إلى أين تسير الأوضاع في العراق في ظل الإغراق الشامل في الطقوس الجنائزية وإستمرار الإنهيار الأمني ومسلسل الإغتيالات المتواترة والتي كان آخرها إغتيال الزميل عبد الكريم الربيعي المدير الفني لصحيفة الصباح البغدادية في ظل عجز أجهزة الأمن العراقية عن توفير الحماية لأهل القلم والرأي في عراق حافل وزاخر بالخرافة والدم والإرهاب.. إنها تساؤلات مريرة تعبر عن حال عراقية متوجعة، وعن لسان حال غالبية الشعب العراقي التي كانت تتأمل من التغيير الذي تم الخير الكثير والتعويض السخي عن سنوات وعقود الحرمان البعثية الإشتراكية!! فإذا بالبديل الكارثي يهيمن على كل مناحي الحياة العراقية، وإذا بالبناء الموعود أو أحلام إعادة البناء مجرد أوهام وتصورات ورقية توهمتها (المعارضة العراقية) خلال سنوات النضال ومن خلال مقالات صحف المنافي لتكون الصورة الراهنة مختلفة جذريا عن عالم الخيال والأحلام الرومانسية!.

فمنذ أن سقطت أصنام البعث في ربيع 2003 والكلام الكثير الذي كان يتردد عن مشاريع البناء وتنمية البنية الأساسية وبرامج الإعمار الشامل التي ستجعل من العراق (هونغ كونغ) الشرق الأوسط وهو فعلا يمتلك كل أسباب النهضة والتقدم ومفارقة قطار التخلف التاريخي الموروث، لم يجد تطبيقاته الفعلية على أرض الواقع المر، فما تمخض عن التغيير الجذري في العراق كان مرعبا وهو فتح صنابير الجحيم!، وإستيراد أو إستحضار مختلف صور التخلف الديني والطائفي، وفسح المجال لكل نزوات الحقد والدم والتشفي والجهل في أن تظهر مرة واحدة لتطفو على سطح الصورة المجتمعية ولتؤشر على حال مرعبة ووضعية مفجعة وحالة بائسة سياسيا وأمنيا وحياتيا والأهم من كل شيء حالة الشلل التام والإستنزاف المطلق للثروة العراقية الرئيسية وهي البترول الذي يعتبر أكبر نقمة في الحياة العراقية المعاصرة! فبرغم الزيادة الكبيرة في أسعار البترول دوليا والذي إدى في المحصلة لإرتفاع مداخيل الدول المنتجة، إلا أن ذلك لم ينعكس أبدا على وضعية الشعب العراقي الذي يخرج من مصيبة ليدخل في كارثة وحيث أثبتت الأحزاب السياسية القائمة عن فشل فظيع في قيادة الدولة والمجتمع، فالأحزاب والجماعات الطائفية والعمائم الباحثة عن الفيدرالية الهادفة لإنشاء (الكانتونات المقدسة)! والعشائر الداعمة والمؤيدة للنظام البائد و للإرهاب الأسود لا تهدف في النهاية لخدمة الشعب ورفع مستواه بقدر ما تهدف لضمان أكبر قدر من السيطرة على العوائد النفطية والتحكم بحياة الناس وأرزاقهم! أما البناء النفسي والسايكولوجي والمجتمعي والحضاري للمجتمع العراقي فهو أمر يقبع في آخر إهتمامات تلكم الأطراف المتصارعة المتقاتلة، هل يستطيع أي طرف من الأطراف السعيدة الحاكمة اليوم أن يعدد عدد مشاريع البناء والتعمير التي حدثت خلال الأعوام الثلاث المنصرمة؟ هل يستطيع حكام الحاضر وصف حال مدينة بغداد بعد أن غادرها نصف سكانها وتشهد شوارعها حالة فظيعة ومرعبة من الوساخة والإهمال وتردي الخدمات؟بل وقيام الكلاب بأكل الجثث البشرية المنتشرة في شوارعها؟ لن نتحدث عن تردي بل إنعدام خدمات الماء والكهرباء والمواصلات والبنزين والأمن فهذه الأمور قد أضحت من البديهيات! كما أن التبريرات جاهزة ومتعلقة دائما بتردي الأمن؟ رغم كل الخطط الأمنية التي فشلت فشلا ذريعا ومؤسفا، بل سنتحدث عن المدن العراقية الأخرى كالبصرة مثلا والتي كانت في يوم ما ثغر العراق الباسم قبل أن تحولها حروب البعث الخاسرة لمقبرة كبرى ثم تكفلت الأحزاب الطائفية العميلة والمتخلفة بتحويلها لخرابة أو ساحة كبرى للطم والقتل والتخلف ولتجمعات فرق الموت! فبالله عليكم هل لا زال هناك من يتأمل بأن تتحول البصرة لنسخة مطورة أخرى عن مدينة (دبي) مثلا أو أي مدينة خليجية أخرى مجاورة؟ وهل ستسمح الأحزاب الدينية والطائفية بتطوير مرافق المدينة السياحية بعيدا عن طقوس الزيارات الدينية؟ وهل ستتوافد رؤوس الأموال والإستثمارية لترسم صورة سياحية كاملة للبصرة التي تحظى بكل المميزات التي تؤهلها لأن تكون قبلة سياحية مهمة للغاية ولكنها لن تكون كذلك أبدا ولن يتحقق حلم التنمية السياحية أو الإقتصادية في ظل المعطيات القائمة التي تقود للكارثة المؤكدة! ولعل مشكلة المشاكل ليس في العراق فقط بل في عموم العالم العربي هي قضية المرافق الصحية!! التي لا تجد الإهتمام اللازم! فهل يتصور أحد طبيعة تلك المرافق خلال مواسم الزيارات وهي مواسم كثيرة ودائمة وتدر الدخل الكبير!!، هل سمعتم بسرقة العصر التي حدثت في مدينة العمارة العراقية لمعسكر (أبو ناجي) البريطاني الذي يحتوي معدات لإعادة بناء العراق فلما إنسحب البريطانيون قامت العصابات الطائفية المتخلفة العميلة لإيران بسرقتها في وضح النهار؟ ترى ماذا سيحصل لو إنسحبت قوات التحالف فجأة؟ ؟ لقد وصل العراق لحالة يرثى لها من الفوضى المعمارية والشلل التام والعجز شبه المطلق في ظل دولة ونظام أمراء الطوائف والملل والنحل المتلاطمة والمتصارعة، وحالة الخراب العراقية الراهنة والمقيمة تعبر عن حال التنمية الموعودة والمؤودة!! ففي جميع الأحوال ليس هنالك من أمل للأسف!!.. تلك هي الحقيقة المؤسفة في عراق يرتع فيه لصوص الإرهاب والطائفية وعمائم الدجل!.

[email protected]