(لمن لا يعرف من القراء العرب :quot;الكشرىquot; أكلة شعبية محببة لجميع طبقات الشعب المصرى، وبرغم عدم وجود إحصاء رسمى إلا أننى أعتقد أن الكشرى يحتل المرتبة الثالثة فى الأكلات الشعبية المصرية بعد الفول المدمس والطعمية، وأعتقد أن فرصة الكشرى لإحتلال مرتبة متقدمة عن ذلك هى إحتمالات ضعيفة وقد لا تحدث فى هذا القرنquot;!!
...........
كان يوجد فى القاهرة محل كشرى فى ميدان العتبة هو محل quot;سحسquot;، وسحس هو أسم الدلع ل quot;حسينquot;، ورفع هذا المحل شعارا جديدا وضعه على لافتة كبيرة فى مدخل المحل عند الإفتتاح، وكان هذا الشعار يقول:quot; من أجل رفع مستوى الكشرىquot;.
وكان هذا الشعار محل تندر من المصريين والذين يسخرون من كل شئ كعادتهم، وقد جاء شعار quot;من أجل رفع مستوى الكشرىquot; فى عز الشعارات الرنانة والتى تميزت بها الحقبة الناصرية وعلى سبيل المثال لا الحصر : quot;الحرية كل الحرية لتحالف قوى الشعب العامل ولا حرية لأعداء الشعبquot;، quot;أمة عربية واحدة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائرquot;، quot;سوف نهزم الإمبريالية العالمية وربيبتها إسرائيلquot;، quot;سوف نقوم بتصنيع كل شئ إبتداء من الإبرة إلى الصاروخquot;، وغيرها من الشعارات الكبيرة، والتى بقت لافتات كبيرة (مع إيقاف التنفيذ) .
وقد تذكرت فى الأسابيع الأخيرة محل quot;سحسquot; وشعاره الجميل quot;من أجل رفع مستوى الكشرىquot;، وتذكرت الكشرى الجميل الذى كان يقدمه وخاصة بعد إضافة بعض الشطة والقليل من التقلية !! وكنا نلتهم هذا الطبق فى أقل من ثلاث دقائق ونطلب المزيد، وكان جرسونات المحل يطلقون على الطلب الإضافى لقب quot;كمالةquot; وكنت تحصل على quot;كمالةquot; بأقل من %50 من ثمن الطبق الأصلى، وكنا لا نقوم إلا بعد أن نعجز عن التنفس من كثر الأكل مع الكمالة، وفى كثير من الأحيان كنا نختم بطبق مهلبية لتخفيف البلاوى التى سببتها الشطة المتوالية لمعدتنا.
وقد كان quot;سحسquot; صادقا مع نفسه فى تطبيق شعاره quot;من أجل رفع مستوى الكشرىquot;، فقد كان الكشرى نفسه أعلى مستوى من الكشرى التى تعودنا على أكله من قبل، وكان العاملون بالمحل يرتدون زى موحد جميل، كانت الأطباق نظيفة لامعة، وكذلك أرضية المحل، وكنت تدخل المحل فتجد ثلاثية عناصر الكشرى فى أوانى نحاسية لا معة مرصوصة فى شكل هرمى وكأنها أهرامات الجيزة الثلاث (الأرز والمكرونة والعدس الأسود)، وبالفعل أحسسنا نحن شعب quot;سحسquot; ومريدوه بأن سحس كان أول زعيم ينجح فى تطبيق شعاره، وكنا نضرب مشوارا طويلا من مصر القديمة حتى ميدان العتبة وربما نتشعبط فى الأتوبيسات والتراموايات، لكى نستمتع بأكلة كشرى بالشطة من عند سحس، وأيضا نستمتع أنه لأول مرة رفع شخص شعارا بسيطا وتمكن حقا من تحقيقه، بينما بقيت بقية الشعارات الكبيرة مجرد شعارات إما لأن من أطلقوها عاجزون عن تنفيذها أم لأنها شعارات عبثية مستحيلة التنفيذ .
والسبب فى أن شعار سحس عاد إلى مخيلتى، أنه ربما نفسى فى أكلة كشرى والذى لم آكله من فترة طويلة !! وثانيا أننى أشعر أن التاريخ يعيد نفسه الآن وتمتلأ المنطقة العربية بشعارات كبيرة ولكن هذه المرة بدلا من الشعارات القومجية، تمتلأ المنطقة بشعارات دينية متطرفة بعد أن تسلم التطرف الدينى السياسى قيادة الشارع والغوغاء من القوميين العرب، ونسمع شعارت كبيرة هذه الأيام مثل quot;فلسطين من النهر إلى البحرquot;، quot;سوف نقضى على الكفار و الروافض (المقصود بهم الشيعة)quot;، quot;طز فى مصر ... الإسلام هو الجنسيةquot;، quot;سوف نقضى على الصليبين الجددquot;، quot;سوف نستعيد مجد الأندلسquot; .
وعندما أقرأ وأسمع كل هذه الشعارات أقول quot;الله يمسيك بالخير يا سحس، لقد كنت ملك الواقعيةquot; وفعلت ما قلت، ورفعت مستوى الكشرى، وصدقت وصدقك الناس ونجحت.
.....
وكان لنجاح شعار سحس quot; من أجل رفع مستوى الكشرىquot; فى التطبيق الحافز لكى أطالب كل المواطنين بعدم تصديق الشعارات الكبيرة، دعونا نبدأ بشعارات صغيرة قابلة للتطبيق فسوف يشعرنا هذا بالصدق مع النفس ويجعلنا نتعامل مع مشاكلنا بواقعية وأن النجاح فى تطبيق الشعارات البسيطة والصغيرة سوف يدفعنا إلى تحقيق المزيد، ومين عارف يمكن ييجى يوم ونستطيع تحقيق الشعارات الكبيرة.
أطالب الأسطى quot;سحسquot; الميكانيكى quot;برفع مستوى إصلاح السياراتquot;
وأطالب الأسطى quot;سحسquot; النجار quot;برفع مستوى الأثاث والمفروشاتquot;
وأطالب المهندس quot;سحسquot; quot;برفع مستوى تصميم العمارات حتى لا تنهار على رؤوس ساكنيهاquot;
وأطالب الدكتور quot;سحسquot; quot;برفع مستوى المستشفياتquot;
وأطالب quot;سحسquot; أفندى quot; برفع مستوى الخدمة فى المكاتب الحكوميةquot;
فلو كان لدينا مليون quot;سحسquot; لإنصلحت أحوالنا كثيرا.
...
تعالوا هنا نبدأ فى وضع بعض الشعارات الصغيرة القابلة للتطبيق، وأقترح على الأخوة القراء(كل فى موقعه) إقتراح أى شعار بسيط يشعرون أنه قابل للتطبيق:
quot;من أجل فصل مدرسى نظيفquot;
quot;من أجل وجبة مغذية لكل طفل محرومquot;
quot;من أجل شارع نظيف مرة كل أسبوعquot;
quot;من أجل حديقة عامة جميلة فى كل حىquot;
quot;من أجل شارع واحد هادئ مرة كل شهرquot;
quot;من أجل تصنيع بسكليتة بأيدى محليةquot;
quot;من أجل صحيفة واحدة تقول الحقيقةquot;
quot; من أجل قناة تليفزيونية تفرق بين الرأى والخبرquot;
quot;من أجل جامعة واحدة تهتم بالأبحاث أكثر من إهتمامها بالشهاداتquot;
quot;من أجل بناء مركز رياضى فى كل قرية ولو على مدى مائة عامquot;
.....
والقائمة طويلة قد تحتاج إلى كتا ب كامل، ولكنى أختم بشعار واقعى آخر:quot;رحلة الألف ميل تبدأ بخطوةquot;.
والشعار الأخير الذى لابد أن أختم به مع الإعتذار لسحس:
quot;من أجل رفع مستوى المكرونة بالفرنquot;!!
التعليقات