-1-
قلنا أكثر من مرة، أن الكاتب الليبرالي ليس من أصحاب الأرصدة الجماهيرية الكبيرة في مثل هذا الشارع العربي الذي تجمعه طبلة وتفرّقه عصا، كما قال عنه منذ 14 قرناً الداهية السياسي عمرو بن العاص. بل يكاد يكون الكاتب الليبرالي هو أقل الكتاب في الصحافة العربية امتلاكاً لرصيد متواضع جداً من القراء في الصحافة العربية. والسبب الرئيس في ذلك، أن الكاتب العربي لا يُطرب الجمهور المعتاد على الطرب السياسي المنبعث من التخت الشرقي السياسي التقليدي، بمشاركة quot;الصهبجيةquot; من الزعماء السياسيين، والكتاب السياسيين الشعبويين.
-2-
في تعليقات بعض القراء على مقالاتي ومقالات الكتاب الليبراليين الآخرين، يتنطّح بعض القراء لتقديم نصيحة quot;أخويةquot; لنا بأن نكف عن مهاجمة حزب الله حفاظاً على رصيدنا الجماهيري، ولكي لا ينقص رصيدنا لدى القراء، ويصبح صفراً أحمر.
وللعلم، فنحن لا نهاجم حزب الله بقدر ما نكشف حقيقته. وكشف الحقيقة في الجمهور الذي خرج بعد هزيمة 1967 يقول لعبد الناصر : أحَّ .. أحَّ .. لا تتنحَّ ، هو شيء مؤلم وقاسٍ، ولا يحتمل. كما أن نقد حزب الله وكشف تاريخ ما نسيه الرأس العربي لجمهور يقول لحسن نصر الله: نحن فداء صرمايتك، وهو نصر الله الذي نكب لبنان بما يزيد على 15 مليار دولار حسب تقرير البرنامج الاتنمائي للأمم المتحدة، وأضاع الأرض التي كسبها في عام 2000 ، وأعاد الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، كما كان عليه الوضع قبل عام 2000 ، وهدم أكثر من 15 ألف بيت، وقتل أكثر من ألف لبناني، وأكثر من عشرة آلاف جريح لكي يحرر الأسير سمير قنطار، الذي أصبح أغلى سجين في العالم، إذ أن يحيى سكاف السجين الثاني ليس لبنانياً، وانما هو فلسطيني من مواليد جنين، واسرائيل أنكرت أنه مسجون لديها، ولم يعثر عليه الصليب الأحمر في السجون الإسرائيلية حتى الآن، وسمير نسر السجين الثالث الذي يطالب به حزب الله ليس لبنانياً وانما هو اسرائيلي الجنسية، ومن أم يهودية ومتهم بالتجسس لحساب حزب الله.. هذا الجمهور الذي يصيح بأعلى صوته بأنه فداء صرماية نصر الله ليس جمهور شاكر النابلسي، وليس جمهور أي كاتب ليبرالي، في أية صحيفة عربية.
-3-
فهل عندما نقول بأن سمير قنطار أغلى سجين في العالم، وكلّف لبنان نتيجة حماقة حزب الله، كل هذه الكوارث نكون قد كفرنا بالجمهور، وأصبح رصيدنا الجماهيري صفراً.
فليكن كذلك.
فنحن لا نريد جمهوراً استبدل رأسه بطبل فارغ.
إن صفرنا الجماهيري ككتاب ليبراليين أفضل لنا في بنوك الفكر والعقل، من ضخامة رصيد من هم فداء لصرماية حسن نصر.
فلتبقَ هذه الصرماية تصفُق رقاب وأقفية هؤلاء، إلى أن تأتي النكبة التالية.
-4-
الكاتب الليبرالي يحزنه جداً ويخجله جداً، بل ويرفض أن يقرأه جمهور من خلال ثقوب صرماية نصر الله، كما يقرأ للآخرين، من كتاب الزفّة.
في الشدائد، يضيع رصيد الكاتب الليبرالي، ويصبح ربما صفراً.. لماذا؟
لأن الكاتب الليبرالي لا يكذب أهله في الشدائد، ولا يصوّر لهم ما يريدون أن يروه، وإنما ما يجب أن يروه.
في المصائب، الكاتب الليبرالي يُغرِّد عادة خارج السرب، ليس من أجل التميز، وليس من أجل الانفراد، وليس من أجل المخالفة، ولكن من أجل اضاءة الحقيقة التي عادة ما تكون مريرة في مهرجانات الطبول والمزامير.
في الكوارث، الكاتب الليبرالي ينادي ببقاء الوطن، وذهاب quot;القائدquot; المسؤول عن الهزيمة. في حين أن الجمهور الذي ينادي بفداء نفسه من أجل صرماية القائد، يفضِّل أن يذهب الوطن، ويبقى القائد.
ألم يخسر القائد عبد الناصر الوطن في سيناء، وبقي هو القائد؟
ألم يخسر القائد حافظ الأسد الوطن في الجولان، وبقي هو القائد؟
ألم يخسر القائد حسن نصر الله جنوب لبنان الآن، وعاد الاحتلال الإسرائيلي لما كان عليه قبل عام 2000، اضافة إلى خسارة 15 مليار دولار كما قال تقرير الأمم المتحدة، و15 ألف بيت مهدم، وألف قتيل، وعشرة آلاف جريح ومليون مشرد، وظل هو القائد الذي تُفتدى صرمايته بالأرواح والدماء؟
-5-
في الصواعق، الكاتب الليبرالي يطالب بالنقد الذاتي، وحساب النفس المسؤولة عن وقوع الكارثة، مهما كانت، ومهما كبرت، ومهما علت.
فالأمم لا تنتصر إلا عندما تنتقد ذاتها نقداً عميقاً وصريحاً وشجاعاً.
انظروا ماذا يتم في اسرائيل الآن من نقد ذاتي مرير، ننتشى به، ونفرح ونهلل له، نتيجة لحرب 12 تموز/ يوليو، أو ما نطلق علية quot;حرب سمير قنطارquot; السجين الذهبي، الذي يساوي الآن أكثر من وزنه ذهباً (15 مليار دولار، اضافة إلى تكاليف أخرى)؟
إقرأوا ماذا تم في اسرائيل من نقد ذاتي قاسٍ بعد حرب يوم الغفران 1973، والتقصير الإسرائيلي الذي حصل وقتها، والذي نعتبره اعترافاً من اسرائيل بهزيمتها، وتأملوا الرؤوس الإسرائيلية الكبيرة التي طارت نتيجة لهذه الأخطاء، بينما رؤوسنا المسؤولة عن أخطائنا كبُرت، وتضخمت، وعلت، وبقيت مقدسة مرفوعة؟
-6-
القاموس السياسي العربي الحالي بحاجة إلى تقويم وتنقيح، بل إلى حرق، وطباعته طباعة جديدة.
فما هو في القاموس السياسي الغربيquot; نقدquot; هو في القاموس السياسي العربي quot;هجومquot; .
وما هو في القاموس السياسي الغربي quot;كشف للحقيقةquot; هو في القاموس العربي quot;عمالةquot;.
وما هو في القاموس السياسي الغربي quot;الرأي الآخرquot; هو في القاموس العربي quot;خروج على الاجماعquot;.
وما هو في القاموس السياسي العربي quot;مقدسquot; هو في القاموس الغربي quot; يخضع للنقاشquot;.
وما هو في القاموس السياسي العربي quot;ثابتquot; فهو في القاموس الغربي quot;متغيّرquot;.
وما هو في القاموس السياسي العربي quot;مسكوت عنهquot; هو في القاموس الغربي quot;مكشوف عنهquot;.
وما هو في القاموس السياسي العربي quot; نكبة ونكسةquot; هو في القاموس الغربي quot;هزيمة صريحةquot;.
وما هو في القاموس السياسي العربي quot; انتصار الأيديولوجياquot; هو في القاموس الغربي quot;انتصار الأوطانquot;.
وما هو في القاموس السياسي العربي quot;الجهاد عشق الموتquot; هو في القاموس الغربي quot; الجهاد عشق الحياةquot;.
وما هو في القاموس السياسي العربي quot;الدين في خدمة الحكامquot; هو في القاموس الغربي quot;الدين في خدمة الناسquot;.
-7-
لم يصل العرب حتى الآن إلى مرحلة النقد الذاتي للعقل العربي. وهذا هو السبب الرئيس وراء أن العرب ما زالوا متخلفين إلى الآن. ولم يدركوا بعد أن طريق الصواب لا يتجازها بنجاح إلا من تجاوز طريق الخطأ.
إن الرأس العربي - في مجمله - في الكوارث والمصائب والنوازل لا يعود رأس العقل. إنه يتحول إلى طبل أجوف، يقرع عليه quot;الصهبجيةquot; و quot;الصوّيتةquot; من السياسيين والإعلاميين ألحانهم الجنائزية والاحتفالية الكاذبة.
السلام عليكم.
التعليقات