لا أدري سر ( العبقرية ) الفظيعة التي دفعت ما يسمى بلجنة تطبيع الأوضاع في مدينة كركوك العراقية لأن توصي وصيتها القاتلة و الحمقاء بضرورة طرد العرب من المدينة المتنازع عليها عرقيا بل و إقليميا في موعد أقصاه شهر مارس/ آذار القادم!!؟، و لا أعلم بالتالي سر التحمس المريب لهذا الأجراء الغريب في وضع وطني هو الغاية في الحراجة و الدقة و الحساسية، و في زمن طفحت فيه البثور الطائفية القبيحة لتشوه وجه بل كل معالم الجسد العراقي المثخن بالجراح، في ظل حروب الطوائف و العشائر و الأحزاب و الميليشيات المريضة و التي حولت العراق بأسره لكيان مشوه و مسخ لا علاقة له و لا لديمقراطيته الشوهاء العوراء الفضائحية بما يدور في العالم المتقدم من مفاهيم متقدمة لا تعلم عنها أحزاب و عصابات التحاصص الطائفية المريضة شيئا منها!...
فهل بتهجير و طرد العرب العراقيين من كركوك العراقية أصلا و فصلا و تاريخا ستحل مشاكل العراق؟ و هل بتشريد العشائر العربية و تعويضها كما يقولون ستنتهي الحرب الأهلية المعلنة واقعيا و سيفرض الإستقرار الأمني، و تعود الأوضاع لطبيعتها في عراق قد ودع الإستقرار على ما يبدو لحين ( ظهور المهدي أو المسيح أو الأعور الدجال أو جند الفضاء )!!؟، ألا تشكل التوصيات الحمقاء للجنة تطبيع الأوضاع وصفة مجانية و مباشرة لتوسيع مساحات الموت العشوائية و لتأجيج نار الفتنة الوطنية الشاملة؟ وهل بتشريد العرب على تلك الصورة المريضة ستقوم ( المدينة الكردية الفاضلة )!! أو يتحقق حلم ( كردستان العظمى )!!؟.
كركوك كما نعلم و تعلمون مدينة عراقية أولا و أخيرا، وهي لا تختلف عن البصرة أو الرمادي في عراقيتها عبر العصور وعبر مختلف الحقب رغم حساسية أوضاعها التي أدت لقيام مجازر بشعة فيها في صيف 1959 و بعد المصائب التي تقاطرت على العراق منذ إسقاط النظام الملكي في إنقلاب تموز 1958 الذي فتح كل صناديق الشياطين و العفاريت العراقية، لذلك فإن أي دعم مشبوه لتقوية طائفة أو قومية على حساب أخرى لن يساهم في المحصلة إلا في تأجيج المصيبة العراقية المتفاقمة أصلا، و هو أمر سيصب المزيد من الزيت على نيران فتنة متوقدة لا تنتظر الدعوة لإيقاظها!، و كركوك خط أحمر من خطوط الوحدة الوطنية العراقية إضافة لكونها تيار إقليمي صاعق ستستدعي تطوراته تدخل دول الجوار وأعني الجار التركي الكبير و القريب و الذي له مصالح كما أن له أطماع تاريخية طوتها دوامة التاريخ و لكن ملفاتها لم تزل جاهزة و قد تشهر في أي لحظة!! وهو أمر لن يصب في المصلحة العراقية العليا، فالجار الإيراني قد قضم ما قضم و الأتراك لن يقفوا مكتوفي الأيادي أمام التطورات المتسارعة، ثم أن رد فعل العشائر العربية في كركوك سينهي و إلى الأبد أي مشروع لأي مصالحة وطنية عراقية شاملة لسبب بسيط وهو أنه سوف لن يكون هنالك عراق وفقا للصيغة القائمة حاليا!، كما أن كركوك التي يعتبرها الأخوة الأكراد بمثابة ( قدس كردستان ) لا ينبغي أن تتحول لعود الثقاب الذي سيشعل حرائق لن تكون نتيجتها إلا حرق العراق بالكامل و تفتيته بالمطلق و بما سيؤدي لمضاعفات إقليمية ستتجاوز العراق بكثير؟
ترى ما الفائدة من أية عمليات تطهير عرقية جديدة يكون ضحيتها عرب العراق تحت مظلة تطبيع الأوضاع؟.
التطبيع كما نفهمه يكون بإسدال الستار على مصائب الماضي و كوارثه عبر اللجوء لسياسة المصالحة الشاملة و التسامح الكامل و طوي الملفات و عبر تعايش وطني عراقي شامل بين مختلف الطوائف و المكونات العراقية عربية كانت أم كردية أم تركمانية أم سنية أم شيعية...
وفي ظل قانون وطني عراقي جامع و منظم للعلاقات بين جميع الفرقاء بعيدا كل البعد عن حسابات الربح و الخسارة و في مجتمع مدني متقدم تكون الكفاءة و المواطنة فيه هي الأساس الجامع المانع، و علينا أن لا نتجاهل التداعيات التي ستحدث في حال الإقدام على تنفيذ حماقة طرد العرب بالقوة، فالحكومة العراقية لن تستطيع تنفيذ التوصية و لو نفذتها الميليشيات الكردية فستكون هنالك مذبحة حقيقية يبدو أن بعض الأطراف تسعى لها لأهداف مشبوهة لن تخدم بأي حال العملية السياسية الجارية في العراق، و سترتفع دعوات تقسيمية خطيرة تدعو لطرد الأكراد من الموصل و بغداد ربما و بما سيدخل المصيبة العراقية في مصائب التطهير القومي و العرقي بعد التطهير الطائفي القائم حاليا، و تلك لعمري قاصمة الظهر، العراق كله يقف اليوم على كف عفريت ووجوده الإقليمي المعروف قد بات موضع شك لدى العديد من الدوائر الدولية، و الإصرار الأحمق على التحديات الفارغة و المشاريع و التوصيات المشبوهة و تأجيج المشاعر القومية العدوانية لن يؤدي في النهاية سوى لدمار شامل ستطيح تداعياته برؤوس الجميع.
كركوك عراقية أولا و أخيرا، و إذا كانت الأحزاب الكردية عازمة على إعلان دولتها الحرة المستقلة فأهلا و سهلا و ذلك حق من حقوقهم القومية التي لا تقبل النقاش، ولكن على تلكم الأحزاب أن تدع بقية العراق يعيش بسلام و من دون الحاجة لدورات عنف دموية جديدة و من دون المساس بالواقع الديموغرافي القائم و هو واقع لم يمنع أن تكون مناصب الدولة العراقية العليا من حصة الأكراد لا بصفتهم أكرادا و إنما بصفتهم العراقية الجامعة! و هي الإشكالية التي لم تحل معضلتها تلكم الأحزاب التي أخذت حصتها كاملة من كردستان العراق وتتحمس للمشاركة في بقية الكعكة العراقية!! و هو وضع غريب في عراق أضحى محطا لكل الغرائب و العجائب و الخرافات و الأساطير.
إن أي إجراء أحمق و غير مسؤول في ملف قضية كركوك سوف يكون عنصرا حاسما في تعميم الخراب العراقي الشامل، فليس بهكذا أساليب بدائية في الطرد و التهجير و إعادة التوطين يمكن بناء التجارب الديمقراطية أو حل المشاكل الوطنية العويصة... الإبتزاز ينبغي أن يتوقف، و طرح الشعارات ليس هو الحل، و مصلحة العراق الحر الواحد الموحد الذي لا يقبل القسمة و لا التجزئة ينبغي أن تكون هي المعيار الجامع المانع فكركوك للكرد مثلما هي للعرب مثلما هي للتركمان لأنها عراقية الوجه و اليد و اللسان.
لا و ألف لا لطرد العرب من كركوك، و لا و ألف لا لفرض الحلول الشوفينية المتعصبة في وطن ينزف من الدم و الموت و الإرهاب الأسود... فكفى دماءا و كفى إستهتارا بأرواح العراقيين و مصالحهم... و التاريخ لن يرحم القتلة و المتآمرين على وحدة الوطن و الشعب... و إياك أعني و أسمعي يا جارة!!!.

[email protected]