بعد نشر مقالي الموسوم (في الذكرى الخامسة لهجمات 11 سبتمبر )اعترض عدد من القراء الكرام على قولي بأن العالم صار أكثر أمنا الآن مما كان عليه قبل 11 سبتمبر 2001، فهم يعتقدون أن العالم الآن أقل أمناً وأكثر خطراً للإرهاب مما كان عليه قبل ذلك التاريخ بسبب الحرب على الإرهاب. ويشاركهم في هذا الرأي يعض الأخوة الكتاب بمن فيهم ليبراليون معروفون وأخص منهم بالذكر الصديق العزيز مجدي خليل في مقاله القيم(11 سؤالا عن 11 سبتمبر ) الذي يقول فيه: laquo; ... العالم بات أقل أمنا وأكثر خطرا والسبب ليس تقصير هذه الأجهزة والوكالات وشبكات البنوك التي تقوم بجهد خرافي للسيطرة على سرطان الإرهاب وتمويله، ولكن السبب يعود إلى أن المواجهة أصبحت مفتوحة عبر الزمان والمكان.... raquo;.

لذلك أرى من المفيد التوسع في الموضوع لتوضيح هذه المسألة بشيء من التفصيل. بدءً أود التأكيد على إن ما قصدته بقولي أن العالم أكثر أمنا الآن مما كان عليه قبل 11 سبتمبر، كان جواباً على استفتاء أجرته الصحيفة الإلكترونية (آفاق) الغراء، حول تأثير الحرب التي تقودها أمريكا على الإرهاب، بسؤال هل هذه الحرب جعلت العالم الآن أكثر أمناً أو أكثر خطراً؟ ولنفهم السؤال بوضوح أكثر، يلزم بنا أن نضعه بصيغة أخرى: هل العالم الآن أكثر أو أقل أمناً فيما لو لم تشن أمريكا الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر؟ وفي هذه الحالة، فأنا ما زلت عند رأيي الأول، أعتقد جازماً لو لم تشن أمريكا الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، لكان العالم الآن يعيش على كف عفريت، مختطفاً من قبل الإرهابيين الإسلامويين من جماعة القاعدة خاصة، وربما لظهرت منظمات إرهابية أخرى تنافسها في تهديد السلام العالمي. ولكن الحرب العالمية الثالثة التي تقودها أمريكا على الإرهاب هي التي كبحت جماح الإرهابيين وحددت من نشاطاتهم وجعلت العالم أكثر أمنا.

وبهذا الصدد، يقول الباحث د. فرنون جونغ Dr. Vernon Chong في بحثه القيم بعنوان (Muslims, terrorist and the USA) أن كثيرين من الناس يعتقدون أن الإرهاب بدأ بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، بينما الصحيح هو أن الإرهاب بدأ عام 1979، أي 22 عاماً قبل سبتمبر 2001. فقد بدأت الهجمات الإرهابية ضد أمريكا وحسب التسلسل الزمني كما يلي:
- احتجاز موظفي السفارة الأمريكية في طهران عام 1979،
- هجوم على السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983،
- هجوم انتحاري على قوات البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983،
- تفجير طائرة Pan-Am الأمريكية في الجو في رحلتها من لندن إلى نيويورك عام 1988،
- تفجير المركز التجاري الدولي في نيويورك 1993،
- هجوم على مجمع عسكري أمريكي في خبر/السعودية عام 1996،
- تفجير سفارتي أمريكا في نايروبي ودار السلام عام 1998،
- هجوم على البارجة الأمريكية كول في ميناء عدن عام 2000،
- هجمات انتحارية على مركز التجارة الدولي في نيويورك والبنتاغون عام 2001.

كما ويؤكد د. جونغ ان الهجمات الإرهابية التي حصلت في مختلف أنحاء العالم من عام 1981 إلى 2001 بلغت 7581. ويضيف: quot;أن هذه الهجمات حصلت خلال مختلف الإدارات الأمريكية، من الجمهوريين والديمقراطيين،: كارتر، ريغن، بوش الأول، كلنتون وبوش الثاني. فالمسألة لا علاقة لها بالحزب الحاكم ولا بالرئيس، بل بأمريكا ذاتها هي المستهدفة.quot;

كما ويجدر التذكير بأن أمريكا لم تتخذ إجراءات عسكرية فعالة ضد الإرهابيين قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، الأمر الذي شجع الإرهابيين على التمادي في غيهم والقيام بالمزيد من أعمال الإرهاب ضدها. وهذا يعني أنه لو لم تشن أمريكا الحرب على الإرهاب لتصاعدت الأعمال الإرهابية في العالم على نطاق واسع يفوق التصور.

أما ما يجري في العراق وأفغانستان من تصاعد الأعمال الإرهابية يدفع شعباهما الثمن الباهظ، فالأمر يختلف تماماً، لأن هذين البلدين أصبحا ساحة للمواجهة مع الإرهاب المحلي والعالمي كجز من الثمن مقابل التخلص من النظامين الإرهابيين. وهذا لم يكن مخططاً مسبقاً من أمريكا أن تحيل العراق وأفغانستان إلى ساحة تجذب لها الإرهابيين من مختلف أنحاء العالم في مكان واحد ليسهل على القوات الدولية ضربها، كما يعتقد البعض. وإنما صار البلدان، وخاصة العراق ساحة للمواجهة مع الإرهاب كتحصيل حاصل لإسقاط النظامين الفاشيين فيهما. فإثناء أية عملية كبرى، كالحرب على الإرهاب، تظهر أمور جديدة لم تكن في الحسبان، ولكن في نفس الوقت هناك حلول ناجعة لما يستجد من مشاكل على أرض المعركة للتعامل معها. فنظام صدام حسين قتل نحو 300 ألف عراقي خلال ثلاثة أسابيع في انتفاضة آذار 1991. ومجموع القتلى من العراقيين خلال حكمه الجائر بلغ نحو مليونين وتعويق الملايين، وتشريد خمسة ملايين، وتم اكتشاف نحو 300 مقبرة جماعية لحد الآن. إن لم تكن هذه المجازر إرهاباً فما هو الإرهاب إذنْ؟ هذا الكلام نسوقه إلى الذين يترحمون على عهد صدام بسبب ما يرتكبه أيتامه من فلول البعث من جرائم القتل والتدمير بحق الشعب العراقي. فبدلاً من إلقاء اللوم على القتلة يلقون اللوم على الضحيايا.

تسأل القارئة (ندى شبانه) بعد أن تؤكد على أن العالم أكثر خطورة الآن وتستشهد بأمثلة عديدة على أحداث إرهابية في مختلف أنحاء العالم فتقول: quot; فالأردن شهد عمليات إرهابية لأول مرة منذ أن أعلنت أمريكا شن الحرب على الارهاب وكذلك مصر شهدت تصاعدا في موجة الارهاب واسبانيا التي لم تكن تذكر في مثل هذه الأمور تعرضت هي الأخرى لهجوم إرهابي وكذلك بريطانيا. فإذا كان هذا الحال هو اكثر أمانا فماذا يريد ان يرى الكاتب ليقتنع بان العكس هو الصحيح؟ هل المهم ان بوش يشعر بالأمان حتى لو قتل االابرياء بالآلاف في كل مكان في العالم؟quot;
لا شك أنه اعتراض وجيه فيما لو نظرنا إلى الأمور في هذه الدول نظرة سطحية وقارناها بما كانت عليه الحال قبل 11 سبتمبر 2001. ولكن لو قارنا ما كان سيحصل في هذه الدول من إرهاب وفق ما كان مخططاً من قبل منظمة القاعدة فيما لو تركت دون رادع، لعرفنا أن العمليات الإرهابية التي تعرضت لها هذه الدول هي أقل بكثير مما كان سيحصل لها لو لا الحرب التي كسرت شوكة الإرهاب، وكذلك تصعيد يقظة ومراقبة الأجهزة الأمنية في هذه الدول في ملاحقة الإرهابيين.

وللتوضيح أكثر، تؤكد لنا معظم الدراسات التي تؤيدها تصريحات قادة القاعدة أنفسهم، أن الهدف النهائي للإرهابيين الإسلاميين هو إسقاط الحكومات العربية وإقامة أنظمة إسلامية على غرار إمارة أفغانستان في عهد طالبان وصولاً إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وذلك عملاً بالأيديولوجية الإسلاموية (الدينية-السياسية). وبهذا الخصوص يوضح لنا الباحث Jonathan Spyer في دراسته (THE DOMINANT POLITICAL ORDER OF THE MIDDLE EAST) أن هناك على الأقل ست من الحكومات العربية كانت مرشحة للسقوط على يد القاعدة وهي: اليمن والسعودية والأردن ومصر والجزائر وسوريا والمغرب، لأن نسبة واسعة من شعوب هذه الدول تتعاطف مع أيديولوجية القاعدة. ولم يخف قادة القاعدة هذا الهدف وهو إقامة دولة الخلافة الإسلامية كما بينا، وأنهم يتحرقون شوقاً للشهادة في سبيل تحقيقه. وهذا الهدف لن يتوقف عند إسقاط الحكومات العربية والإسلامية وإقامة دولة الخلافة، بل يتعداه إلى السيطرة على العالم كله. كذلك الأحزاب الإسلامية التي ترتبط بالقاعدة أيديولوجياً وربما تنظيمياً، استفادت من فشل الحكومات العربية في حل المشاكل المعيشية في البلاد العربية مما أدى إلى تصاعد المد الإسلامي (الإسلام هو الحل)، لذا فهناك تعاطف شعبي واسع لمنظمة القاعدة والتطرف الإسلامي. فمعدل التعاطف الشعبي للقاعدة في البلاد العربية نحو 60%. وعلى سبيل المثال لا الحصر، في الأردن تتراوح نسبة شعبية القاعدة من 57% إلى 80% حسب مختلف استطلاعات الرأي. وهذا يعني أن الأردن كان مرشحاً للسقوط بأيدي القاعدة من جماعة الزرقاوي. ولولا الحرب على الإرهاب لربما سقط الأردن وكان الآن إمارة إسلامية برئاسة أبو مصعب الزرقاوي أو ابن لادن، أو على الأقل لتحول إلى دولة فاشلة. ومن هنا نستنتج أن ما حصل من تفجيرات في ثلاثة فنادق في عمان مساء 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2005، والتي أحالوا الأعراس فيها إلى مآتم، يعتبر من المقبِّلات أو تمارين إحماء للإرهابيين مقارنة بما كانت القاعدة تخطط له من جرائم في هذا البلد لإسقاط النظام الأردني وإغراقه في بحر من الدماء كما عملوا في أفغانستان، وكما حاولوا في الجزائر في التسعينات من القرن الماضي. وذات المأساة كانت ستتكرر في معظم البلدان العربية لولا هذه الحرب التي تشنها القوات الدولية بقيادة أمريكا ضد الإرهابيين. ومن هنا أيضاً نعرف حجم الخدمات الجليلة التي تقدمها القوات الدولية بقيادة أمريكا للشعوب العربية والإسلامية في حربها على الإرهاب، لأن الدول العربية تفتقر إلى الإمكانيات لمواجهة قوى الإرهاب.

لذلك فالتفسير الصحيح لهذه الأعمال الإرهابية هو أن منظمة القاعدة بعد أن شددت قبضتها على إمارة أفغانستان في عهد طالبان، بدأت في توسع مطرد، وأخذ المد الإرهابي في تصاعد متواصل. إذ حصلت أعمال إرهابية فضيعة لا علاقة لها بالحرب الأمريكية على الإرهاب، مثل تفجير القطارات في الهند ومجزرة مدرسة بسلان في جنوبي روسيا التي راح ضحيتها أكثر من 300 من الأبرياء معظمهم أطفال، أو تفجيرات بالي ضد السياح، أو تفجيرات شرم الشيخ وعمًان والسعودية والرباط. فكل هذه الجرائم البربرية لا علاقة لها بالحرب الأمريكية على الإرهاب. وإنما تدل هذه الأعمال على أن القاعدة كانت تسعى لفرض قبضتها على كل بقعة من المعمورة وبدافع أيديولوجية التكفير التي تكفر كل من يختلف عنهم من مسلمين وغير المسلمين في الدين والمذهب، واستباحة قتلهم للدخول في الجنة. ولكن قيض الله لنا الدولة العظمى في مواجهة القاعدة لكبح جماحها وإبادتها.
ومن كل ما تقدم نستنتج أن العالم الآن فعلاً أكثر أمناً وأقل خطراً بسبب شن الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وذلك مقارنة بما كان سيحدث في العالم من إرهاب فيما لو لم تشن أمريكا الحرب على منظمات القاعدة.