بطولات وخيانات يشهدها العالم العربي ولبنان اليوم فيما تشنّ إسرائيل حرباً جبانةً بإمتياز منذ الثاني عشر من شهر تمّوز على لبنان المدنيين، ولبنان الجسور والمعامل والمرافئ البحريّة والمنشآت الكهربائيّة وكلّ البنى التحتيّة. فلم يحدث في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي الممتدّ منذ ما قبل منتصف القرن الفائت إلى الآن أن صمد طرف عربي قليل العدد والعدّة وكسرَ هيبة إسرائيل، وهي عمودها الفقري، على هذا النحو، فتتهيّب من المواجهة البريّة وتعوِّض على جبْنِها قصفاً مِنْ بعيد بالمدفعيّة والدبّابات برّاً، وبالطائرات الحربيّة جوّاً، وبالمدمِّرات بحراً، وحتى إذا غامرتْ وزحفتْ على محور مارون الراس ـ بنت جبيل ـ عيترون حدثَ ما ارتعدتْ فرائص جنرالاتها الدمويين الفاشست له ... وكانت المواجهة الفذّة التي أسفرتْ عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الجنود والضبّاط الإسرائيليين وأربعة عناصر من جهاز الإستخبارات وثلاث مروحيّات عسكريّة بكامل طواقمها وعدد من دبّابات الميركافا التي لا تُقهَر بوصف الإسرائيليين بقيادة وحدات غيلاني التي هي أيضاً نخبة الجيش الإسرائيلي.

وبعد حوالي عشرين يوماً من الوعيد والتهديد والقصف والتدمير تضطرّ إسرائيل ذاتها التي دحرتْ أنظمة عربيّة واحتلّتْ مساحات شاسعة بأيّام معدودات أن تنسحب مِنْ محور المثلّث عجزاً عن الثبات فيه مهما تذرّعتْ بأنّه إنسحاب تكتيكي، فخطّة الهجوم البرّي التي تراجعتْ عن الأصل بتوغّل مقداره 20 كلم بحسب الإسرائيليين أنفسهم إلى توغّل بمقدار 2 كلم تحتاج إلى مراجعة جذريّة، فالحاجة ماسّة لإعتماد سياسة الأرض المحروقة، والبربريّة الإسرائيلية كفيلة بها. وبتعبير أحد المحلّلين فحتى ولو وصلت القوّات البريّة الإسرائيليّة ضمن هذه السياسة التي هي جريمة حرب بعينها إلى العاصمة بيروت فيمكن للمقاومين الأبطال الإدّعاء، بكلّ شرف أنّهم مرّغوا أنف إسرائيل بالتراب.

ويكفي هؤلاء المقاومين عزّةً أن يَكتب المحلّل الإسرائيلي الإستراتيجي زئيفي سيف رعباً أنّه إذا إنتصر حزب الله في هذه الحرب quot;فلن يكون بعيداً اليوم الذي نجد فيه أنفسنا نقاتل في تل أبيب وظهورنا إلى البحرquot;. ويكفي هؤلاء المقاومين كرامةً أنّ جزّار قانا شمعون بيريز يصرِّح قائلاً أن quot;الحرب الراهنة بالنسبة لإسرائيل هي حرب حياة أو موتquot;. ويكفي هؤلاء المقاومين الذين أعلنتْ عشر منظّمات فلسطينيّة مِنْ دمشق ومن بينها الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين أنّها تضع كلّ إمكانيّاتها بتصرّف المقاومة في لبنان، مثلما أعلن ذلك القوميّون السوريّون والعرب والشيوعيّون وغيرهم من الشرفاء اللبنانيين ... يكفيهم سموّاً أن يقول ضابط عربي كبير شارك في حرب 1967 وحرب 1973 ويراقب مجريات الحرب في لبنان عن كثب للبناني جوني عبده ـ مسؤول أسبق في الإستخبارات اللبنانيّة ـ أنّ ما يشهده quot;لا يكاد يُصدَّق ولو أنّ هؤلاء المقاتلين الشجعان كانوا في صفوف الجيش العربي إبّان الحربين السالفتين لما استطاعتْ إسرائيل أن تحتلّ شبراً واحداًquot; لا في الأردن ولا في سوريا ولا في مصر.

ونصْرُ حزب الله والمقاومة عموماً هو نصْر مجيد للشعب العربي كلّه ولشعب لبنان على وجه الخصوص وأوّل أمل حقيقي لشعب فلسطين المظلوم بأنّ ليلهم هو ليس إلى الأبد.
وفيما نذكر هذا الصمود البطولي للبنانيين بوجه الإسرائيليين الغاشمين فيؤسفنا أن نشهد بالصوت والصورة هذه المواقف التي ترقى إلى الخيانة العظمى من قبل أنظمة عربيّة خانعة منبطحة مستسلمة حتى لا رجعة، وأكثر من ذلك هي لا تتوانى عن طعن الفلسطيني المعذََّب أينما كان في أرضه أم في بلاد اللجوء والمخيّمات في ظهره، كما لا تتوانى عن طعن المقاوم اللبناني في صدره، وتبرِّر للإسرائيلي فتغطّيه سياسيّاً ومعنويّاً بوقاحة لم يشهدها العرب في تاريخهم المعاصر ومثلهم يفعل لبنانيّون بلغوا الدرك الأسفل في المراهنة على الأعداء لتحطيم بني جلْدتهم ولو أدّى ذلك إلى إرتكاب إبادات على مستوى البشر كما على مستوى الحجر.

وجميعاً: بعض النظم العربيّة وألسنتها وأقلامها وبعض القوى اللبنانيّة وألسنتها وأقلامها التي خاب ظنّها بإسرائيل وطالبت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كونداليزا رايس بإستقدام حلف الناتو بكلّ قوّته الجبّارة إلى الجنوب اللبناني إمتداداً حتى كامل الحدود مع سوريا (لقاء مع أحدهم أجرته فضائيّة أل. بي. سي. اللبنانيّة) كأنّي بهم يرتعدون ذعراً أن يصحوا فإذا المقاومة قد إنتصرتْ وإذا بالإحتلال قد إندحر، أو كأنّي بلسان حالهم بقول: هزيمة إسرائيل هي هزيمة الرجعيّة العربيّة كلّها والإمبرياليّة كلّها والرأس أميركا ذاتها، فالنصر حتى إستلام رأس السيّد حسن نصرالله حتى ولو كان الثمن إحتلال العاصمة بيروت مرّة ثانية.
[email protected]