المتتبع للأحداث في المنطقة الشرق أوسطية من هذا العالم المعولم لا يخفى عليه حالة الحرب بالوكالة التي تخاض على ساحة مسرحٍ أسمه العالم العربي بين السعودية وإيران، بشكل تتصاعد حدته حيناً، وتخف نغمته أحياناً أخرى، على حسب استراتيجيات مُحركي الدمى في المنطقة، ونغمات المصالح غير المشتركة بين الطرفين. إنها أشبه بمباراة في كرة القدم بين الرياض وطهران تتم على أرضية ثلاثة ملاعب، ولا تلتزم بوقت محدد، ولا يوجد لها حكام معروفون، ولا توجد سوى آليات متوقعة لاحتساب الأهداف، دون أن يكون من الممكن التأكد من طبيعة النصر.
وتبدو هذه المباراة أكثر وضوحاً في ثلاثة ملاعب هي: العراق ولبنان وفلسطين..
ففي العراق حاول السعوديون مراراً حلحلة أزمته الحالية التي بدأت تنتقل شظاياها إلى الشارع الداخلي وتصبح مهيمنة على أبرز اهتماماته، كون الرياض تعتبر نفسها حاملة لواء الإسلام السنّي في المنطقة، وعليه فإنها مسؤولة عن حماية الأقلية السنية في العراق التي بدأت تتعرض لشتى صنوف الاضطهاد بسبب عمليات التطهير السياسية التي تقوم بها النخب السياسية الشيعية، مدعومة بمليشياتها المتحركة على الأرض، مما أسهم إلى حد كبير في تذويب النفوذ السني وتلاشيه من الساحة.
وعمليات التطهير هذه تنشط في بغداد كونها عاصمة الحكم الرئيسية في البلاد، باعتبارها تمثل الدولة الصغرى التي ما إن يمكن السيطرة عليها، حتى تتساقط بقية مراكز النفوذ السني في أرجاء البلاد الواحدة تلو الأخرى وكأنها أحجار دومينو، ما إن تسقط أولاها حتى تتداعى لها سائر الأحجار بالموت والحمّى!!
وكل ذلك يأتي في ظل الخطة الأمنية التي تقوم بها قوات الاحتلال الأميركية، والتي تسهل عمل هذه الميليشيات عبر حملاتها المتكررة ضد معاقل النفوذ السني المسلح دون أن تجرؤ على اصطياد أشخاص بعينهم: هي تعرفهم جيداً، وتعرف مدى ارتباطهم بأعمال العنف في العراق، وعمليات التصفية المذهبية، وفضلاً عن هذا وذاك تعرف أنهم ليسوا سوى دمى تحركها خيوط الملالي في طهران المجاورة حسب رؤيتها ومشيئتها.
علينا أن نكون أكثر صراحة حينما نتحدث عن أولى الشرارات التي أشعلت فتيل العنف الطائفي في العراق، ذاك أن هذه العمليات، ذات الطابع المذهبي، لم يبدأ بها سوى السنة العراقيون وإخوانهم الوافدون من الجزيرة العربية، عن طريق جماعات محسوبة على التيار السني مثل تنظيم القاعدة وكافة الجماعات المتأثرة به أو المنضوية تحت لوائه.
ومع مرور الوقت تحول العراق إلى هاجس مؤرق للمملكة العربية السعودية خشية انتقال شرارة عدم الاستقرار إلى أراضيها، إضافة إلى إمكانية إيقاد رغبات وأحلام الطائفة الشيعية في الحصول على حصة كبيرة من النفوذ في البلاد ذات الأغلبية السنية، إلى الدرجة التي أرادت فيه الرياض البدء بإنشاء جدار عازل يعتبر الأطول من نوعه في العالم لإغلاق حدودها الشمالية المحاذية لنقاط التوتر في العراق.
كما أن أي سيناريو لتقسيم العراق يبدو كخيار مرعب بالنسبة للسعوديين الذين وإن توحدوا سياسياً وجغرافياً فإنهم لم يتحدوا فكرياً وثقافياً واجتماعياً، فلا تزال هناك وجهات نظر من قبل كل رقعة جغرافية إزاء المنطقة الأخرى في المملكة، ولا زالت الأفكار عن أهل الوسط في نظر أهل الغرب هي هي، والعكس صحيح، ولا تزال هناك مناطق غير محسوبة ndash; على الأقل في العقل الباطن لدى جزء من السعوديين- على أنها ضمن التراب الإقليمي ذاته. (وهذه قصة تحتاج إلى تفصيل كبير ليس هذا مكانه).
لم تعرف السعودية هذا الصداع العراقي إلا في أعقاب الغزو الأميركي غير الشرعي لدولة العراق بغية إسقاط نظامه الديكتاتوري بقيادة حزب البعث ورأسه ورئيسه الرئيس الراحل صدام حسين.
أما في أواخر العهد الصدامي فكان الصوت العراقي منكفئاً على نفسه، وإن خرج فإنه يخرج واهناً لا يضر ولا ينفع، بل أنحصر دوره في تهديد النظام السعودي عبر دعم لأطراف المعارضة الدينية في الخارج، دون جدوى ودون طائل، محاولاً في الوقت ذاته استخدام الأذرعة الإعلامية في العالم العربي لخدمة هذا الهدف، لكن ما لبثت الرياض أن سيطرت عليها مع الوقت عبر مبالغ كلفت خزانتها ملايين الدولارات.
وفقد عراق صدام صوته بعد ضياع حلمه القديم المتجدد بضم الكويت إليه، وخروجه من حرب الخليج الثانية مهزوم مكسور محاصر لسنوات طويلة، مما عزز انقسام عالم العرب بين نظم البترول وشيوخها، وبين نظم الثورات وآلهتها. وخلفهما شعوب ٌ تريد أن تتحد لكن لا تعرف كيف وأين ومتى، بعد أن أسقطت تلك الحرب كل النظريات التي حاولت ربط التاريخ العربي القديم بالجغرافيا السياسية الحديثة.
ونتيجة لتحول العراق إلى بوابة مذهبية لعملية التشيع السياسي عبر تمديد أصابع النفوذ الإيراني في المنطقة إلى حد تصل فيه إلى الطرق على نوافذ نفوذ الرياض وشبابيك مركز قوتها، فإن الحكومة السعودية ارتأت ضرورة تنظيم مؤتمر مصالحة عراقية في مكة المكرمة، مهد الإسلام، لمحاولة الوصول إلى حل لهذه الأزمة، والتواجد على ساحتها، والبحث عن دور بطريقة أو بأخرى.
إلا أن المؤتمر كان سريعاً خاطفاً لم يتسنَ لأحد فيه التقاط الأفكار والأنفاس، ولم يحضر جميع اللاعبين الكبار باستثناء الشخصية السنية المعروفة حارث الضاري الذي عقد مع الملك عبد الله بن عبد العزيز سلسلة مباحثات مطولة لم يتم الكشف عن تفاصيلها بشكل رسمي، غير أنها تأتي في إطار جهود الرياض لدعم الأقلية السنية.
بيد أن هذا المؤتمر لم يحقق في حقيقة الأمر أي اختراق مهم كون القضية العراقية حينه ndash; ولا تزال- تحملُ في طياتها تعقيدات كثيرة ليس من السهولة حلها، حتى وإن كان ذلك تحت أستار الكعبة، لأنه كان من الضرورة أن يتدخل معممو quot;الكعبة الشيعيةquot; في quot;قمquot; ليسهموا بشكل كبير في إنجاح المؤتمر وإيقاف النزيف.
ولا يزال هناك شبُّانٌ سعوديون يقطعون الذرى والقفار بغية الالتحاق بالجماعات المسلحة في العراق لمقاتلة الأمريكان، أو تصويب البنادق إلى المسلمين الشيعة، حتى بلغت نسبتهم أكثر من أربعين في المائة من المقاتلين الأجانب الوافدين إلى العراق.
وفي المباراة المشتركة على هذا الملعب الأول أقول أن إيران لا تزال متقدمة على السعودية بهدف مقابل لا شيء، حتى الآن، وما زال هنالك وقت لإحراز هدف التعادل أو أهداف الفوز على حسب حنكة اللاعبين ورؤوس الحربة!
***
أما على الملعب اللبناني استطاعت الحكومة السعودية إحراز هدف التعادل بفضل تحركات دبلوماسي حصيف هو سفير الرياض في بيروت عبد العزيز خوجة، الذي يحمل رتبة وزير، ويعتبر من فئة quot;السفراء السوبرquot; في الحكومة الذين يحق لهم الحركة بحرية كبيرة دون الاضطرار إلى ركوب الطائرة والعودة إلى بلاده للمفاهمة والاستفسار عن آلية التحرك المبتغاة. (علماً أنه مغادر هذا الكرسي قريباً إلى كرسي آخر في بلاده حسب ما تقول الإشاعات المسافرة مثل أبخرة الكنائس وهي لا تخطئ إلا قليلا!).
لقد كان الأمر حينها محبطاً للمملكة، التي تعتبر رأس الحربة في دول العالم الإسلامي، وهي ترى أن قضية النضال العربية وقضاياها الكبيرة الأخرى، تُقاد عبر quot;الريموت كونترولquot; عن بعد من قبل طهران وحاكميها، في حين كان من الأولى أن تكون هذه القضايا في أيدي اللاعبين العرب الكبار وخصوصا الرياض والقاهرة.
وحين بدأت تحركات حزب الله دون إخبار الأطراف العربية المؤثرة في المنطقة، أو استشارتها، أدرك اللاعبون العرب الكبار أن quot;هنالك شيءٌ عفنٌ في الضاحيةquot; كما يقول شكسبير، بتصرف، وثبت فعلياً أن هناك من يتاجر بالقضية العربية ويستقوي بها على أصحاب الحق الأصليين من الدول العربية.
وساءت العلاقات بين المملكة وحزب الله الشيعي المدعوم من إيران، وبدا أن العلاقة سوف تتجه إلى مرحلة لا عودة منها. مرحلة القطيعة الأبدية حتى قيض الله أمراً كان مفعولاً.
ومضت رياح القدر حتى أصبحت تهبُّ عكس أماني السفن العربية التي تمخر عباب السياسة منذ عقود دون أن تعيش في تلك اللحظة التي تحس فيها بأنها مجرد متفرج - لا أكثر- على قضاياها التي من المفترض أن تكون لها فيها اليد الوحيدة المحتكرة.
وعقب النزاع الأخير بين حزب الله وإسرائيل، ومن مخبأ لم يُعرف حينها (قيل إنه في السفارة الإيرانية) قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في مقابلة تلفزيونية إنه لو كان يعلم أن اختطاف جنديين سوف يحدث كل هذا الأثر الكارثي للبنان لما سمح به.. وتراجع نصر الله بعدها حين بدأت العنتريات الخطابية تضغط عليه وتلمع في سماء العالم العربي.
وفي حين كانت إيران تدعم حزب الله، الذي صنعت منه الحرب قائداً شعبياً في العالم العربي أجمع، دعمت المملكة العربية السعودية لبنان بأكبر دعم مالي في تاريخه، وتحركت على إثره ماكينة الدبلوماسية السعودية كي تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح حسب رؤيتها.
وبعد ذلك حدث لقاء مهم بين السفير السعودي في لبنان وأمين عام حزب الله، تحدث فيه نصر الله عن مناقبية الملك عبد الله بن عبد العزيز وموقفه الداعم للمقاومة منذ أن كان في ولاية العهد، وهو النسق الذي أستذكره قادة الحركة اللبنانية الهامة ndash; حزب الله- في تصريحات سابقة، وأعلن نصر الله خلال هذه المقابلة مع السفير خوجة ndash; التي حصلت على معلومات عنها- أنه سوف يقوم بزيارة قريبة إلى الرياض إذا سمحت الظروف الأمنية التي يرتبها جهازٌ خاص له يمثل ذراعا استخباراتية مؤثرة.
ومعروف ٌ أن أجواء نصر الله تشابه أجواء الشخصية السينمائية المخلوقة من رماد الأسطورة (جيمس بوند).. إذ دوماً ما يُحاط موكبه وتحركاته بسرية تامة وتمويه عال جداً، لدرجة يقال فيها ndash; أحياناً ndash; أن الأمين العام المناضل لا يعرف إلى أين يذهب، وكيف، في تحركاته الخاصة، بل يسير مطيعاً لخطط استخبارات حزبه، التي لم يستطع أحدٌ اختراقها، ولم يظهر إلى الآن quot;يهوذاquot; جديد يشي بمعلمه المعمم ويقدمه إلى الأعداء على طبق من ذهب.
ويروى أن الصحافيين إذا أرادوا لقاءه فإنهم يسيرون في سيارات مظلمة لكي لا يعرفوا إلى أين هم ذاهبون، ويبالغ الشطط والخيال المبني على قاعدة فيها قليل من الواقعية، أنهم يُقادون معصوبي الأعين إلى القائد نصر الله في سيارة مصفحة تَرى ولا تُرى!!
ولا يخفى على المراقبين اللصيقين بلبنان الشعبية الجارفة التي يتمتع بها الحزب كونه تحول من حزب سياسي-عسكري، إلى حزب quot;مُستأنسquot; يرتدي قفازات مدنية جعلته محورا حيوياً للفقراء الشيعة في المناطق الفقيرة من لبنان.
وحين كنت في زيارة سابقة لأماكن النفوذ الشيعي اكتشفت كيف أن نصر الله تحول إلى مارد شعبي لا يمكن التساهل به.. أصبح الرجل quot;صاحب الظل الطويلquot; الذي يمحو ضوء كل من يجلس بجواره، ويكون المتفرد الوحيد بكعكة الشعبية.
وليس أمر هذه الشعبية حكراً على الشيعة أو اللبنانيين فحسب، بل تطور إلى حدٍ وصل فيه أن يكون quot;عبد الناصرquot; جديد يولد في الخباء الشيعي الشامي، عبر صيغة جديدة هي أن يصبح quot; ناصري معممquot;.. وذلك مرده إلى أمر نفسي يعتمل في صدور الشعوب العربية.. إنه غياب quot;الأب الأكبرquot;.. quot;الزعيم الجماعيquot;.. quot;القائد الملهم الذي سوف يلحق الأذى بالأعداءquot;.. وعلى هذا المنوال من أحاديث التاريخ، وأهازيج الأماني.
في لبنان حالياً أصبح النفوذ السعودي يُسمع ويُرى لدرجة تحول فيها صراع طهران- الرياض إلى مواجهة مباشرة تُرى بالعين المجردة على الأرض، إذ بينما كانت إيران ndash; ولا تزال- تدعم الفريق الداعي إلى إسقاط الحكومة ممثلة برئيس الوزراء فؤاد السنيورة، فإن السعودية دعمت بقاء حكومة السنيورة إلى حد أن الملك عبد الله بن عبد العزيز هاتف الوزراء اللبنانيين المشاركين في الحكومة واحداً واحداً، مبلغاً إياهم دعمه المُطلق، حين كانوا محاصرين في مقرهم بعد تظاهرات حاشدة للمعارضة.
ولا تزال هذه المباراة مستمرة بالتعادل الإيجابي.
***
أما الملعب الثالث فهو الأضخم من نوعه.. إنه فلسطين، وهي ملعب سياسي كبير لا يلعب داخله الهواة، أو أنصاف الدبلوماسيين، وأثبتت التجارب أن أنصاف الدول التي حاولت التدخل في هذه القضية باءت جهودهم بالفشل.
وخلال السنوات الأخيرة ثبت فعلياً إلى حد لا يرقى إليه الشك أن أي تحرك على الساحة الفلسطينية لا يرتبط بتنسيق مسبق مع الرياض والقاهرة، يعتبرُ اختراقاً غير ذا جدوى، حتى أن النفوذ السوري يمكن أن يتلاشى في الكثير من اللحظات المؤثرة من داخل الصراع نتيجة لفشل حاكمه الجديد في اللعب على التوازنات العربية والدولية.
باختصار كان دور دمشق هو دور تخريبي أكثر من كونه دوراً يصلح لعملية سلام رغم طبيعة علاقتها التقليدية مع حركة حماس الإسلامية. ونظرا لضعف مواردها الاقتصادية فإن دمشق تبدو مع الوقت أكثر ضعفا مما مضى، ولولا علاقتها المتطورة مع إيران لربما غابت عن الساحة بعد خلافها مع القاهرة والرياض.
إن دمشق ترى نفسها يوماً عن آخر وهي محشورة في داخل حدودها وسيف المحكمة الدولية في اغتيال الحريري مسلط على رأسها، بينما هي تحاول عدم السقوط من على حبل السيرك بفضل علاقاتها القديمة مع إيران، ومحاولة إعادة تفعيل الحلف الثنائي بين البلدين الذي تجلى في أبرز صوره حين كان الصراع بين بغداد- وطهران مسلحاً وقاصفاً وحاصداً للرؤوس. وانحازت حينها سوريا ضد جارتها في العروبة وفي الحزبية وقطعت أنابيب البترول العراقي التي تمر عبرها. (وقصة سوريا تحتاج إلى تفصيل التفصيل للإيضاح وتقديم التفسيرات ليس هذا مجالها).
وإن حدث هنالك تطبيع شامل في العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإسرائيل فيمكن أن تنفرد الرياض وحدها بالصراع وملفاته وتعتبر أي تسوية معها هي تسوية مع كامل الدول العربية، لكن هذا الأمر بعيدٌ بعيد جدا، إذ استعادت الحكومة السعودية، مع اعتلاء ملكها الجديد سدة الحكم، النفحة القومية العربية الخالصة بعد أفولها الجزئي في الثمانينات.
رغم رواج أنباء مختلفة عن اجتماع مسئولين سعوديين مع شخصيات إسرائيلية فإن ذلك لا يعدو كونه سوى مناورات دبلوماسية تقوم بها أجنحة في حكومة الرياض لحشد الصفوف بغية تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وبعد أن ينتهي هذا الاستقطاب فإن الأمور سوف تعود إلى مجراها السابق.
إن الحكومة السعودية وعلى رأسها عاهل البلاد الجديد الملك عبد الله بن عبد العزيز لا تستطيع المغامرة في ملف العلاقات مع إسرائيل دون إتمام شروط المبادرة العربية للسلام، لأن ذلك قد يتسبب في تهديد شرعية الأسرة الحاكمة التي تحكم البلاد خلال فترات متفرقة منذ ثلاثة قرون، وبالتالي تهتز صورتها كحامية لأقدس الأقداس الإسلامية مدينتا مكة والمدينة اللتان تحظيان باحترام إسلامي بالغ.
وفي قراءة لخريطة صناع القرار الكبار في الإدارة السعودية الحالية فإن نسبة المؤيدين لوجود علاقات دبلوماسية مع إسرائيل تكاد أن تصل إلى الصفر، إذا استثنينا المسئول البراغماتي الأمير بندر بن سلطان، الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، الذي لا يستطيع أحد التنبأ بما قد يفعله أو كيف يفكر.
وربما يعتبر الأمراء الشبان في الأسرة أكثر تسامحاً بفضل تغير الزمن والوقت وذكريات التاريخ، لكنهم يعرفون في الداخل أن quot;الفاتيكان الإسلاميةquot; التي يتولون مسؤوليتها تعتبر حائط صد أمام المضي في أي مشروع تطبيع مع الدولة العبرية.
من هذا المنطلق فإن العثرة الوحيدة إزاء تسيد سعودي كامل على ملف القضية الفلسطينية هي العلاقات المقطوعة مع إسرائيل مما يجعلها عاجزة عن التأثير على طرفين من أطراف الصراع في وقت واحد.
ونتيجة لذلك فإن الرياض تحتاج من حين لآخر لوجود كل من عمّان والقاهرة معها على خط العملية السلمية، خصوصاً في ملف التواصل مع الطرف الإسرائيلي.
أما إيران فإنها تحاول من حين لآخر التقاط فتات النفوذ والدخول من نافذة حماس الحليف التقليدي لدمشق، وهي نافذة ضيقة لا تكاد تتسع لجسد طهران الممتلئ، لذلك فهي تحتاج نوافذ أكبر عبر حزب الله الذي تسيطر عليه إلى حد ما.
ومؤخراً أنحسر دورها بعد أن رفض العديد من الفصائل الفلسطينية حضور أي اجتماعات في طهران.
ولن نبالغ إذا قلنا أن الرياض عبر ملكها الجديد تدير قسطا كبيرا من الأمور في العالم العربي وخصوصا فما يتعلق بملف القضية الفلسطينية، رغم أنها قد تفكر في الابتعاد عن هذه الملعب ولو لفترة قليلة. لقد طعن الفلسطينيون المملكة العربية السعودية في الظهر بعد أن قاموا بتخريب متعمد لاتفاق مكة، وخصوصاً حركة حماس المدعومة من إيران وسوريا وقطر.. والأخيرة دخلت على الطريق متأخرة قليلاً ولها أجندتها وتصوراتها.
لقد خسرت السعودية المباراة مع منافسيها بهدفين مقابل واحد لكن ميزة هذه المباراة الفلسطينية أنها لا تنتهي، ولا يمكن لأحد السيطرة على نتائجها مهما فعل أو حاول، لأنها معركة مع الزمن والتاريخ وكثير من الجغرافيا.
اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات