بعد أن يتسامى على الواقع الذي كان أساسَ نشوءِه يرحل الفكرُ رحلة داخلية يلجأ فيها الى نفسِه، إلى قوانينه الذاتية و علاقاته المجردة و يتوالد دون الحاجة إلى المزيد من الواقع إنما اعتمادا على قوانين الفكر المجرد حتى يجد نفسه في ارض غريبة، عند هذه النقطة بالذات يحتاج الفكر الى من يعيده بين الفينة و الاخرى الى المنابع التي نشأ منها. الجهد المطلوب جهد ارتجاعي آركيولوجي يمنع الفكر من حين إلى حين، ليس من الاغتراب، بل من الإيغال فيه.
و لكن مِن اجل مَن و ماذا ينبغي القيام بذلك؟
من أجل الحقيقة التي هي دائما في مصلحة الإنسان، أي من أجل ذلك الحامل للأساس الفسيولوجي للفكر و هدفه كما سعى، صوابا أم خطأ، كل الكبار من مفكري كوكبنا.
مثال
أعلنت الصين تخفيض توقعاتها بشأن معدلات النمو الاقتصادي بسبب الأزمة الحالية الى ما دون العشرة بالمائة و ربما تلجأ في وقت لاحق الى المزيد من التخفيض في أرقام التوقعات بعد أن كانت معدلات النمو فيها أكثر من عشرة في المائة و تمثل واحدة من أعلى معدلات النمو في العالم. و بذلك فإن الأزمة اذا ما تفاقمت ستصيب بضررها أولا سكان الصين الذين لا يمكن اعتبارهم من الرأسماليين أو المالكين، فعلاقات الإنتاج في الصين اشتراكية رغم ارتباطها بالسوق العالمي الرأسمالي.
و اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الضرر الذي سيلحق بسكان الهند مثلا جرّاء الأزمة اذا ما تفاقمت فإن سكان هذين البلدين سوف يشكلون حوالي 30 بالمائة من سكان العالم.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يتجاوزه الى ما هو ابعد من ذلك فالمتضررون من الأزمة في البلدان الرأسمالية المتطورة سيكونون في الغالب من الفقراء و محدودي الدخل و المتقاعدين.
لا خوف طبعا على الأثرياء فموجوداتهم تتراوح بين الموجودات السائلة في البنوك أو مجال الاستثمار و هذا ما يشكل في الغالب جزءا من ثروتهم التي تكون أيضا على شكل موجودات ثابتة مثل العقار و اليخوت و الطائرات الخاصة و الأحجار الكريمة و المعادن الثمينة.. الخ
و اذا ما أضفنا الى رقم الخاسرين فقراء و محدودي الدخل في بلدان العالم الذي كان يسمى الثالث فإننا سنجد أن الأزمة ستكون مؤلمة و قاسية على الفقراء و محدودي و متوسطي الدخل الذي لا يملكون شيئا او الذي يملكون القليل أي الذي يسعون الى إطعام أطفالهم و أنفسهم او الذين يسعون في احسن الاحوال الى اقامة مشاريع خاصة صغيرة او بناء بيوت لسكنهم.
و يبدو ان إحصائية بسيطة تعني أن الذي سيتضررون أكثر من غيرهم هم الأغلبية الساحقة من سكان العالم من الذين يسعون الى تلبية مستلزمات المعيشة الأساسية و ليس العيش الباذخ.
هكذا فان التمني بتفاقم الأزمة يتعارض مع مصالح الفقراء تماما و هم، كما اعلم، الموضوع الذي يعمل من اجله اليسار.
فما الذي جعل بعض اوساط اليسار تكتب و تصرح متمنية تفاقم الأزمة ؟
تغريب الفكر عن أساسه الانساني
و ضع مفكرو الاشتراكية و خصوصا ماركس الإنسان في مركز اهتمامهم فكتب ماركس خصوصا في الفصل الخاص بأصل رأس المال واصفا ظروف نشأة ما عُرف بالتراكم البدائي أن علاقات الإنتاج الرأسمالية قد اُسِست بالحديد و النار. في هذا الفصل سلط ماركس الضوء على القوانين التي سُنّت في انكلترا من اجل فصل عامة الناس عن الاراضي الرعوية الشاسعة بواسطة ما عُرف في حينها بسياسة التسييج التي يصار فيها الى تسييج الاراضي العامة غير المملوكة لأحد من اجل جعل أوساط واسعة من عامة الناس بدون عمل، ثم دُعم هذا القانون بصدور القوانين الخاصة بمكافحة التشرد التي تطارد المشردين و تكرههم على العمل. و كما رأى ماركس و حلل مدعوما ببراهين محكمة من الوقائع و نصوص القوانين فان الدولة كممثل لرأس المال لم تترك أي فرصة لأوساط واسعة من الناس من الذين عزلوا عن أية وسيلة أخرى للعيش سوى اللجوء الى بيع قوة عملهم في ظروف الاستغلال شديد القسوة في تلك المرحلة التي تمثل بداية التراكم الرأسمالي.
لكن ماركس لم يلجأ الى التنبؤ بزوال الرأسمالية و حلول الاشتراكية اعتمادا على الحس الإنساني و نداء العدالة فهذا في كل الأحوال أمرٌ أخلاقي أكثر منه أمرٌ علمي، فصار الى تحليل علاقات الإنتاج نفسها و رأى أن التناقض بين الشكل الخاص للملكية و الطابع الاجتماعي للعمل سيؤدي الى عجز علاقات الإنتاج الرأسمالية عن الاستجابة لمتطلبات تطور القوى المنتجة، هذا التناقض الذي سيكون في مرحلة من مراحله مستعصيا يؤدي حتما الى التغيير.
لسنا بصدد الحديث عن الأسباب التي أدت الى عدم تحقق ما توقعه ماركس أو تحققه بشكل جزئي و لكننا بصدد الحديث عن انه كان يضع الانسان في مركز اهتمامه و سعى الى تحقيق علاقات انتاج تؤدي بالانسان الى اقصى درجات تحقيق الذات بالانتقال من ملكوت الضرورة الى ملكوت الحرية.
و لكن فكر ماركس قد اصبح فيما بعد أساسا لأنظمة شمولية استخدمت فكر ماركس و تأويلاته ضد الإنسان فيما يفترض انه لصالحه.
عصرنا و أزمة الفكر الاشتراكي
في عصر انتصار أفكار الاشتراكية و هيمنتها على عقول و قلوب الملايين من الناس طرح ممثلوها أفكارا تتعلق بعدم جدوى حل مشاكل الرأسمالية لأن ذلك يعرقل إحداث تغيير نوعي إذ رأوا أن الحل النهائي لأزمات الرأسمالية يكمن في تغييرها و ليس في ترقيعها حسب تعبيرهم.
كان الوقت يسمح لهؤلاء المفكرين بطرح بديل نظري ( أؤكد هنا على كملة نظري ) متماسك لنظام اجتماعي قادر على القضاء على كل الأزمات و قادر على تحقيق مجتمع منسجم. هذه الإمكانية غير متوفرة الآن لا من الناحية النظرية و لا من الناحية التطبيقية، فلا احد من مفكري عصرنا الحالي استطاع أن يطرح مشروعا متكاملا لدراسة إخفاقات الدول الإشتراكية وسقوطها و كيفية تجاوزها و لا احد يدعي الآن أن هناك نظاما يستطيع أن يتجاوز النظام الرأسمالي حتى على الورق و كل المحاولات النظرية لليسار لا تتجاوز نتفا مجزأة لا ترقى الى عمل موحد متماسك.
و لكن المشكلة أكثر شمولا من ذلك، إذ تبدو متضائلة أكثر من أي وقت مضى إمكانية وضع نظرية استباقية تحدد نموذجا يمكن تحقيقه في وقت لاحق، و اذا ما كانت محاولة كهذه قد فشلت متمثلة بسقوط الأنظمة الاشتراكية التي تم تأسيسها على ضوء النظرية الاستباقية، فإن محاولة قادمة ستكون اقل حظا بكل تأكيد لان عالمنا أصبح من التعقيد و التسارع بحيث لا يمكن لأية نظرية استباقية ان تحيط به و ستكون التغييرات التي تطرأ على الواقع أسرع من الوقت الكافي لوضع أية نظرية حيث ستتقادم و تشيخ بسرعة كما تتقادم الأجهزة المنزلية و الالكترونيات بمجرد وصولها الى المشتري بسبب سرعة تطور التكنولوجيا.
و يبدو من المنطقي أن يتم دائما التعامل مع الواقع و متغيراته بشكل متواصل بدون اية نظرية فالنظرية في وقتنا الحاضر لن تكون سوى دين جديد و عقائد جامدة و ليس بوسعها أن تكون غير ذلك.
لكن افتراضات عامة تبدو ممكنة:
ـ ان النظام الرأسمالي ليس الشكل النهائي الخالد للعلاقات الاقتصا ـ اجتماعية و إن البشرية لا بد ان تتجاوزه في مرحلة ما لا يمكن تحديدها، و لكن التجاوز هذا لا يمكن ان يكون مفتعلا و ارادويا.
ـ الشكل القادم لهذا النوع من التشكيلة الاقتصا ـ اجتماعية لا يمكن تحديده بدقة.
ـ آليات نمو عناصر التكوين الجديدة تنشأ و تتعزز في ظل النظام القديم. و يبدو أن هذه العناصر بدأت فعلا تتكاثر الى الحد الذي سوف تؤدي إلى تغيير نوعي في مرحلة من المراحل .
ـ الرأسمالية تجد أن لا مفر من التخطيط و رأسمالية مخططة تعني لا رأسمالية بمعنى من المعاني.
ـ الثورة لم تعد الوسيلة القادمة للتغيير و سيكون التغيير أكثر سلاسة و أقل إيلاما من السيناريو الثوري.
موقف الطبقة العاملة و الشغيلة
هناك تغييرات نوعية طرأت على طبيعة العمل و بالتالي على طبيعة الطبقة العاملة و قد ورد في مقال سابق أن احد تلك الملامح هي تقلص الفرق حد الزوال في بعض الاحيان بين العمل اليدوي و العمل الفكري في ظل الرأسمالية نفسها، كما ان الطبقة العاملة و مجمل الشغيلة لم يعودوا يطرحون مسألة التغيير بل التحسين.
يكفي ان ننظر إلى الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية فنجد إنها اندمجت بالمجتمع الرأسمالي و إنها تطرح المزيد من تحسين الاجور و ظروف العمل و الحريات العامة و لم تعد هذه الطبقة هي نفس الطبقة التي قال عنها ماركس انها سوف لن تخسر سوى اغلالها، بل الحقيقة أن هذه الطبقة باتت تخسر الكثير اذا ما تعرضت المجتمعات التي تعيش فيها الى هزات اقتصادية و اجتماعية كتلك ا لتي تحدث الآن.
تقلص الشعور و انعدم تقريبا في البلدان الرأسمالية في أن البنية التحتية المؤسسة في هذه البلدان الرأسمالية من شوارع و مواصلات و خدمات عامة... إلخ هي ملك للرأسماليين، و يشعر العمال بقوة انها تعود لهم بنفس القدر باعتبارهم دافعي ضرائب و مستفيدين منها.
و يرى كثيرٌ من ممثلي العمال و من بعض اطراف اليسار ان التحسن مستمر و يقود باستمرار الى نتائج لصالح الانسان و لم تنشأ و من المستبعد أن تنشأ في المدى المنظور حالات استعصاء تستدعي التغيير بالعنف عن طريق الثورات و ازدادت القناعة بآليات التغيير السلس و زاد الايمان بالديمقراطية و التداولية و قل الشعور بطبقية الدولة.
لكن الفكر له قوة الاستمرار حتى مع انقطاعه عن جذوره و قد نسيت تماما ظروف نشأته و لم يطرح العقائديون على انفسهم هذه التغييرات جديا لأخذها بنظر الاعتبار في استنتاجات قادمة و بقيت ثمة أفكار رغم زوال المقدمات التي نشأت عنها.
الإطار العقائدي للفكر
و هكذا نجد أن ديناميكية الواقع تلزم الفكرَ أن يتحرك و يتغير في مليارات الأدمغة بحركة الواقع و تغييراته و لكن الفكر يُجرد من حركته و تفرض عليه حالة من السكون بإرادة بشرية معينة و بعدة طرق ولعدة دوافع أهمها بأن يصار إلى جعله ضمن منظومة عقائدية تدافع عن سياجها ضد التغيير.
و بما أن الواقع لا يتوقف عن التطور و الحركة، و بما أن الفكر قد أُضفي عليه طابع العقيدة، و بما أن العقيدة ( ثالثا) قد خلقت انصارا و منتفعين و خصوصا في تحولها هنا و هناك الى سلطة فإن جهودا تبذل من أجل ثبات الفكرة و منعها من الحركة على خلاف ميلها العام و طبيعتها الملازمة، جهودا مدعومة بأوساط منتفعة تستعمل الوسائل القسرية أو أوساط جامدة لا تمتلك القابلية على التغيير وتدعم فكرا ما ليس استنادا إلى صوابه و منفعته للإنسان و انما استنادا الى مجموعة جامدة من العواطف و الاحكام، سنجد دائما اوساطا تعمل كل ما في وسعها لمنع اعادة تقييم الفكر و تأهيله لديها و لدى غيرها من الناس بكل الوسائل المتاحة.
و وسط زحمة من الصراعات الفكرية المتشابكة و عدم اليقين ينبغي الوصول الى ثوابت و مشتركات أهمهما و أكثرها جوهريا إعادة الاعتبار للإنسان و وضعه في مركز اهتمام الفكر و جعله معيارا و أن يصار بين حين و آخر أن نطرح على الذات السؤال: هل هذا في مصلحة الإنسان ام انه يتعارض مع هذه المصلحة؟
العولمة و ادراك الضرورة
بدت العولمة لبعض منتقديها مفاجأة غير سارة أو كائنا غريبا قادما من كوكب آخر و ليس تطورا مرتبطا بقوة بتطور عالمنا و قبل كل شيء بتطور القوى المنتجة، و يصار إلى شتم العولمة التي quot; افسدت كل شيء quot;. صرح حتى quot;سياسيونquot; محترفون ينتظر منهم أن يتناولوا ظواهر عصرنا بطريقة بعيدة عن المزاجية بأن العولمة قد قطعت طريق التطور الذي كانوا رسموا بعض ملامحه و حلموا به، و صُوّرت العولمة كشيء ما كان مختبئا في أحدى أزقة المسالك البشرية ظهر فجأة و افسد مسيرة الأحلام، و لم يخطر ببال هؤلاء الساسة أن عموم الناس قد ميّزتهم عن نفسها بأن منحتهم القيادة لكي تكون مهمتهم الأساسية أن يكشفوا ظواهر عصرنا دون ان يفاجئوا بها انطلاقا من مقدمات نشوءها التي كانت تلوح و تتعزز من وقت ليس بالقصير.
العولمة هي الخروج عن الاطار الوطني و القاري الضيق الذي يحد من تطور القوى المنتجة مع كل ما يستلزمه هذا الخروج من انظمة حكم مكيفة و مؤسسات دولية الى اشكال متطورة من الاتصال و المعلوماتية. و بحكم ارتباطه بتطور القوى المنتجة فإن هذا الخروج عن الأطر quot;الضيقةquot; يمكن ان يتحقق نظريا في ظل أي شكل سائد آخر من علاقات الإنتاج بما في ذلك علاقات الإنتاج الاشتراكية و ليست العولمة مرتبطة حصرا بالشكل الرأسمالي الذي تتلبسه الآن، على أن من المناسب الإشارة عندئذ ( أي في حالة تحقق العولمة في تشكيلة اقتصا ـ اجتماعية اخرى ) إلى أن اهداف العولمة و الجهة المستفيدة من المزايا التي سوف تحققها و ملامح تفصيلية سوف تختلف دون اختلاف المسار و الجوهر ( ألم يكن ما سمي بالكوميكون بمثابة محاولة لتأسيس مؤسسة عولمية اشتراكية؟ ).
ربط ماركس فلسفيا في حزمة افكاره المتنوعة التي تتسم بإتساق نادر بين الحرية و الضرورة في تناوله للثنائيات المتناقضة و المتكاملة في آن معا ضمن اطار الجدليات الهيغلية التي قام بإعادة تأسيسها على قاعدة مادية فوجد أن الحرية هي إدراك الضرورة. و بما أن العولمة ضرورة أي حتمية نتجت عن المسار الطبيعي للبشرية في تطوير قواها المنتجة فإن من الضروري فهمها للتحكم في مساراتها أو تكييف هذه المسارات . فالظواهر الكبرى في حياة البشر يمكن التأثير عليها و تعديل وظائفها لانها في نهاية المطاف فعلٌ بشري، و هي ليست قوى عمياء الا بقدر جهلنا بها. و وجد أن الجهل بالظاهرة سواء كانت ظاهرة طبيعية أو اجتماعية هو الذي يقيد الحرية.
التعامل مع العولمة و فق هذا المفهوم يقوم على معرفة الفاعل السياسي لمختلف القوى الاجتماعية ذات المصالح المختلفة في عصرنا و التي تحاول أن تجر مسار العولمة لصالحها و تنشيط الفعل البشري لصالح تلك الفئات الاجتماعية التي نعمل على تمثيلها، و بامكان العولمة ان تكون و سيلة لسعادة البشرية و زيادة الترابط و حرية الحركة و تبادل المعلومات و إعادة توزيع الدخل على مستوى عالمي وفردي.
و من الممكن لها أن تكون وسيلة من اجل تحقيق المزيد من الارباح للمؤسسات الكبرى المعولمة و إلغاء الخصوصية الوطنية و خلق عالم ممل رتيب و تلويث غير مسبوق للبيئة.
ليس المطلوب شتم العولمة و البكاء على أطلال عالم حلمنا به لم يتحقق بل الانخراط في فعل العولمة و تفعيل القوى الاجتماعية بإدراك أن تحويل مسار شيء لا يمكن تجنبه يكون بإدراك قوانينه. هذا هو بالضبط ما يمكن ان نسميه ادراك الضرورة، و هنا فقط تكمن الحرية و تحرير الفعل من قيوده العفوية و ليس التفكير بأسى بعالم لا يمكن استعادته.
العولمة و القوة الهشة
العالم القائم الآن عالم ثري و يمتلك مقدارا من القوة و الثراء لم تكن متاحة ابدا في أي وقت مضى و لكن هذا الثراء الاجمالي لكوكبنا يرافقه فقر مدقع غير مسبوق، الحرية فيه مشفوعة بالعبودية و الظلم و هضم الحقوق، الديمقراطية و حقوق الإنسان يرافقها مصادرة الحريات على نطاق واسع وتهديد حياة الإنسان وحريته في مكان آخر بدعم من نفس تلك الأنظمة التي تعمل بموجب قواعد الديمقراطية... الخ.
أصبح الترابط و المساحة التي يتحرك عليها رأس المال المعولم من السعة و الترابط بحيث أن الأمراض التي تصيب فرعا من فروع الاقتصاد تنتقل بسرعة متجاوزة الحدود و الموانع لتضرب ضربتها بقوة على الطرف الآخر من الكوكب قبل أن يكون بمستطاع احد اتخاذ إجراء ما.
و بدا أن مجموعة صغيرة من الإرهابيين أو المغامرين تخطط بعناية بوسعها أن تلحق أضرارا فادحة بالاقتصاد العالمي في عمل واحد يصيب منطقة محدودة جدا من كوكبنا و بدا واضحا للعيان أن الترابط الوثيق المعولم للاقتصاد و التأثير المتبادل و سرعة وصول المعلومات من الممكن ان تتحول الى سلاح فاعل يلحق الضرر بملايين الناس، ففي كل ركن من أركان الكوكب أصبح لإي كان ان يتابع اخبار البورصة و اسواق المال و ان يؤسس استنتاجاته الخاصة، و بات بمستطاع رعب عام او انهيار في الثقة في المؤسسات المالية ان يقود الى انهيار غير مسبوق في اقتصاديات العالم حتى لو كان هذا الرعب مؤسسا على الوهم، و بحكم الترابط و المعلوماتية و بحكم تحول عالمنا الى قرية صغيرة أصبح بمقدور اشاعة واحدة مصاغة بعناية يمكن ايصالها الى وسائل الاعلام أن تتحكم بمليارات الدولارات.
إن عالما اكثر قوة ينبغي أن يكون عالما أكثر عدالة.
منير العبيدي
[email protected]