ازال البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير في الحديث الأخير الذي نشرته له quot;الرايquot; ما بقي من غشاوة يتلطّى بها بعض الجهلة... أو العملاء الصغار المُستاجرين لتوفير غطاء مسيحي لسياسة المحور الأيراني- السوري في لبنان. لا حاجة بالطبع ألى تسمية هؤلاء، خصوصا بعدما كشفوا أنفسهم أكانوا نوّاباً، لا يستأهلون ان يكونوا حجّاباً، من كتلة quot;الجنرالquot; الذي وضعه البطريرك في مكانه الحقيقي... أو من التابعين للرئيس الممدة ولايته قسراً القابع في بعبدا بهدف واحد وحيد هو تكريس لبنان quot;ساحةquot; للتجاذبات الأقليمية. هذا الرئيس الذي كان يعتبر حتى الامس القريب ارسال الجيش الوطني الى الجنوب quot;خيانةquot;. كشف هؤلاء أنفسهم عندما هرولوا ألى المقر البطريركي في بكركي بحثاً عن نفي غير موجود للحديث. تبين أنّه غير موجود لسبب في غاية البساطة يكمن في ان الحديث مسجّل... وأنّ الذي أجراه صحافي محترف يعرف أصول المهنة وقد حصل من البطريرك على اذن مسبق بالنشر في quot;الرايquot;.
أذا كان الحديث، المنشور في quot;الرايquot;، أظهر شيئاً، فأنه اظهر أن البطريرك الماروني يدرك تماماً طبيعة الصراع الدائر في لبنان وابعاده. يعرف أن النظام السوري يتدخل في لبنان عبر quot;أجهزته وعبر الضغوط التي يمارسهاquot; ويعرف خصوصاً، خلافاً لما يقوله المنافقون الذين يتحدّثون عن ان سوريا خرجت من لبنان وأن لبنان استعاد سيادته وأستقلاله الكاملين وان مشكلته في حكومته الشرعية، أن دمشق quot;لم تهضم ما حصل وتسعى للعودة الى لبنانquot;. اكثر من ذلك، كشف البطريرك صفير انّ المحكمة ذات الطابع الدولي هي لبّ المشكلة وذلك عندما قال:quot; سوريا لا تريد المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري، وهي تخشاها لان الاتهامات موجّهة اليها بشكل أساسيquot;.
هذا هو لبّ الحديث. انّه يعكس الفهم العميق لسيّد بكركي للوضع اللبناني ولازمة البلد. ولذلك، لم يكن ضرورياً ان يستنفر لحّود وعون ازلامهما من نوّاب وغير نواب وبقايا اجهزة بغية الحصول على نفي. لم يكن ذلك ضرورياً لان البطريرك كان شديد التهذيب في حديثه عن quot;الجنرالينquot; مكتفياً بوصف حالتين ليس الاّ. كلّ ما قاله عن عون أنّه quot;متفاهمquot; مع quot;حزب اللهquot; quot;لاعتقاده انه سيحصل على دعمه لرئاسة الجمهوريةquot;، اختصر البطريرك عون بعبارة واحدة هي عقدة رئاسة الجمهورية. كذلك اختصر لحود بعبارة أطول قليلاً من تلك التي خصّ بها عون عندما وصفه بالرجل quot;الذي يمضي نهاره في السجالات والرد على من ينتقده. هذا طبعاً مسيء لصورة الرئاسة ولموقع الرئاسة المسيحيquot;. كان البطريرك عادلاً منصفاً، خصوصاً عندما وجّه كلامه الى لحود قائلا: quot;ان البلاد تحتاج الى خطوة انقاذية حتى لو كان ذلك عى حساب رئاستكquot;.
من الواضح، ان البطريرك يدرك تماماً خطورة ما تشهده بيروت حالياً وخطورة تغطية نائب مثل ميشال عون ورئيس للجمهورية يرفض المجتمع الدولي ممثلاً بالامين العام للامم التحدة التعاطي معه او حتى زيارته، جريمة في حجم الاعتصام وسط بيروت. ولذلك قال:quot; ما معنى هذا الانقسام الذي نشهده اليوم وما معنى الاعتصام وهذه الخيم المنصوبة في الساحات؟ البلد لم يعد يحتمل، اقتصاده ينزف ومصالح الناس ومحالها اقفلت والهجرة تستفحل في صفوف الشباب وليس المسيحيين منهم فقط، بل المسلمين ايضاً...quot;.
ما لم يقله البطريرك ان ما تشهده بيروت منذ اربعة اشهر خطير وخطير جدا. هناك جهات مسيحية تغطي بكل بساطة عملية احتلال لوسط العاصمة باوامر سورية وايرانية. لبنان صار رهينة. عاصمته صارت رهينة على غرار ما هو حاصل مع جنود البحرية البريطانية الذين اسرهم الايرانيون في مياه الخليج. لم يدخل لبنان مياه احد. لم يعتد على احد. لماذا صارت عاصمته محتلة؟ لماذا صارت بيروت رهينة؟ لماذا عادت نغمة التقسيم الى السطح؟ ما هذا الشرخ الطائفي والمذهبي العميق؟ ربّما ذلك ما دفع سيّد بكركي الى الخروج عن صمته وبق البحصة. ولان الكلام خطير وحقيقي الى حد كبير، سارع يتامى النظام الامني السوري- اللبناني الى محاولة الحصول على نفي... يريدون اختراع نفي لحديث مسجّل بصوت نصرالله صفير بطريرك الموارنة الذي سبق له ان تحدّث عن ضرورة انسحاب القوات السورية في لبنان في الوقت المناسب، اي عندما انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان في السنة 2000. لم يخطئ البطريرك لا في التوقيت ولا في الاسلوب. مرّة اخرى، انّه لا يخطئ لا في التوقيت ولا في الاسلوب!