هل أخطأ السفير البريطاني في العراق وهو يقرر حقيقة أساسية من حقائق الوضع الميداني في العراق النازف الحائر التائه بساسته الفاشلون وبزعماء طوائفه الذين تحولوا لأمراء حرب؟ وبطبقته السياسية الجديدة وبأحزابه ذات الهوية الدينية المتشنجة والطائفية المريضة وهم يقودون البلاد والعباد بإمتياز وتفرد نحو الجحيم والتشظي وصوب خيار الحرب الأهلية الواقعة فعلا وليس قولا ؟ السفير البريطاني ربما كان مجاملا في تقريره لحكومته أكثر من اللازم فالحرب الأهلية والطائفية في العراق لم تعد خيارا مرعبا بقدر ما أضحت حقيقة يومية واضحة من حقائق الحياة العراقية النازفة ، ففشل خطة المالكي الأمنية الذريع، وتخبط وزارة الداخلية عبر وزيرها الجديد القادم من المجهول، وإستمرار مسلسلات العنف اليومية وحملات السطو على البنوك، وقتل الأبرياء في الملاعب والأسواق، وزرع الرعب والإرهاب والدم في كل مكان لا يمكن إلا أن يكون صورة من صور الحرب الأهلية المروعة التي يعيشها العراق والتي تتطابق وتتناسب مع مخططات بعض دول الجوار في تلويث الأجواء وتعكير الوضع وصولا لحالة الفلتان العام والإنهيار التام، يكذب المرء على نفسه ويخادعها فيما لو أفرط في الأحلام الوردية وتناسى الحقائق الميدانية القائمة والتي تؤشر على فشل سياسي مريع وعلى تراجع فظيع في الولاء الوطني للعديد من الأحزاب الجديدة أو القديمة أو المستحدثة ، ففشل حكومة السيد المالكي لا ينفصل في حقيقته عن فشل حكومة سابقه ورئيسه السيد الجعفري، وغلبة الولاءات الطائفية على الولاءات الوطنية قد شوشت على كل معالم الصورة وأنتجت واقعا سياسيا جديدا يتمثل في نمو ( العوائل السياسية المعممة ) التي تريد مصادرة البلد بأسره وتحويله لمحمية طائفية ولزعامات شخصية ولقيادات تنصب نفسها كقيادات معصومة مقدسة! ولعل إصرار السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق على قضية الفيدرالية الشيعية في خضم الظروف الحرجة والصعبة التي يعيشها العراق ومجمل الإقليم هو أمر لا يدخل إلا ضمن حسابات التشظي وتهيئة المواقع وحفر الخنادق لحرب أهلية طائفية موسعة لن تبقي أو تذر وستكون قمة المشروع الطائفي الإيراني في تدمير المنطقة وتكسيحها ، الفشل في العراق ذو طبيعة تراكمية مؤلمة ، فقد فشلت للأسف العملية السياسية ، وفشلت معها الأحزاب الحاكمة والمعارضة معا ، وفشل البرلمان العتيد في أن يكون معبرا عن حال العراقيين ، كما فشلت الإدارة الأميركية في إعداد وتهيئة الساحة العراقية للمتغيرات الكبرى التي كانت مؤملة بعد أن جابهت حقيقة الدين والطائفية والتاريخ والأمراض النفسية في مجتمع إنتقل بضربة واحدة من العصور الوسطى للعصر الحديث دون المرور بالمرحلة الإنتقالية اللازمة لتهذيب التفوس وتهدئة الخواطر ، فمن الديكتانورية المرعبة المنغلقة السوداء لأجواء الحرية المنفلتة نمت متغيرات وعوامل وطفيليات طائفية ومناطقية أدت للحالة السوداء التي يعيشها العراق الراهن ، لا أحد يتمنى الخراب والتدمير ولكن ما يحصل في العراق الراهن من فظائع لا يؤكد إلا على حقيقة أن الحرب الأهلية قائمة بالفعل وما نحتاجه هو فرق الأطفاء من الكفاءات الوطنية المخلصة للعراق والتي يبدو أنها في حالة نكوص وتراجع في ظل سيادة عمائم الشؤم والبؤس والتخلف ؟... نتأمل خيرا ولكن من يترقب صلاة الجمعة في العراق لا يرى أي خير ؟.
- آخر تحديث :
التعليقات