يتذكّر العالم هذه الأيام مرور خمس سنوات على كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001، ذكرى الهجمات التي شنّها تنظيم quot;القاعدةquot; الأرهابي على نيويورك وواشنطن مستهدفاً المدنيين خصوصاً. كان الهجوم الذي سمّاه الأرهابي أسامة بن لادن quot;غزوةquot; واشنطن ونيويورك مبرّراً لبدء الحرب الأميركية على الأرهاب، وهي في الواقع الحرب العالمية الجديدة التي تختلف عن كلّ ما سبقها من حروب. تختلف هذه الحرب عن غيرها من زاوية واحدة على الأقلّ تتمثّل بأن هدف الحرب يتغيّر بأستمرار. من حرب على الأرهاب الذي تمثّله quot;القاعدةquot; التي كانت وجدت في أفغانستان- طالبان مأوى آمناً لها ألى حرب على العراق... ألى حديث الآن عن ضرورة ضمّ أيران ومعها سوريا ألى هذه الحرب.
مرّت خمس سنوات على العمل الأرهابي الجبان الذي أقدم عليه أسامة بن لادن وتنظيمه. وكانت السنوات الخمس كافية لأظهار كم أن السياسة الأميركية قصيرة النظر. لم يدرك الأميركيون منذ البداية أخطار التطرّف الديني الذي يمكن أن ينجم عن أستخدام quot;القاعدةquot; في الحرب الأفغانية الداخلية بغية شن حرب أستنزاف على الأتحاد السوفياتي طوال فترة الثمانيات من القرن الماضي. وكانت النتيجة أن quot;القاعدةquot;، وهي أنتاج أميركي في الأصل، أرتدت على من صنعها أو لنقل على مرتكبي هذا الأثم وهاجمت الأراضي الأميركية للمرة الأولى منذ قيام دولة أسمها الولايات المتحدة. حتى الهجوم الياباني على بيرل هاربر في السابع من ديسمبر 1941 ، لم يُعتبر هجوماً على الأرض الأميركية نظراً ألى أن هاواي تقع على بعد آلاف الكيلومترات من البر الأميركي.

في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، أنقلب السحر على الساحر. دفعت الولايات المتحدة ثمن الأستثمار في منظمات دينية متطرّفة بحجة أستخدامها في الحرب الباردة مع ما كان يعتبر القوة العظمى الأخرى في العالم. لم تتنبّه الأدارات الأميركية المتلاحقة من أدارة كارتر، ألى أدارة ريغان، ألى أدارة بوش الأب، ألى أدارة بيل كلينتون ألى خطورة هذا النوع من الأستثمارات من جهة وخطورة تفادي البحث في جذور المشكلة من جهة أخرى. وتكمن الجذور بكل بساطة في أن مجتمعات عربية صارت تنتج هذا النوع من الأرهابيين بسبب أنظمة تعليميّة متخلّفة معتمدة في هذا البلد أو ذاك لم تعرها الأدارة الأميركية أيّ أهتمام ألاّ بعد فوات الأوان. وبكلام أوضح، أن الأستثمار في التطرف الديني يمكن أن يكون مفيداً في مرحلة ما، لكنّه أستثمار لايمكن ألاّ أن يعود بالضرر على الذين قاموا به عاجلاً أم آجلاً.

بعد خمس سنوات على هجمات 11 سبتمبر 2001 ، حصل تطور في غاية الأهمّية، أذ بدأ الرئيس بوش الأبن يتحدّث عن خطري quot;القاعدةquot; والنظام الأيراني في الوقت ذاته. ولكن يبدو واضحاً أن أدارته لم تستوعب بعد النتائج التي ترتّبت على ضرباتها العشوائية بعد الهجمات التي أستهدفت نيويورك وواشنطن. أسقط الأميركيون النظام المتخلّف لquot;طالبانquot; في أفغانستان نظراً ألى أنه وفّر مأوى لبن لادن وتنظيمه، ولكن ما دخل العراق بتنظيم quot;القاعدةquot; ولماذا شنّ حرب على هذا البلد في سياق الحرب على الأرهاب؟ الأكيد أنّه كان ضرورياً أن يرحل نظام صدّام حسين العائلي- البعثي لأسباب مختلفة، خصوصاً بعد جريمة أحتلال الكويت وبعد كلّ ما فعله بالعراق والعراقيين الذين تنقّل بهم من حرب ألى أخرى. ولكن ما ليس مفهوماً ألى الآن كيف يمكن للقوة العظمى الوحيدة في العالم أن تخوض حرباً كتلك التي خاضتها في العراق من دون أن تكون لديها فكرة عن النتائج التي ستترتّب على مثل هذا العمل؟

عندما يتحدث الرئيس الأميركي هذه الأيام عن الخطر الأيراني ويضعه في الستوى ذاته للخطر الذي تمثّله quot;القاعدةquot;، ربّما عليه أن يسأل نفسه أوّلاً: من مكّن النظام في طهران من أمتلاك كلّ هذا النفوذ الأقليمي غير السياسة الأميركية والسياسة الأسرائيلية ألى حدّ ما؟ أوليست أيران المنتصر الأوّل من الحرب الأفغانية بعدما أزاح الأميركيون نظاماً معادياً لها على حدودها؟ أليست أيران المنتصر الوحيد من الحرب الأميركية على العراق وسقوط نظام صدّام حسين عدوّها التاريخي؟ أوليس الأحتلال الأميركي للعراق، الذي شجّعت عليه أسرائيل، هو الذي مكّن ألنظام الأيراني من نشر نفوذه في كلّ أنحاء العراق، خصوصاً في الجنوب الذي أصبح أقرب ألى محافظة أيرانية أكثر من أيّ شيء آخر؟ أوليس الأحتلال الأميركي الذي قضى على الوجه الحضاري لبغداد، أو على الأصحّ، ما بقي من هذا الوجه الذي كانت تعكسه حياة أجتماعية ذات طابع مدني متطوّر تأسست في العشرينات مع نشوء الدولة العراقية الحديثة. كانت الدولة العراقية وقتذاك في عهدة الهاشميين الذين لم ير العراق يوماً أبيض منذ تلك الجريمة البربرية التي أرتكبت في حقّهم في ذلك اليوم الأسود من صيف العام 1958 من القرن الماضي؟ أليست أيران ومعها النظام السوري المنتصر الأوّل من الحرب التي شنّتها أسرائيل على الراحل ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني تحت مظلّة الحرب الأميركية على الأرهاب، ما أدّى ألى صعود quot;حماسquot; التي يُدار الآن قسم منها من دمشق وطهران؟
أضافة ألى ذلك كلّه، يمكن أيضا الحديث طويلاً عن تعاظم الدورالأيراني في لبنان عبر الأراضي السورية جراء السياستين الأميركية والأسرائيلية، خصوصاً في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 وحتى قبل ذلك، لكنّ كلّ ما يمكن قوله هذه الأيّام أن ألأرهاب لا يحارب بتوزيع الأتهامات يميناً ويساراً. الأرهاب يحارب عن طريق أتباع سياسة أميركية مختلفة تقوم على الأبتعاد عن التصرّفات العشوائية على غرار ما حصل في العراق أو في فلسطين حيث تُركت الساحة لأرييل شارون يمارس أرهابه على شعب بكامله من أجل تكريس الأحتلال بحجّة أنّه يحارب الأرهاب.

نعم هناك مشكلة أسمها الأرهاب في العالم. لكنّ هذه المشكلة لا تعالج عن طريق عمل كلّ شيء من أجل أن يكون النظام الأيراني المستفيد الأوّل من السياسة الأميركية، ثم أكتشاف أن لا بدّ من مواجة هذا النظام وأنّه لا يقلّ خطورة عن quot;القاعدةquot;. ليس مطلوباً بالطبع الدخول في مواجهة مع أيران بمقدار ما أن المطلوب التساؤل من دفع الولايات المتحدة ألى أحتلال العراق وما هو الهدف الحقيقي للعملية؟ هل تصب في خدمة محاربة الأرهاب أم في خدمة شرذمة المنطقة؟ ربّما كان السؤال الأخير الذي يتوجّب على الأدارة الأميركية الأجابة عنه في مناسبة الذكرى السنوية الخامسة لكارثة الحادي عشر من سبتمبر كيف يخدم أثارة الغرائز والنعرات الطائفية الحرب على الأرهاب؟ هناك أسئلة كثيرة تحتاج ألى أجوبة، لكنّ الأكيد أن العالم ليس أكثر أماناً اليوم مقارنة مع ما كان عليه قبل خمس سنوات. أكثر من ذلك أن مشاكله تبدو أكثر تعقيداً وخطورة بعدما فشلت القوّة العظمى الوحيدة في العالم في تقدير النتائج التي ستترتب عن quot;الغزوةquot; الأميركيّة للعراق وأنعكاساتها السلبية على الأقليم كلّه.