أول مايلفت النظر في سلوك السعوديين خارجا هو العزل العائلي، وما أن يستقروا بأرض حتى تتباين مساربهم، وتختلف طرقهم ويكادون لايتصلون ببعضهم إلا عبر الجوال، ولايلتقون إلا في الطائرة أو قبيل النوم إن تقاربت مواعيد العودة.
السعوديون في هذا يتميزون عن بقية الخلق، وهذا المسلك ملمح quot;خصوصيةquot; لاجدال حوله؛ إذا جاء المساء تفرق شمل الأسرة فينصرف الأطفال برفقة الخادمات ليذهبوا أينما شاءوا، وتذهب جموع النساء إلى التسوق والمسرحيات والسينما، ويباشر الرجال برامجهم الخاصة للسهر مع زملائهم.
الطريف أنهم إذا اضطرتهم ظروف قسرية للسير في طريق واحد فإنهم يسيرون على نمط القافلة: الرجل في المقدمة، يليه بمسافة الزوجة بينما تصطخب المؤخرة بعبث الأطفال وهم يحاولون التفلت من سلطة الخادمات ورقابتهن. المغزى من هذا التكنيك الفريد هو ضمان عدم رؤية الزوجة مباشرة إن صدف الالتقاء بأحد الأصدقاء في الطريق، وإذا تحققت مثل هذه المصادفة فإن الاستجابة اللإرادية من الزوجة هو الدخول إلى أقرب محل تجاري. لذلك ليس من المستغرب أن يدخل الزوج وصحبه إلى مطعم أو مقهى فتكون زوجته وصويحباتها يقتعدن إحدى طاولاته فيتخذون مكانا قصيا دون سلام أو كلام!
وفق ذلك فإن السعودي يندر أن يمسك يد زوجته، أو يضاحكها، أو حتى يشاورها في اختيار سلعة ما لأن مثل هذه السلوكيات غريبة على نسقه، ومخالفة لعاداته.
المشكلة ليست حديثة بل هي مظهر تربوي ترعرع عليه السعوديون منذ عقود بحكم الملاحقة والتأديب والتحذير والتذكير بمضار الاختلاط بما فيه الأسري ذاته، والمحصلة التي أثمرت عزلا اجتماعيا صارما يفصل، في كل مرة، بين العائلة الواحدة، ويفرق بين أفرادها فلا تجتمع إلا في السيارة حال العودة إلى البيت كأنما الهدف إقناع الناس أو إلزامهم البقاء في منازلهم.
أكثر من عقدين من ملاحقة لاتكل ولاتمل مصحوبة بالخوف والقلق أثمرت سلوكا عفويا لدى السعوديين، وإن نسي بعضهم فحاولوا في لحظات مجنونة التهامس مع زوجاتهم أو التضاحك معهن تذكروا التاريخ فأحجموا بردة فعل طبيعية.
هذا التأثير يندر مثله في التجربة الإنسانية، ولعل المنطقي، إنصافا، للفرد السعودي أن يقال أنهم ضحايا لكنهم حتما ليسوا أجلاف أو أنهم ينفرون من زوجاتهم.
بكل تأكيد هم أناس يقبلون على الحياة كما يفعل غيرهم من البشر ولكن ماذا يفعلون وبعض التربية تستحيل، إن صاحبها عنف وترويع، إلى سلوك تلقائي.
أيها السعوديون لماذا تسافرون أصلا مادمتم غير قادرين على التحرر من quot;فوبياquot;كم؟
[email protected]