خطاب ابن لادن الأخير كان بمثابة رثاء لـ quot;القاعدةquot; التي يبدو أنها مُنيت بهزيمة منكرة في العراق، بفضل تضامن الشعب العراقي وعشائره النبيلة التي وقفت صفاً واحداً في وجه الارهاب، وإن كان هذا الخطاب يتخفّى وراء حادثة تاريخية مهمة كـ quot;عام الجماعةquot;، ووراء كلمات من القاموس الجهادي العربي الأصفر المهتريء. فلماذا هذا الخطاب رثاءً لحال quot;القاعدةquot; وبكاءً على أمجادها الإرهابية السابقة؟
قد كان ابن لادن يستنجد في خطابه الأخير بكل قوى الإرهاب في الأرض، ويناشد أجناد الشام، أمداد اليمن، فرسان الكنانة، وأُسد الحجاز واليمامة، لكي يهبّوا لنصرة إخوانهم وإغاثتهم في بلاد الرافدين، كما قال في خطابه، والذين يبدوا أنهم في النزع الأخير، إلى درجة أن ابن لادن استنجد بكل هؤلاء الإرهابيين لنصرة إرهابي القاعدة في العراق التي يصر على تسميتها quot;بلاد الرافدينquot; وهي تسمية إغريقية قديمة. فاسم العراق الرسمي والتاريخي منذ قرون طويلة قبل الإسلام وبعد الإسلام هو quot;العراقquot; المجيد.
نُذُرُ الهزيمة
لقد كان خطاب ابن لادن الأخير، يحمل بين طياته بكلام غير مباشر نُذُر هزيمة quot;القاعدةquot; ومن معها من المليشيات الدينية الأخرى المسلحة، التي نشرت الفوضى المدمرة في العراق وفي غير العراق. وهذه النُذُر، لم نكتشفها وحدنا، وإنما اكتشفها أصدق أصدقاء ابن لادن.
فقد تحدثت عنها قناة quot;الجزيرةquot; الماكينة الإعلامية الجبارة لـ quot;القاعدةquot;، ولكل ميليشيات الإرهاب الديني المسلح، مما دفع كثيراً من المواقع quot;الجهاديةquot; على الانترنت لمهاجمة quot;الجزيرةquot; لأول مرة منذ تأسيسها عام 1996. فقالت هذه المواقع عن quot;الجزيرةquot; وتفسيرها لخطاب ابن لادن بأنه quot;جزء من الحملة الصليبيةquot; التي تواجه quot;القاعدةquot;. وأن قناة quot;الجزيرةquot; بتركيزها على الانقسامات والانشقاقات داخل صفوف الإرهابيين، أصبحت quot;متعاونة مع الصليبيينquot;، كما نقلت لنا quot;إيلافquot;. وقال quot;مركز الفجر للإعلامquot; المتعاطف مع quot;القاعدةquot;: quot;بدلاً من أن تلتزم قناة الجزيرة بميثاق الشرف الصحافي والحيادية التي تدعيها بأنها قناة الرأي والرأي الآخر، أبى القائمون عليها إلا أن يكونوا مطية الصليب وأهله، ورداءً لأهل النفاق، وخبالة أهل العراقquot;. ووصف موقع آخر على الانترنت قناة quot;الجزيرةquot; بأنها quot;ذبابة بائسة في النفاياتquot;. وجاءت كل هذه الاتهامات والشتائم، بعد كل ما فعلته قناة quot;الجزيرةquot; خلال ست سنوات الماضية، ونالت عليه سخط الساخطين، وتهديد الإرهابيين، نتيجة لرفعها أعلام quot;القاعدةquot; عالياً، والتي كانت دائماً أعلى من أعلام قطر ذاتها. ووصل غضب الإرهابيين من quot;الجزيرةquot; حداً، هددت معه مواقع إرهابية أخرى قناة quot;الجزيرةquot;، وبأن quot;يومها قادمquot;، و quot;لن تكون بأمانquot;.
وهذه أول مرة تُهاجم قناة quot;الجزيرةquot; من قبل مواقع الإرهاب على الانترنت، بهذا الأسلوب الشديد والقاسي، مما يعني بدء شرخ جرة العسل شرخاً عميقاً بين الإرهابيين وquot;القاعدةquot; خاصة، وبين ناة quot;الجزيرةquot;. والخاسر في هذه الحالة كلا الطرفين: quot;الجزيرةquot; و quot;القاعدةquot;. لأن أمجاد quot;الجزيرةquot; وانتشارها بُني على تبنّيها لإعلام quot;القاعدةquot;. وإعلام القاعدة انتشر وازدهر، ولقي هذا الصدى الكبير في العالم العربي بواسطة ماكينة إعلامية قوية كـ quot;الجزيرةquot;.
الإرهابيون يفقدون أقلام خشب الورد أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
ولم يقتصر التبشير بهزيمة quot;القاعدةquot; والشفاء من الإرهاب الوباء على قناة quot;الجزيرةquot; فقط، بل تعداه إلى الكتّاب الدينيين المساندين لـ quot;القاعدةquot; ولباقي المليشيات الدينية الإرهابية. فيكتب ياسر الزعاترة في جريدة quot;الدستورquot; قائلاً، ولكن بقفازات من حرير، وبقلم من خشب الورد:
quot; أن الخطاب هو تعبير عن الأزمة التي تعيشها القاعدة، وتتركز أساساً بفقدان الحاضنة الشعبية لها في العراق، وانفضاض الكثير من الجماهير عنها، بعد أن حاولت فرض رؤيتها على بقية جماعات المقاومة، لا سيما من خلال تشكيلها ما يُسمّى بـ quot;دولة العراق الإسلاميةquot;، ومطالبة الجميع بمبايعة قادتهاquot;.
أما المحلل السياسي العراقي السابق في قناة quot;الجزيرةquot; ظافر العاني، النائب الحالي في البرلمان العراقي، وعضو جبهة التوافق السُنيّة، والذي سبق له أن اعتُقل لارتباطه بالعصابات الإرهابية التكفيرية، وعثرت القوات الأمنية التي داهمته على أربع سيارات مفخخة، وأسلحة، ومطلوبيين للعدالة،وإرهابيين عرب، فقد قال عن خطاب ابن لادن الأخير:
quot;إنه اعتراف بأن التنظيم مارس أعمالا إرهابية في الآونة الأخيرةquot;. معتبراً أن الفصائل العراقية نظرت إلى ذلك على أنه خطر لا يقل عن الاحتلال نفسه، وقامت بالتالي بالتصدي له.
ووصل الحد بالعاني حداً اتهم فيه quot;القاعدةquot; بالتعاون مع إيران لتدمير العراق وتحدث عما أسماه quot;أدلة على وجود علاقات وثيقة بين بعض مجموعات القاعدة وإيرانquot;.
وكل مثل هذا الكلام لم نكن نقرأه من قبل، طيلة ست سنوات مضت من عمر quot;القاعدةquot; الإرهابي. بل العكس من ذلك، فقد كنا نقرأ التبجيل الديني والحفاوة السياسية لكل ما تقوم به quot;القاعدةquot; والمليشيات الإرهابية الأخرى، إلى الحد الذي جعل كثيراً من وسائل الإعلام العربي المسموع والمرئي والمقروء، تطلق على إرهابي مُضلّع كابن لادن، ألقاب: أسد الجزيرة، وأسد الرافدين، والشيخ، والمنقذ، وفارس تحت راية الإسلام.. الخ.
لقد سبق وقلنا وكررنا بأن الإرهاب في العراق لن يقضي عليه إلا الشعب العراقي. وقد تحقق اليوم جزء من رؤيتنا.
فهل يتم الشفاء قريباً من الإرهاب الوباء نهائياً؟
السلام عليكم.
التعليقات