( 1-2 )
quot;عبرت الشط على مودك: خلّيتك على راسيquot;
كركوك من الشوارع الخلفية:
1
عادل كامل كركوك من الشوارع الخلفية: الشمس القوية لاتزال تسطع فوق رأسي، رغم الليل الذي اكتب فيه، بعد أن تخليت عن الفجر كوقت للكتابة، نتيجة انهيار الثقة بالطاقة الكهربائية في هذا الوقت. الشمس ساطعة، ولازال الغبار على اكتافي، بين اصابعي، على شعري، وهاهو ينتشر على السطور، راسما خارطة الطريق التي سلكتها، في رحلتي نحو شخص يهمني أمره، مع أني لااعرفه ولايعرفني، لكن رغم ذلك فثمة اشياء كثيرة مشتركة بيننا، أهمها اننا نعيش في بلد محتل: الحقيقة التي يهرب الكثير منها، وفي أحوال افضل يعلـّق التفكير بها، الى أن تنفذ مصالحه من الاحتلال، فيعترف عندئذ فقط بأن بلاده محتلة. لن أسترسل أكثر.. فلست اعمل في حقل السياسة: نحن في بلد
لايحق للمرء فيه التفكير بما لايعنيه. بلد يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ولذلك تسير امور الناس بانتظام تام، وببالغ الدقة، مكذّبة كل ما يكتبه ويقوله هذا الدجال عادل كمال وأمثاله من هامشيي المشهد الثقافي والسياسي.
اغفروا لي لازالت الشمس قوية، ولازالت تضرب عميقا في يافوخي، حتى اني اشعر بحرارةالجمر داخل الشرايين، فالرجل الذي قصدته، في درجة حرارة المريخ، كان متهما في كونه ينتمي الى تنظيم القاعدة: المنظمة المشهورة، وتلك التهمة لم تأتِ اعتباطا، مادام الناس يصرون على أنه لادخان من دون نار، بالرغم من محاولتي، لعدة مرات، تفنيد هذه القاعدة في العراق، ليس لأنه بلد خال من الدخان والنار فقط، وانما - كما جاء اعلاه - لأن العراق هو الان، في الشرق الاوسط، يمثل النموذج الاوحد في دولة القانون، ودولة الخدمات المتفوقة حتى على اكثر الدول تقدما في العالم، ويكفينا فخرا أن هناك بشرا في العراق يموتون من شدة الفرح يوميا، فنحن شعب يطلق الرصاص والزغاريد من نفس الفوهة، في الاعراس والمناسبات السارة، وقد يتمادى احيانا فيطلق الرصاص في المناسبات الحزينة، كالخسارة في لعبة الدومينو، أو في خيبتك وأنت تكتشف - بعد عمر طويل - ان جارك هذا شيعي أو سني أو كردي، أو ملحد.. أو.. ييزي قهر، مثلا.
حسنا.. لقد أطلت عليكم الأمر، كما أني أخلفت وعدي مع ايلاف بارسال تقارير منتظمة اليها، كل يوم اثنين او ثلاثاء، لكن ما باليد حيلة: لم يهبط وحي الكتابة، بالرغم من تلاحق الاحداث، كما ان سفري نحو هذا الرجل المجهول كان بمثابة البحث عن اجابة لبعض الاسئلة، التي تشغلني وتشغل الناس، وقد طرحتها في التقرير السابق، وهي التي تخص مذاخر اسلحة الارهابيين التي لاتنفد، وفشل الاميركان في استمكانها، كما فشلت في العثور على اسلحة الدمار الشامل من قبل، ولكن.. بالرغم ان ماحصلت عليه من اجابة كانت مضحكة وبائسة - كما ستلاحظون - الا انها حرضتني على كتابة رواية، خطرت لي فكرتها اثناء الحرب الاخيرة ونضجت تماما بعد سقوط الدكتاتورية، بعد أن اكتشفت هشاشة العقل الاميركي quot; المحرر quot; للعراق، وعدم فهمه للشعب الذي يمارس عليه الاحتلال. في روايتي المقترحة سأجعل من اميركا quot; نصبة quot;: أي quot;مضحكة quot; يضحك كل العالم عليها، وهي وسيلتي لطردها من البلاد: سيقوم بطل روايتي quot; عادل كمال quot; بالاتصال بالادارة الاميركية وباستخباراتها وجواسيسها، أو عبر هواتف عملائها، لتزويدهم بمعلومات تخص المفاعل النووي الذي تروم quot; فطومة ام اللبن quot; صناعته من الثوم، أو ارشادها الى مزارع تحوير البصل الى قنابل يدوية، وذلك استنادا الى تجارب سابقة، حدثت وكنت شاهدا عليها في سنوات كردستان، قبل سقوط النظام، واستنادا الى تجربة الرجل المسكين الذي ذهبت لمقابلته، في منطقة نائية ومنسية، لابد أن الاميركان يعرفونها عندما يطلعون على هذا التقرير، وبذلك يمكنهم اعتقالي من خلال اعتقال المعتقل السابق، الذي دلني عليه معتقل اسبق، وهذا الاخير دله اخر معتقل.. و.. هكذا: فزورة تصلح لرمضان كريم، أو.. أنا اعرف أن الرواية ستضيع مني، كما ضاع الاول والتالي.. وكأنك يابو زيد ماغزيت.
أصحابي، في تلك الرحلة المجنونة، مخلوقات مدهشة، في حبها للاغنية، وفي ولعها في ابتكار القفشة والنكتة، وهم - كما كل اصحابي - لايفكرون انهم كردا او تركمانا او آثوريين، أو أنهم شعب الله المختار: انهم عراقيون وكفى: اقلية ساحقة، تحمل معها مشروع فنائها لأن المشروع صحيح ورائع.. و.. ولأنني مغرم،هذه الايام، باغنية كاظم الساهر: quot; عبرت الشط على مودك.. quot; فقد بدأت حفلتهم الغنائية بها، فيما السائق - سائقنا الورد - يتوقف بين، مرة ومرة، كي يضبط اعصابه من الضحك تارة، أو من العصبية تارة اخرى، يقطع ذلك البث المباشر، من الغناء والضحك والنقاش، فاصل اخباري، مصدره السيطرات الكثيرة التي مررنا بها، والاتصالات عبر هواتفنا النقالة مع اصدقائنا وصديقاتنا وأهلنا..
2
quot; الو.. لأول مرة يحدث، في تاريخ نقليات ناحية تازة، وأن تكتشف قنبلة موقوتة في حافلة نقل متوجهة من كركوك الى الناحية، فقد صعد أحد الركاب العرب تلك الحافلة، حاملا معه كيس نايلون، من المفروض انه يحمل حاجياته، لكنه تركها مكانها، وهو يطلب الترجل من الحافلة بعد ان قطعت مسافة ليست بعيدة - أي ان الحافلة لازالت في داخل المدينة - وفعلا تم له ذلك، وتحركت الحافلة بعد ذلك، فأثار وجود كيس النايلون انتباه راكب عربي آخر، ففتحه شاكا بمحتواه، وفعلا عثر على اسلاك وقنبلة موقوتة، مما اصاب راكبي الحافلة بالرعب، وادى بهم الى الترجل منها، فيما قام نفس الشخص برمي القنبلة الى منطقة خالية، فانفجرت، لكن شظاياها اصابت امرأتين ورجلا من ركاب الحافلة بجروح طفيفة، تعافوا بعدها quot;
الخبر اعلاه يأتي في سياق ما تطرقت اليه، في التقرير السابق، عن الازمة التي تمر بها ناحية تازة، والتي لم تنته بعد، فمازال اهالي الناحية يصرون على تسليم القتلة والخاطفين، كشرط لدخول العرب اليها، رغم ان عدم دخول هؤلاء يضر بالاحوال الاقتصادية للناحية، كونها تمثل سوقا لحاجاتهم الاساسية. يقول اصحابنا، في الشوارع الخلفية: ان اصحاب الرأي في العشائر العربية، وهم شيوخها، تعاملوا مع إجراء اهالي الناحية هذا بطريقتين، الاولى توجيه منتسبي عشائرهم الى الاعتماد على كركوك او قضاء داقوق للتبضع، مع نقل متعلقاتهم الادارية: البطاقة التموينية مثلا، الى كركوك او الى ناحية الرشاد، او النواحي والقصبات القريبة، كخطوة احترازية لمنع الاحتكاك بين الطرفين. أما الطريقة الثانية فقد كانت التفاوض، لكن عن بعد، مع الاعيان والكبار السن من اهالي الناحية، في حل الازمة على الاساس الشرعي المعروف: quot; البينة على من ادعى، واليمين على من انكر quot; وهذه الطريقة الثانية - يقول بعض اصحابنا - لم تلق قبولا من قبل شباب الناحية، الذين اصروا على ان حل الازمة يتلخص بشرط واحد، هو ما أقرته ادارة المدينة: تسليم القتلة، والمبالغ المأخوذة عن الرهائن.
أود أن انوه الى ان قرار منع العرب من الدخول الى ناحية تازة، لايتناقض مع وجو ركاب عرب في حافلة متوجهة الى تلك الناحية، لسبب بسيط هو ان قرار المنع ليس عاما، بل هو خاص بأفراد القرى المجاورة لها، إذ أن باقي الافراد من القومية العربية، موظفين او تجار أو أصحاب مصالح، يزاولون حقهم في الدخول والخروج الطبيعي، وفعليا - أو على الارض - ليس ثمة هناك من ضايق بعض الافراد المنتسبين الى تلك القرى، الذين دخلوا الناحية لهذا السبب او ذاك، وهم قلة على اي حال، لكن هذه الظاهرة تعني ان هناك فرصة للتسامح، خاصة بعد تسرّب اخبار عن شيخ العشيرة العربية التي وجد فيها المغدور مقتولا في منطقته، قد ارسل خبرا - كما يوقل اصحابنا هناك - مفاده انه في صدد التحري عن القتلة، وانه مستعد لتسليمهم حتى لو كانوا ابنائه. يذكر في هذا الصدد ان هناك تعهدا خطيا بين اهالي تازة وبين العشائر العربية، بأن يتحمل كل طرف مسؤولية حوادث العنف التي تحدث في منطقته: هذا التعهد كان قد ابرم من مدة بعيدة، ويأتي تصريح رئيس العشيرة في سياقه.
3
الشمس لازالت ساطعة، رغم الليل، وquot; عبرت الشط على مودك quot; لكثرة ما رددناها، تصببت حناجرنا عرقا حتى بح الصوت، ولحسن الحظ فان هناك خدمة اخرى في الهاتف النقال، هي الرسائل الالكترونية السريعة، التي وصلتنا ونحن على quot; طريق الموت quot;: أي طريق كركوك - تكريت، وهو لقب شائع لكثرة المفخخات والانفجارات فيه:
quot; قام مجهولون باطلاق النار على سائق مدير شركة غاز الشمال، عندما كان متوجها - أي السائق- مع زوجته، الى ناحية تازة، على طريق الكورنيش، واردوه قتيلا معها، وقد قامت دوريات الشرطة والحرس الوطني بتطويق المكان ومحاصرته، فيما لاذ الفاعلون بالفرار بسرعة، وتواروا عن الانظار في سيارة من نوع سوبر صالون. المغدور تركماني القومية،من ناحية تازة ايضا، ويسكن في قصبة البشيرية.. quot;.
الحادثة اعلاه، كما يبدو من الخارج، لاتحمل جديدا: انها حادثة مألوفة واعتيادية جدا، لنا على الاقل، نحن أولاد الخائبات، الذين نعيش في ثكنة الموت هذه، لكنها تحمل جانبا اخر لايعرفه القراء: اصدقئنا في مختلف انحاء العالم، لأن هناك ثمة شيء / أشياء لاتأتي على ذكرها التقارير المكتوبة أو المنقولة فضائيا عن العراق، لأنها - أي التقارير - مكتوبة بعقلية محترفين، لا ببداهة الهواة وفطنتهم ومشاغباتهم: من هذه الاشياء المخفية عن العين اننا نعيش في كنف دولة، لاتقدم لموظفيها خدمة بسيطة جدا هي النقل، ليس لشحة الاستيراد فنحن نستورد كل شيء حتى البشر، كي يقتلونا على الاقل، ولا لشحة البنزين فنحن بلد نفطي هناك ثقب بسيط في انابيبه النفطية، يمكن سدها بواسطة علكة الاطفال، الا ان اطفالنا بدأوا يولدون بلا افواه، وهذه مشكلة ليس لها علاقة باليورانيوم او اي معدن مشع، بقدر مالها علاقة برغبة الاباء الذين يعتقدون بحرمة الغناء، فصاروا ينجبون اطفالا - حسب الطلب - بدون افواه.
أقول: نحن في دولة القانون التي لاتستطيع الدولة نفسها أن تحمي سياراتها من السرقة او التسليب او التخريب، لأن رئيس وزرائها ليس quot; فيتر quot; في الحي الصناعي، ووزير مواصلاتها لم يركب حتى طائرة ورقية في عمره: ببساطة نحن في حكومة تملك خيالا، ولاتملك افعالا، وخيالها - بالرغم من ذلك - لايتسع الا لمنفعة القطعان الجائعة التي تقودها بعصا المصالح والمنافع الطائفية والقومية الضيقة، ولذلك حرصا على سلامة سيارات الدولة - وربما على هيبتها: هل لمثل هكذا دولة هيبة ؟ - لاعلى سلامة موظفيها، لجأت الى اسلوب تأجير السيارات الاهلية لنقل موظفي بعض الدوائر - ( بين قوسين: ناس وناس ): لعبة العسكر والحرامية، فالدولة تأخذ الان دور الحرامي الذي يتنكر خوفا من ان يقبض عليه العسكر: عصابات التسليب، وجيوش مرحلة مابعد صدام: أنها فنطازيا توازيها فكرة جمع قبلات المعجبات في قنينة، فقد احتاج اليها ذات يوم، عندما تنقرض النساء في العراق، الفكرة التي اقترحها صديقي عبد القادر الجنابي، وهو ينصحني أن أخفف من فنطازيا هذه التقارير
هكذا إذن يتخفى الموظفون بسيارة اهلية عن اعين الارهابيين والقتلة، الذين يمثلون العسكر: هذه اجراءات دولة القانون في حماية موظفيها إذن، فهل التقط الشاطر منكم مغزى خطف الحافلات الأهلية ؟ بكلام اخر هل حل عادل كمال لغز اختطاف موظفين، من سيارة دون اخرى ؟ اعتقد ان حادثة الكاظمية في الاسابيع الماضية، واختطاف الحافلة والموظفين الراكبين فيها، لاتزال عالقة في اذهانكم، إذن فقد صار معروفا ان معظم الدوائر الرسمية - عدى الشرطة والجيش - لاتستخدم سياراتها لنقل الموظفين، خشية تسليبها - خوش حكومة مو ؟ - لذلك لجأت الى اسلوب اخر هو تأجير السيارات الخصوصية للمواطنين، أو الموظفين التابعين لها لنقل منتسبيها، وهكذا فان المغدور به اعلاه، كان مستأجرا من قبل شركة غاز الشمال، لنقل مديرها، بمبلغ قدره 750 الف دينار شهريا، وقد اغتيل في وضح النهار لتقول لنا حكومة الظل: نحن هنا، مستغلة عجز وزارة الداخلية عن اداء واجباتها بصورة صحيحة.
في هذا الصدد يروي لنا من نثق به: أن سيارة الدائرة التي كانت بحوزته، أثناء الدوام الرسمي، قد تعرضت للتسليب، وتمت سرقتها في وضح النهار، عندما اعترضته مجموعة مسلحة، أثناء الواجب الرسمي، واستطاعت أن تسحبه من وراء مقود السيارة وترميه الى الارض، وتفر بالسيارة، لكن الصدفة وحدها جلبت معها سيارة تابعة لدورية شريطة، بعد دقيقة على الحادث - اي ان السيارة لم تختف عن النظر بعد - فأوقفها السائق مشيرا الى ماحصل، فكان جواب آمر الدورية بأن الحادثة هذه غير تابعة الى قاطعه، وقد أيد حاكم التحقيق بعد ذلك ادعاء امر الدورية، معلقا بأن الامر ليس من اختصاص هذه الدورية، فلو اصيب أي فرد من افرادها باصابة اثناء المطاردة، فإنه سيكون ملوما.. إذ الموضوع ليس من اختصاصه: ألم اقل لكم اننا بلد الاختصاصات: البلد الشرق الاوسطي الوحيد، الذي يسمح لفطومة ام اللبن ان تبيع اللبن لأن لقبها أم اللبن، وليس مهنتها بيع اللبن، وهذا خير مثال على ان المكان المناسب لم يعد مناسبا للرجل المناسب.. وهلـّم جرا - عود شنو مناسبة هلـم جرا؟
يتبع
التعليقات