احتفلت الأوساط البعثية في الثامن والعشرين من أبريل الماضي بذكرى ميلاد الطاغية المقبور صدام حسين، وهي الذكرى الأولى لميلاده بعد تلقيه الجزاء العادل وإرساله للقبر الذي أرسل مئات ألآلاف له، وتلقيه هذا القصاص كان صباح عيد الأضحى، السبت الثلاثين من يناير لعام 2006، لم يكن يختلف عما حدث في زمن الخليفة هشام بن عبد الملك ( لم يكن في زمانه قوات للتحالف الدولي في العراق )، حيث ضحّى أمير العراق آنذاك خالد بن عبد الله القسري بخصمه الجعد بن درهم، وجزّ رأسه على منبر المسجد الذي كان يلقي من فوقه خطبة عيد الأضحى بعد أن كان قد خبّأه كالفأر تحت المنبر. في حين أن الطاغية ( أبو المجازر) تلقى محاكمة طالت عدة شهور بحضور طابور من المحامين العراقيين والعرب والأجانب، وكان يحضر لقاعة المحكمة مرتديا بدلته الأنيقة، وفي يده نسخة من القرآن الكريم ( لزوم التمثيل ) هذا القرآن الذي لم يردعه عن قتل ألاف ألآباء من بينهم أبي أحفاده زوج ابنته رغد المعجبة به وشقيقه. وفي ذكرى ميلاده الأولى بعد قبره غير المأسوف عليه، تكشفت معلومات ينبغى على فلول البعثيين أن يشكروا قوات التحالف عليها، لأن محاكمته لو تمت بإشراف عراقي فقط، لتم إعدامه صبيحة إلقاء القبض عليه في تلك الحفرة الحقيرة، وبطريقة كان أقلها واحدة من الطرق العديدة التي كان يستعملها مع من أعدمهم، مثل اللواء الطيار محمد مظلوم الدليمي الذي أطلق الرصاص على رأسه من مسدسه وبعد أن سقطت جثته على الأرض داس على رأسه بقدميه.
من هذه المعلومات بالإضافة للبدلة الأنيقة التي كان يرتديها في المحكمة، أن الجيش الأمريكي كان يوفر له طوال فترة سجنه السيجار الكوبي وصبغة الشعر وتنظيف الملابس بشكل مستمر خاصة عند مثوله أمام المحكمة، وتوفير الورق والقلم كي يتسلى بكتابة أكاذيبه التي يسميها ورثته مذكراته. وكما كان يشاهد الملايين جلسات محكمته فقد كانت تتاح له الفرصة لإلقاء خطاباته القومجية الكاذبة، كما كان في زمن تسلطه واستبداده يتغنى بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر للتغطية على جرائمه في داخل العراق وخارجه كاحتلاله دولة عربية هي دولة الكويت، وحرق وتدمير منشآتها النفطية وغالبية وزاراتها ومؤسساتها عندما أجبرته قوات التحالف الدولي على الانسحاب منها ذليلا مذلولا.

في الذكرى الأولى لميلاد الطاغية بعد قبره، يستمر البعثيون كعادتهم في الاختلاف والاتهامات لبعضهم خاصة بالخيانة العظمى والتعامل مع الاحتلال الأمريكي، ومركز الخلاف هذه المرة المطلوب للعدالة عزت الدوري أحد شركاء المقبور صدام في كافة جرائمه، وأهم الخلافات التي أثارها البعثيون ضد بعض:
أولا: المؤتمر الذي عقده بعثيون قيل أنهم منشقون في العاصمة السورية دمشق لغرض توحيد قيادته القومية بعد انشقاقها قبل ثلاثين عاما، فأصبحت للحزب اللاقائد قيادتان قوميتان ( صدامية وأسدية )، أقفلتا الحدود بين البلدين وقطعتا العلاقات الدبلوماسية وأرسلتا السيارات المفخخة لكل من البلدين على اعتبار شعار الحزب ( أمة مفخخة واحدة ). وقد اتهم المطلوب للعدالة عزت الدوري الذين حضروا ذلك المؤتمر بأنهم منشقون يقودون مؤامرة وأنهم مفصولون من الحزب أو سجلوا موقفا غير مشرف ومن بينهم محمد يونس الأحمد ومزهر مطني عواد وغزوان الكبيسي وطعمة ضعيف كيطان وجبار الحدوشي وعلي اللهيبي ) ومنهم من عاد إلى العراق أخيرا، ورغم عقد المؤتمر منذ شهور إلا أنه أعيدت تبادل الاتهامات في ذكرى ميلاد الطاغية المقبور.
ثانيا: قيام المطلوب للعدالة عزت الدوري بفصل ثلاثين قياديا وكادرا من عضوية الحزب من بينهم عشرون يقيمون في داخل العراق ويدينون بالولاء للقيادة التي يترأسها محمد يونس الأحمد، ولا تعترف بقيادة المطلوب للعدالة عزت الدوري الذي لا يعترف هو بها أيضا، تماما كمسلسل الانشقاقات التي كانت علامة تجارية مسجلة للحزب بفرعية الصدامي والأسدي.
وقد وصف عضو في القيادة القطرية الأحمدية ( محمد يونس الأحمدي ) قرار المطلوب للعدالة عزت الدوري ب ( أنه غير مسؤول ويفتقر إلى أبسط قواعد الانضباط الحزبي والسمو على الخلافات وأنه لا يخدم سوى الاحتلال والمتعاونين معه ) ومتهما الدوري ( بسلوكيات خاطئة جعلته يتهرب من عقد مؤتمرللحزب في أعقاب دخول القوات الأمريكية إلى بغداد عام 2003 ).

ويستمر الكذب والتضليل
وكالعادة، أسبغت بعض الكوادر البعثية على الطاغية المقبور من الأوصاف ما لم نستعمله في الثقافة العربية والإسلامية إلا للأنبياء والرسل، من هذه الأوصاف ذات النكهة الكريهة عندما تقترن بهذا الطاغية، وهي تتكرر يوميا في مواقع ( البعث المقاوم الذي لم يطلق رصاصة واحدة دفاعا عن بغداد ):
( القائد المجاهد سيد وأبو الشهداء) تخيلوا هذه المسخرة والدجل والتضليل!. هذا القاتل على الأقل لوالد حفيديه يصبح سيدا للشهداء، أي سيدا لحمزة بن عبد المطلب والإمام علي وولديه الحسن والحسين وعز الدين القسام والشيخ أحمد ياسين وألآف الشهداء على مرّ التاريخ العربي والإسلامي طالما تمّ تنصيبه أبا للشهداء!!.
( كل العراق شمعة تضيء ميلادك )، وهذه مهزلة مبكية، فالعراق كله بملايينه العشرين يضيئون شموعا في عيد ميلاد القاتل، وهي شموع فعلا ولكنهم يضيئونها على قبور ضحاياه في كافة أنحاء العراق من حلبجة و ضحايا الأنفال بالكيماوي على حسن اللامجيد، وعشرات من قيادات البعث من شفيق الكمالي إلى اللواء محمد مظلوم الدليمي.
( شهيد الحج الأكبر )، وهذه الصفة بصراحة لم أفهما فأي حج أكبر يقصد البعثيون؟ مثلا الحج لاحتلال دولة عربية هي الكويت وتدميرها وحرقها، أم الحج لتجفيف الأهوار العراقية، أم الحج لقمع انتفاضة الجنوب الشعبية بأسلحة وطائرات تبخرت عند دخول قوات التحالف التي أطاحت به وبنظامه؟.

بعثيون شرفاء يملكون ضميرا صادقا
ورغم هذا التضليل والكذب والتدليس يبقى هناك قيادات بعثية شريفة، لا يمكنها أن تنكر الجرائم التي ارتكبها ذلك الطاغية، لأنها ما زالت معاشة في المجتمع العراقي وذوي ضحاياها ما زالوا على قيد الحياة يذرفون الدموع ويقتاتون الحزن. من هذه القيادات البعثية الشريفة ( أبو يعرب ) الذي كتب في الأول من مايو 2007 في موقع ( الكادر ) مقالة بعنوان ( ردا على مقالة صلاح المختار quot; أوراق نيسان quot; )، جاء فيها حرفيا:
( ...الذي دفعني للرد على مقالتك هي عبارة أنت كتبتها في أوراق نيسان ( فأخلاق البعث هي صورة منفتحة من أخلاق الأمة كلها )، وأنا في خريف عمري ألآن هناك أسئلة لم أجد لها أي جواب رغم انتمائي للحزب من الخمسينات والستينات وإلى منتصف السبعينات، وكنت من البعثيين النشطين حيث عملت في الخط العسكري والمدني للحزب، وكنت أحد الكوادر المتقدمة ومن مؤسسي جهاز حنين قبل الثورة في الحزب، وقد تبوأت مناصب حساسة في الدولة وفي الحزب، ويعد تركي الحزب استدعيت في فترة الحرب العراقية الإيرانية، وقد قاتلت دفاعا عن العراق مع أبطال قاطع حنين من رفاق الدرب الذين اعتقلوا وعذبوا في مرحلة النضال السياسي والإيجابي، الذين اعتبرتهم قيادة الحزب مرتدين ومتخاذلين، ولم أغادر العراق لحد يومنا هذا، بل على العكس من المؤمنين بالمقاومة العراقية والمجاهدين الأبطال للتحرير، و ألآن سوف أذكر لك سيدي الفاضل الوجه الأخر لمسيرة حزبنا المناضل ومناضليه.
الرفيق الشهيد عبد الخالق السامرائي ( أبو دحام ) كان أحد ألمع مثقفي الحزب، تمّ إعدامه بدون محاكمة بعد سجنه سنوات. الرفيق الشهيد منيف الرزاز من مؤسسي الحزب ومفكريه، ولا أعلم كيف يتآمر على فكره ؟. أول مرة أسمع إنسان يتآمر على فكر هو ألفه وتبناه!. الرفيق الشهيد عبد الكريم الشيخلي اغتيل في الأعظمية أمام الناس وفي وضح النهار، وقتلته أجهزة المخابرات في الدولة وحزب البعث هو من يحكم، هل فتح تحقيق بالقضية؟. الرفيق الشهيد حردان التكريتي اغتيل في الكويت على يد الرفاق في مديرية العلاقات العامة، وكان الرفيق سعدون شاكر مديرا للعلاقات العامة وبمساعدة الأشقاء في دولة الكويت. الرفيق الشهيد محمد علي سعيد ( أبو علاء ) قائد الفرقة الثالثة صاحب الفضل على الحزب بإفشال مؤامرة عام 1970 . الرفيق الشهيد شفيق الكمالي الذي أعدم بدون ذنب بسبب المزاجيات الدموية للحزب. وهناك الكثير والكثير من الكوادر المتقدمة للحزب ومن مؤسسيه في العراق تمّ إعدامهم وسجنهم تحت شعار الثورة تأكل رجالها. كان الأجدر ببرنامج أوراق نيسان أن يذكر الوجه الآخر للحزب أيضا... هذا الحزب الوليد سرق اسم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي مات في نهاية الستينيات وخلط الأوراق تحت مسميات القومية العربية والتحرير . أما بالنسبة للرفيق المؤسس كان مجرد اسم لاستمرار الحزب الوليد في تحقيق المآرب الشخصية ). إن تقرير ومعلومات الرفيق ( أبو يعرب ) لا تحتاج لتعليقات فهي قاطعة وتثبت أن الطاغية وعصابته الذي يقتلون كل هذه الشخصيات البعثية، ليس غريبا عليهم حملات الأنفال وقصف مدينة حلبجة الكردية بالكيماوي الذي يحاولون أن يلصقوه بالجانب الإيراني الذي هو أساسا ليس أرحم من عصابات البعث وقائده الطاغية. ويمكن قراءة مقالة ( أبو يعرب ) كاملة على الرابط التالي:
www.alkader.net/maj/abyyarab_070502.htm


مساخر جديدة
ويستمر ورثة هذا العصابة في خلق مساخر جديدة يضحكون ويكذبون فيها على أنفسهم على أمل أن تصدقهم الجماهير، وإن صدقتهم نسبة من البسطاء، فأهالي الضحايا وهم بمئات ألالاف لا يمكن أن ينسوا، ف ( الدم ما بيصير ميّة ). من هذه المساخر الجديدة:

أولا: نشر التقارير وشهادة الشهود حول أن مؤسسس الحزب ( ميشيل عفلق ) قد مات على الدين الإسلامي وأن اسمه الإسلامي كان ( أحمد ميشيل عفلق )، وأن إسلامه كان عن طريق رسالة وجهها للطاغية القاتل صدام يخبره فيها أنه سيموت على دين الإسلام، ويستمر اختلاق الأكاذيب خاصة العثور على مصحف ميشيل عفلق وفيه نص هذه الرسالة، التي كتبها وهو في الطائرة التي كان يسافر عليها من باريس إلى بغداد عند تعرضها لخلل كان من الممكن سقوطها وموت من هم على متنها، و أن الرسالة مؤرخة في الثاني عشر من أكتوبر لعام 1980 أ أي قبل تسع سنوات من موته في عام 1989 ...( بركاتك سيدي ميشيل عفلق ). وضمن هذا السياق من التلفيقات والتخيلات المرضية لا أستغرب أن يعلن البعثيون الحج لقبري الطاغية صدام والرفيق المؤسس الشيخ أحمد ميشيل عفلق ( فضح الله والجرائم أسرارهما ). وهذه تذكرنا بنكتة العقيد الأخضر معمر القذافي عميد الحكام العرب، عندما اقترح في الثمانينات على المناضل الدكتور جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن يعلن إسلامه وأعطاه أسم( الخضر ) وفعلا كانت إذاعة الجماهيرية العربية الشعبية الديمقراطية ( جدا ) العظمى، تطلق عليه اسم (الخضر) كلما وصل في زيارة لتلك الجماهيرية!!.

ثانيا: وهو ما لم أصدقه أو اعتبرته نكتة رغم قراءتي له في أكثر من موقع إليكتروني مسنودا لجريدة الوحدة الأردنية، وهو أن شاعرا أردنيا ( ولن أذكر الاسم كي لا يفهم أنه تجريح شخصي لأنني أحترم هذا الشاعر شخصا وشعرا )، قد اختار يوم الثامن والعشرين من أبريل كيوم لذكرى ميلاد الطاغية المقبور ليكون اليوم والموعد لزفافه وزواجه، وسط أغاني التمجيد والذكرى العطرة والدبكات الشعبية..وهذا أمر شخصي من حق الشخص أن يعبر عن قناعاته كما يريد، ومن حق الآخرين إبداء الرأي عندما يتم خلط الأمر الشخصي بسيرة وذكرى طاغية قاتل هناك الملايين من العراقيين والكويتيين يتذكرونه باللعنات والدعوات له بالجحيم!!

ويكفي ضمن هذا السياق المليء بالدم والمقابر الفردية والجماعية نتذكر قول الشاعر: ( بعث تشيده الجماجم والدم )!!.
[email protected]