كان الزعيم الكردي الأسير عبدالله اوجلان هو الحاضر الغائب في احتفالات عيد النوروز الضخمة التي شهدتها مدن كردستان الشمالية وتركيا. لقد اوعز حزب العمال الكردستاني لأنصاره ومؤيديه بجعل احتفالات هذا العام quot;يوماً مفتوحاًquot; للتضامن مع اوجلان، المحتجز منذ اكثر من 8 اعوام في جزيرة (ايمرالي) المعزولة وسط بحر مرمرة، والذي تعرض لعملية تسمم بمركبات كيماوية سامة، شكلت خطراً حقيقياً على حياته. ورغم ان السلطات التركية قد احتاطت للأمر باكراً وعقدت (اللجنة العليات لمكافحة الإرهاب) اجتماعاً موسعاً للوقوف على السبل الكفيلة بمنع وعرقلة ظهور احتفالات ضخمة، الاّ ان كل ذلك لم يفلح في توجه الملايين من الكرد للإحتفال بعيد الربيع وسط الطبيعة المخضرة. وكان الإحتفال الكبير في ديار بكر، او quot;عاصمة كردستانquot; كما يسميها الكرد. لقد احتشد اكثر من نصف مليون شخص في ميدان النوروز الذي يبعد 12 كيلومتراً عن المدينة. كانت صور اوجلان ورموز مشروع اوجلانquot;الكونفيدرالية الديمقراطية لكردستانquot; تغطي كل مكان. وما ان تجمهر الناس ورٌصت الصفوف حتى خرجت صور اوجلان واعلام حزب العمال الكردستاني وquot;الكونفيدرالية الديمقراطيةquot; من تحت ثياب الشباب والشابات الكرد، من تلك التي نجت من quot;الكونترولquot; الرهيب لحواجز التفتيش التي وضعتها قوات الأمن التركية،والتي صادرت كل شيء له علاقة بالوان العلم القومي الكردي: الأصفر، الأحمر، والأخضر...
كبار الساسة الكرد تحدثوا لأبناء دياربكر: أحمد ترك السياسي المخضرم ورئيس حزب المجتمع الديمقراطي( الحزب الكردي المرخص والذي يسيطر على 56 بلدية في كردستان الشمالية). عثمان بايدمير رئيس بلدية دياربكر، وليلى زانا النائبة الكردية السابقة في البرلمان التركي، والتي قضت عشرة اعوام في السجون التركية، مع 4 من زملائها فقط لمجرد الحديث عن quot;اخوة الشعبين الكردي والتركيquot; اثناء قراءة قسم الولاء. زانا خاطبت في حديثها كل الكرد، ولم تقتصر على الشعب الكردي في كرستان الشمالية فقط، بل عممّت الحديث لتنطلق صوب quot;كردستان الكبرىquot; وتشير الى quot;وحدة المصير الكرديquot; الذي يتجلى في quot;احتفال الأمة الكردية قاطبة بعيد النوروزquot;، كما قالت. وحيّت زانا قادة الكرد الثلاثة: رئيس جمهورية العراق الفيدرالي (المام) جلال الطالباني، ورئيس اقليم كردستان (الكاك) مسعود البارزاني، والقائد الكردي (آبو) عبدالله أوجلان، والذي قالت عنه زانا quot;انه في قلوبنا كلنا، ويمثل ارداة الشعب الكرديquot;. الأتراك عمدوا وفور انتهاء الحفل لفتح دعاوى جديدة ضد كل من ترك وبايدمير وزانا بتهمة مخاطبة اوجلان quot;بالسيد والقائدquot; وquot;الترويج لمنظمة انفصاليةquot;...
احتفالات اعياد النوروز كانت تظاهرة مناسبة لإظهار قوة حزب العمال الكردستاني وشعبية زعيمه عبدالله اوجلان مرة أخرى. لقد تأكد الأتراك من ان اوجلان مايزال هو quot;الحاكم الفعلي لمنطقة جنوب شرق البلادquot; كما قال احد جنرالاتهم ذات مرة. وان الحرب الطويلة التي اعلنوها ضد quot;الإرهابquot; لم تنجح. وهو الأمر الذي يعني في قراءة اخرى استعداد العمال الكردستاني لمقارعة الدولة التركية لعشرات السنوات القادمة، مع التحاق مئات الشباب كل شهر، ومن جميع مناطق كردستان الكبرى بقواعد الحزب. وان نفس الكرد طويل جداً، وان المتوالية التاريخية المشؤومة المتمثلة quot;بإنهيار الثورة واعدام قائدهاquot;، والتي تكررت مع اغلب ثورات كردستان فشلت امام ثورة العمال الكردستاني وسياسة اوجلان.
مجلس الأمن القومي التركي سينعقد في 9ـ4ـ2007 وسيناقش ثلاثة محاور: 1ـ الأستفتاء في مدينة كركوك، 2ـ الأوضاع في اقليم كردستان العراق، و3ـ التطورات في ملف الحرب ضد حزب العمال الكردستاني. اي ان المحاور كلها تتعلق بالكرد وكيفية قمعهم والقضاء على تطلعاتهم القومية. ليس ثمة من مشاريع حل أو تسوية تلوح في الأفق التركي. ثمة رهان دائم ومتجدد على الحرب والحسم العسكري إياه.
قرار وقف اطلاق النار الذي اعلنه حزب العمال الكردستاني من جانب واحد دخل شهره السادس، والجيش التركي مايزال يواصل عملياته العسكرية ويمشط الجبال بحثاُ عن مقاتلي الحزب، وهو يرسل فرق الموت المختارة لإغتيال قادة الحزب الكبار. ومع كم كل هذه العمليات وعملية تسميم اوجلان لم يعد لعملية وقف اطلاق النار اي معنى. لقد تصلب الجيش وجبنَ رجب طيب اردوغان عن مواجهة الجنرالات، فيما فضلت واشنطن البقاء بعيداً عن الملف الكردي الشائك في تركيا (مع ترك هامش المناورة للجميع، جرياً على عادة اميركية قديمة في ترك الملفات تتفاعل لحين الحاجة اليها)، والتركيز على العراق وايران والحرب على الإرهاب في المنطقة.
تبدو الأمور، والحال هذه، وهي تتجه للتأزم وللمزيد من جولات القتال. واذا كنا نستطيع القول بأن quot;خطوط انقرة الحمراءquot; بدأت تتداعى الواحد تلو الآخر فيما يتعلق بالشأن الكردي، لكننا في نفس الوقت لانستطيع القول بأن حزب العمال الكردستاني سوف يتسامح في انتهاك خطوطه الحمراء من قبل الجيش التركي، دون ان ينفذ وعده، او بعضاً منه، في quot;اشعال النار في كل تركياquot;، وخطوط العمال الكردستاني الحمراء هنا هي: حياة زعيمه اوجلان، ومسألة شن هجوم شامل على معاقله في جبال قنديل الشاهقة، والتدخل العسكري التركي في كردستان العراق لمنع ضم كركوك لسلطة الأقليم.
تهديدات العمال الكردستاني جديّة وعلى انقرة ان تأخذها بعين الأعتبار. على تركيا ان تعي بان المعادلة قد تغيرت كثيراً، وان هناك الآن تقارباً كردياً كبيراً بين القوى الكبرى. هناك تفاهم وتنسيق كردي ملحوظ، وفي مجالات عدة.
تقارب يشجع كل من وزير الثقافة في اقليم كردستان المثقف المحنك فلك الدين كاكايي للإشادة بأوجلان علانيّة، وعدم اخفاء اعجابه به، والنائبة الكردية ليلى زانا لكي تخوض في امر كركوك قبل الحديث عن دياربكر نفسها، وتلفظ اسم القادة الكرد الثلاثة مجتمعين موحدين، لأول مرة، في التاريخ الكردي...
التعليقات