قصتنا مع انتخابات أمريكا في خريف 2008م مثل قصة علم جير العامل البنغالي مع أزمة الرهن العقاري الأمريكي، فعندما أحدثه عن إفلاس البنوك الأمريكية يقول ما في معلوم؟
ونحن أيضا ما في معلوم..
نحن خارج اللعبة ولا نفهمها، إلا مثل فلاح مصر في رياضيات التفاضل والتكامل، فإذا ربح الأسود لن نربح، وإذا ربح الأبيض خسرنا بكل تأكيد..
وأظن أنه مع صدور مقالتي هذه أن يكون قد اعتلى العرش الأمريكي رجل منهم يقال له أوباما؟
وقد ينكس في اللحظة الأخيرة فيكون المكين غير الأمين؟
والعامل البنغالي علم جير أسأله عن رأيه السياسي بين الحين والآخر فهو الذي لفت نظري أن الانتخابات اقتربت (قال بالإنجليزية إيليكشن؟) قلت له ومن سيربح بنظرك ومن سيكون أفضل من الاثنين؟
أجاب وقد بدت على وجهه علامات الإحباط الكل واحد... سوا سوا ... همار كبير؟؟
وأظن أن حدس العامل البنغالي البسيط يعطينا الإشارة عن مصير الانتخابات الرئاسية في أمريكا، ومن سيربح وأثره علينا..
فهناك من يتفاءل بشبه الأسود أوباما، أنه سيتعاطف مع الملونين وقضايا العرب، وهو وهم كبير، وهو قد يكون أشد خطرا على السود من البيض وضربا للعرب من بوش سيء الذكر؟
والبعض يقول إن أصوله من المسلمين فلا شك أن الإسلام سينتعش في أمريكا على يديه، وأولئك لا يعرفون البيض ولا السود ولا الإسلام في أمريكا ولا آليات السلطة والحكم في أمريكا..
واستفدت من ابنتي التي تتنقل في العالم جدا وتعرف أمريكا أكثر من بلدها الذي ولدت فيه، كما هو الحال معي في ألمانيا، قالت بابا حين تتقدم إلى موظف جمارك أو جوازات فاعتمد التسلسل التالي؛ رجل أبيض ثم امرأة بيضاء ثم رجل أسود وأخيرا امرأة سوداء..
وقد يقول قائل إنها عنصرية كما غضبت عائشة حين كتبت عن زواج 82 سنة بفتاة 28 سنة، ولكنها الوقائع الأرضية، وهي فكرة استفدتها من ابن خلدون عن تقرير ما يجري على الأرض أكثر مما نحلم بحصوله في السماء..
وأذكر يوما من دمشق وأنا أقدم فحص اللغة الإنجليزية من أجل السفر لأمريكا وكان الممتحن في السفارة رجل أسود تفاءلت به أخيرا ولم أعلم أنهم قد يكونوا أشد علينا من البيض..
وهي ومن خلال خبرتها الطويلة في الحدود شعرت بشي سيكولوجي، له خلفيته التاريخية، التي تنطبق على الكثيرين وليس الكل، فالسود يحرزون تقدما يوميا على كافة الأصعدة، وقد يمسكون أمريكا يوما، كما أمسكت طوائف في الشرق مجتمعات غالبيتها سنية...
والمشكلة السيكولوجية أذكرها من كتاب شبهات حول الإسلام، ومؤلفها يناقش مسألة الرق في الإسلام، أن بعضا من العبيد الذين حرروا في أمريكا رجعوا إلى سادتهم يطلبون منهم العودة للعبودية، وهو أمر قد يحدث، وأذكر من فيلم هرب السجين (Shaw shank Redemption) أن من يخرج بعد فترة حبس طويلة لا يطيق الحياة العادية وينتحر، وهو مصير البعض ممن سجن في جزيرة الشيطان في غوايانا الفرنسية..
وفي مونتريال في كندا يخالف الأسود فترهبه الشرطة لأنه سوف يصرخ فورا أنه يعامل بتميز وتحيز لأنه أسود؟!
ولذا فالمسألة هي أعمق بكثير مما نتصور، ومنها مسألة أوباما فيجب أن لا نستبشر بقدومه كثيرا، على فرض أنه فاز، فكلا المرشحين لا يختلفان عن بعض في شيء، أكثر من الفرق بين فردتي حذاء..
وأول فريضة لهما زيارة بني صهيون، ولبس القبعة وهز الرأس حتى يرضى عنهم الحكماء من بني صهيون.. وهو ما فعله أوباما فحج إلى تل أبيب، وأعلن القدس عاصمة أبدية ليهود؟؟؟
والأبدية لله تعالى..
وحين ابتلع الصليبيون القدس عام 1099م وذبحوا أهلها، قالوا أنهم جالسون فيها إلى يوم القيامة، فأخرجهم منها الكردي صلاح الدين بعد ثمانين سنة؟؟
وهتلر حين جاء للحكم قال إن الرايخ الثالث سيبقى ألف سنة، فدمر بعد 12 سنة تدميرا؟؟
وأبو طلال البعثي من قرى حمص قال لي يوما وأنا في سجن الشيخ حسن لقد مضت أيام الانقلابات ونحن سنحكم البلد إلى قيام الساعة؟!!..
وهذا الكلام قد يغضب البعض أو يعتبر أنه ضد السود والمسألة هي سيكولوجية يجب الاعتراف بها، وأن الجنس البشري يحتاج إلى وقت طويل حتى يتحرر من أمراض العنصرية والعشائرية والطائفية والحزبية والعائلية والعرقية والجنسية فيحكم بالعدل على صراط مستقيم..
وأرسل لي صديقي الحاج من أمريكا الذي عاش في جدة فترة طويلة، وكان ممن هرب من بلده الأفريقي، ثم ضرب معه الحظ فأخذ هجرة إلى أمريكا، فأرسل لي يقول إنه لم يشعر بالحرية إلا في أمريكا؟
ومرة أخرى مع هذه القصة نرجع إلى الدوائر السيكولوجية، وأن رصيد الحرية داخلي أكثر من كونه أمريكيا؟ مما جعلني أذكره بقصة الفيلسوف ابكتيتوس الذي سأله تلميذه عن الحرية فقال له هل يستطيع احد أن يكرهك على تصديق ما ليس بصدق؟ أجاب: لا
قال الفيلسوف سائلا من جديد: وهل يستطيع أحد أن يكرهك على فعل ما لا تحب؟
قال نعم إذا هددني بالحبس أو الموت!
قال الفيلسوف فإذا لم تخش من الموت والحبس هل يستطيع؟
قال : لا
قال الفيلسوف ابكتيتوس للتلميذ: أنت وقتها حر..
وهكذا فرصيد الحرية داخلي، فكم من أحرار في مظهرهم، ولكنهم عبيد في حقيقتهم، وكم من سود هم أفضل أحرار الأرض..
ومن رفع أول أذان كان عبدا أسودا حرره الإسلام يلمع جلده تحت الشمس..
كنت في مدينة جيلزكيرشن بور من منطقة الرور في ألمانيا اختص في جراحة الأوعية الدموية حين دنا موعد الانتخابات الرئاسية في ألمانيا وهي هناك المستشار، وليس كما في أمريكا برزدنت؟
قلت له متى ستصوت ؟ قال لست بذاهب ولن أضيع وقتي؟ قلت له لماذا؟ قال: كلهم نفس القذارة التي تحوم حولها الذباب..
بقي أن نقول في الأخير أن انتخابات أمريكا وألمانيا يضحكون فيها على الناس، بحلاوة المال وحملات الانتخابات، التي تمولها مؤسسات المال العملاقة، أما في الشرق المنكوب فهي مسيرة بقوة الجندرما وخناجر الحشاشة وشوارب المخابرات، والنتائج فيها محسومة سلفا بين 98 و99,99%، وفي انتخابات صدام الأخيرة رفع النسبة إلى مائة بالمائة، فكان إيذانا بموت الأمة إلى الصفر، وموعدا مع الشنق والمشنقة هو وأخوه برزان، فما كان لهما من دون الله من وال..