يقول الله تعالى في محكم كتابه المبين :
((قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما و حلالا قل الله أذن لكم أم على الله تفترون)).
وقال تعالى : ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ))
ونقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)

يعتمد بعض من المسلمين على فتاوى فقهاء الدين التي تيسر لهم حياتهم والتزاماتهم وتساهم في حل أشكالاتهم الفقهية منها والعملية، ويلتزم منهم وفق ما ترسمه تلك الفتاوى فعلا وقولا، ولرجال الدين الفقهاء الدور الأساس والمهم في تبسيط تلك الفتاوى والمسائل، من خلال الدراسات التي تبسط أمور الدين،وتبصر الناس في معاملاتهم وقضاياهم الشرعية بما ينسجم مع الإطار الإنساني العام للدين، من خلال الفتاوى والإرشادات التي ينشرها علماء الدين وشيوخه، بالنظر لما يكنه المجتمع الإسلامي من تقدير لتلك الفتاوى التي يصدرها رجال الدين، بالإضافة الى مكانتهم المهمة في بث روح الوحدة ولم الصف والدعوة للمحبة والتآخي والسلام،والإشارة الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجاء في لسان العرب عن الفتوى: أَفْتاه في الأَمر: أَبانَه له. وأَفْتَى الرجلُ في المسأَلة واسْتفتيته فيها فأَفتاني إفتاء.

وفُتىً وفَتْوى: اسمان يوضعان موضع الإِفْتاء. ويقال: أَفْتَيْت فلاناً رؤيا رآها إذا عبرتها له، وأَفْتَيته في مسأَلته إذا أَجبته عنها. وفي الحديث: أَن قوماً تَفاتَوا إِليه؛ معناه تحاكموا إِليه وارتفعوا إِليه في الفتا. يقال: أَفْتاه في المسأَلة يُفْتِيه إذا أَجابه، والاسم لفَتْوى، والفُتيا تبيين المشكل من الأَحكام.
ومن يتابع مطالعة أقوال ابن الوزير وابن تيمية والهيثمي، يجد أنها تنكر أشد الإنكار، وتحذر أبلغ التحذير من تكفير الناس بذنب أو خطأ، ويرون أن تلك الفتاوى التكفيرية لاتجد لها سندا من الإسلام.
وأتفق جميع علماء الأسلام دون خلاف على إن الإسلام إنما يثبت بالاعتقاد بالله وبالنبي صلى الله عليه واله وسلم وعدم إنكار ضرورة من ضرورات الدين،ومن قال اشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله فقد حرم دمه وماله، ومن قال الشهادتين وصلى للقبلة فهو مسلم.
ان المسلمين اتفقوا بأنه من جاء بأركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان فأنه مسلم موحد ولذلك طبقوا قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم، المسلم اخو المسلم، المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه فالأصل في هذه القضية ان المسلمين اتفقوا على اطر عامة منذ فجر التاريخ الإسلامي.

وعلى هذا الأساس فأن كل من يصدر فتواه بتكفير الآخر مهما كانت فرقته اوطائفته فإنما يزيد النار حطبا ويساهم في إشعال نار الفتنة والفرقة والأحقاد بين المسلمين، وبهذه الفتوى التي لاتقرها الشريعة ولا تدعمها الوحدة ومتطلبات الحوار والتقارب بين المذاهب الإسلامية، ولاتقرها السنة والشريعة وتسهم بشكل أكيد في نشر وتثبيت معالم ثقافة الإرهاب وأعتماد الوحشية والأساليب المتخلفة في حل إشكاليات الاختلاف في العقائد والأفكار.
ومن يصف المسلم بالشرك فإنما عليه الإثم ويتحمل وزر جريمته في الدنيا والآخرة وأن عذابه عند الله شديد، فإذا كان دم المسلم على المسلم حرام وماله وعرضه، فكيف يمكن تفسير تلك الفتاوى التي تبيح الذبح والقتل وتمهد الطريق للجريمة المنظمة المتطرفة لأسباب مذهبية ؟
كيف يمكن إن يستباح دم الإنسان بجريرة المذهب أوالدين وتحت تحريض واضح وصريح من رجل الدين مهما كان مذهبه، مما يجعل ذلك التحريض جريمة شرعية وجنائية يعاقب عليها القانون.

وإذا كنا منصفين يستوجب الأمر إن تكون تلك الكلمات عمومية لاتخص طرفا معينا، مع أن الأمر يستوجب التوقف عند من يحاول أن يمتهن الأفتاء،ويتخذه وسيلة لتمرير رغباته وعقائده ونزعاته الشخصية، محاولا إن يورط الناس في أشكال من الأفعال التي تهدم الدين الإسلامي وتهدر دم المسلم وتعرض عرضه وماله للحرام وبأيادي مسلمين آخرين.
ويقينا أن الفتاوى المذكورة بصرف النظر عن كونها تشكل تحريضا واضحا وصريحا على القتل، فأن تلك الفتاوى تشكل دعما للإرهاب الإنساني ودعما للتهديدات التي تهدد السلام الاجتماعي العالمي،وتساهم في نشر الكراهية والحقد بين الناس.
أن الدعوات الإجرامية المتبرقعة بغطاء الفتاوى الدينية هي ما ينتشر هذه الأيام وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط، حيث نمت بذور الطائفية والكراهية، مع نمو الإرهاب والفرقة بين المسلمين.

وأذاكانت تلك التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي تتخذ من بعض رجال الدين معابر ومساند لتمرير أفعالهم باسم الدين الأسلام وتعاليمه السمحاء من خلال فتاوى براقع ً وستائر لتمرير أفعالها،وتحاول استغلال السذاجة والطيبة والأيمان العميق لدى الشباب وتحويلهم الى أدوات إجرامية وأسلحة فتاكة خلافا لما أمر به الله، فأن أفعال تلك الفتاوى لاتؤثر في جدران السلطات ولاأنظمة الحكام التي تزعم انها تحاربها التي لاتتعرض لها بأي فتوى اوكلمة، مما يؤكد وجود وعاظ السلاطين بين تلك الدول التي يحاول رجال الدين فيها تطويع الدين الإسلامي والإنساني وتحويله إلى منظمة إرهابية معادية للسلام وإنسانية الإنسان، وهذه الحرب موجهة ضد المدنيين والأبرياء الآمنين دون غيرهم، وبالتالي هي حرب موجهة من هذه التنظيمات المتطرفة التي توفرت لها كل مستلزمات القوة والأسناد الى الدفع والتغذية المعنويين، ويشترك بها رجل الدين الذي يحرض على القتل بالفتاوى، هذه الحرب موجهة ضد الأنسانية بشتى صورها، وأن الجرائم المرتكبة رغم بشاعتها وكارثيتها بحق الأنسانية بتحريض واضح وتطبيق لما يرد بتلك الفتاوى التحريضية والإرهابية.

أن وراء تلك الشبكات الإرهابية حكام دول وتنظيمات سياسية ومؤسسات أعلامية وشخصيات لاتشعر بأدنى خجل حين تشير بشكل غير مباشر مساندتها الى هذه التنظيمات الإرهابية بحجة الانتصار الى الأسلام تارة والعروبة في أحيان أخرى من خلال أيهام الناس بفتاوى تحرض وتدعو للقتل وتنادي للموت، مع انها تمارس الشيزوفرينيا السياسية في الموقف المتناقض، حين تزعم التزامها بحقوق الإنسان ومحاربتها للإرهاب من جهة، وتغذيتها لهذه التيارات الإجرامية التي أخذت تنتشر في المنطقة العربية وتتفرع منها منتشرة مثل الوباء من جهة أخرى.

وتعاقب القوانين الجنائية كل من حرض على ارتكاب الجريمة ووقعت بناءا على تحريضه، وتلك الفتاوى التي تبيح القتل إنما هي تحريض أعمى للجريمة، كما أن دفع أي شخص بأية وسيلة ومنها الإيهام بمشروعية العمل وتطابقه مع الشرائع والأديان، يعتبر من قبيل الاشتراك الفعلي في ارتكاب تلك الجرائم،وهو في كل الأحوال يبتعد عن المقاصد الحقيقية للفتاوى،ويتعارض بشكل عام مع الأسلام والتعاليم السمحاء.

وتلك الفتاوى البعيدة عن المسؤولية الشرعية والأنسانية تكون مجرد افعال إجرامية تصل إلى مستوى الاتفاق الجنائي على ارتكاب الجنايات باسم الدين وتحت ستار الشريعة،وتحت وهم ضمان وصول الجاني (المجرم والفاعل الأصلي) إلى الجنة، حتى أصبحت جنان الخلد يمكن أن تصلها البهائم المفخخة والأنتحاريين بالجملة مادامت الفتاوى تسهل لهم الطريق،وتمنحهم بطاقات الدخول بأقصر الطرق، غير أن العقوبة الجنائية التي شرعتها القوانين تعاقب مطلقي تلك الفتاوى أي كان موقعهم ومنصبهم،وبأي شكل من الأشكال وسواء كان يرتدي رجال الدين او لم يكن منهم،وفي أي مذهب من المذاهب، فأن بإمكان المجتمع الدولي والشعوب التي يلحقها الضرر الأكيد من جراء تلك الفتاوى التحريضية، وأن بالأمكان إصدار القرارات القضائية لملاحقتهم والقبض عليهم، وتضعهم تحت طائلة القوانين التشريعية وقانون الإرهاب الدولي، بالإضافة إلى العقوبة التي سيضعها الله سبحانه وتعالى في رقابهم عند الحساب.