمعات في اي مرحلة زمنيه واذا لم يمكن ذلك فالأفضل تصفيته معنويا أو حتي جسديا اذا كان صوته عاليا اكثر مما يجب.. وتتضح هذه السمة اكثر ما تتضح في امثالنا الشعبية.. اللي تعرفه احسن من اللي ماتعرفوش...، انا واخويا علي ابن عمي وانا وابن عمي علي الغريب، بصرف النظر عن اين الحق واين الخطأ، كما تتضح هذه الصفة في اتهامات التكفير والعمالة التي نطلقها جزافا وبسهولة شديدة علي كل من يفكر بطريقة مختلفة حتي تم اختزال الموضوع في الآونة الأخيرة الي جملة واحدة (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).

والسمة الثانية الواضحة في هذه الشخصية هو عدم تقبل الآخر المختلف تماما مثلما لا يتقبل الأطفال الذكور الإناث في مرحلة الطفولة وعدم القدرة علي استكشاف المجهول والتمتع بهذه الرحلة الاستكشافية واعتبار ان من يفعل ذلك هو نوع من الخلل العقلي.. كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.. وكل مجتمعاتنا تقريبا يتم فيها فصل الذكور عن الإناث ويحدث هذا تقريبا بطريقة تلقائية تماما مثلما يتجمع الأولاد اثناء الطفولة ليلعبوا سويا بعيدا عن البنات اللاتي يفعلن نفس الشيء. يحدث هذا في المدارس و الجامعات حتي لو كانت مشتركة ويحدث في المناسبات الاجتماعية حتي لو لم يكن الموضوع فرضا في المجتمعات الأكثر انفتاحا في العالم العربي.

اما اهم صفات الشخصية العربية فهي قدرتها علي الصراخ دون الفعل لتحصل علي ماتريد.. فنحن نصرخ لنحصل علي حقوقنا دون ان نحاول العمل و الإنتاج لنحصل علي القوة اللازمة التي ستضمن لنا في النهاية هذه الحقوق.. ونلقي اللوم علي الآخرين لنبرر لأنفسنا الفشل او الخطأ مثلما يفعل الطفل تماما.. فالشعوب تلوم حكامها علي ماهم فيه من تخلف وقهر والحكام يلومون الشعوب انهم غير مستعدين لأخطار الديمقراطية او ان سبب تخلفهم الأقتصادي هو تكاثرهم غير الواعي وزيادة نسلهم وكأنما يريدون ان تتوقف الشعوب عن ممارسة الجنس ليصبح حكرا علي الحكام، انظر الي اي خطبة لرئيسنا المبجل الذي اختصر كل مشاكلنا في زيادة عدد السكان وكأنما الصين مثلا تعيش علي كوكب آخر، والجميع شعوبا و حكومات يصرخون لوما للآخرين علي كل بلاوينا من الأمبريالية العالمية الي امريكا التي اسميناها اللقيطة الي الصهيونية العالمية وكأنما نحن ضحايا يتآمر علينا الجميع حتي نظل متخلفين اقتصاديا و حضاريا.. نظل نصرخ ليل نهار اننا خير أمة أخرجت للناس دون أن نقدم اي دليل علي ذلك.. لقد اصبح الاسم المختصر لكل شعوب الأرض الأخري هو الكفار ثم نستغرب لماذا لا يحبوننا.. بالله عليكم كيف تتوقعون من الذي نعتبره كافرا ان يقف بجانبنا ويؤيد حصولنا علي حقوقنا.

اما الأنانية التي تجدها صفة من صفات الطفولة البريئة فحدث ولا حرج.. فنحن نعتبر ان الله قد سخر لنا الشعوب الأخري لتعمل وتكتشف وتنتج لنستمتع نحن علي الجاهز.. نركب سيارات لا ننتجها ونستعمل تكنولوجيا الغرب ثم نلعن هذا الغرب الكافر ونأكل مما يزرعه الغير ثم نفجره بسيارة مفخخه ونظهر علي الفضائيات مستمتعين بحماية القانون في المجتمعات الغربية التي يعيش فيها بعضنا هربا من سجن بني وطنه، ثم نجدهم يتهمون هذه المجتمعات بالكفر ويحللون قتلهم ونسفهم رجالهم و اطفالهم و نساءهم.

اما وضع المرأة في مجتمعاتنا فهي اكبر مثال علي توقف تطور شخصيتنا عند مرحلة معينة فنحن نعايرها ليل نهار باننا ضمنا لها حقوقا لا تجدها في اي مجتمع آخر بصرف النظر عن رأيها الذي هو بالنسبة لنا شيئا ثانويا المهم أن تكون مستعدة دائما لإرضاء اعضائنا التناسلية التي تعرفنا عليها بغرائزنا وليس بعقولنا كما يؤكد علي ذلك فرويد في نظريته عن تطور الشخصية.

وليسامحني كل العرب فأنا منهم في النهاية..إن شخصيتنا العربية الجمعية قد توقفت في تطورها عند المرحلة الشرجية ولا أمل لنا إلا اذا تطورنا كباقي شعوب الأرض الي المرحلة الأخيرة التناسلية بعقولنا وليس بغرائزنا.

ولننظر الي ما يحدث في العراق.. فالجميع فيه الان من عرب و امريكان و أوروبيين يستمتعون بالتردي الي بدائية الإنسان الأولي من قتل و تعذيب ونسف واستخدام التكنولوجيا الحديثة في ذلك فصور مؤخرات الرجال اصبحت تبث في وسائل العلام والإعدام بفصل الراس عن الجسد امام الكاميرات والتمثيل بالجثث وقصف البيوت بالطائرات ونسف الامنين بالسيارات المفخخة.. الجميع وعلي رأسهم جنود قوات الاحتلال يستمتعون بممارسة العنف والقتل والتعذيب باسم الديمقراطية والمقاومة والدين والحقيقة ان الجميع في منطقتنا المنكوبة من العالم قد توقف او ارتد الي المرحلة الشرجية من التطور.. والجميع يبدو مستمتعا بذلك..

لنا الله..