يحاول كثير من المهتمين والمتابعين لما يجري في العالم الإسلامي أن يقيموا علاقة ورابطاً بين ما بات يتسم به الخطاب الحركي الإسلامي، في بعض تجلياته وحركاته وتياراته، من عنف رمزي موجه تجاه الآخر على اختلاف مستوياته وتمظهراته، وبين منعكسات
ذلك على السلوك الجمعي لمنتسبي تلك التيارات وما يمارسونه من عنف عملي قد يتخذ طابع التفجير أو القتل أو التخريب وحتى الإرهاب بمفهومه الغربي الفضاض والمسيس في كثير من الأحيان.
وعلى الرغم من تناسل الكتابات المتناولة لمفهوم الإرهاب والمحللة للدوافع النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المكونة لسلوك وعقليات المدبرين والمنفذين لفكر التشدد الإسلامي، إلا أننا قلما نجد دراسة تتناول أثر العامل الجنسي في تكوين الفكر والعقلية المتشددة وما يترتب عليها من سلوك على حد سواء.
يندرج كتاب الدكتور عبد الصمد الديالمي، أستاذ علم اجتماع في جامعة فاس بالمغرب، ومدير مختبر الدراسات الاجتماعية حول الصحة، laquo;المدينة الإسلامية والأصولية والإرهابraquo; ضمن هذا السياق، إلا أنه يولي أهمية خاصة للعامل الجنسي في تشكل الشخصية الأصولية المتشددة والإرهابية وسماتها، مستثمراً ما شهده المغرب من صعود حركات متشددة وأحداث عنف وتفجيرات مسرحاً لدراسته. وفي الوقت الذي لا ينكر فيه الكتاب أهمية العوامل الأخرى، الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية،، في قراءة فكر وممارسات الحركات المتشددة إسلامياً، إلا أنه يختار مقاربة الموضوع من الجانب الجنسي والنفسي بهدف إغناء الدراسات المتناولة لظاهرة نمو العنف والتشدد في العالم الإسلامي.
تقوم فرضية الكتاب على التأكيد على ارتباط الحرمان الجنسي بالظروف الاجتماعية والسكنية بوجه خاص، ففيما تتميز هذه الظروف بالإثارة الجنسية فإنها لا تسمح بإرضائها إذ ينحدر المتشددون في المغرب من أحياء فقيرة ومهمشة في المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء. وتتميز مساكنها بالضيق والاكتظاظ وانعدام الخدمات الصحية والتعليمية.
ويحاول المؤلف بناء علاقة بين ما سماه الجنسانية والمجال على الصعيد النظري، والذي نتج عنه تشخيص أربعة أنماط علائقية بين المجال والجنس هي: النمط اللساني، النمط الرمزي، النمط الوظيفي، النمط المنطقوي. وهو ما مكن من اعتماده فرضية الوساطة المسكنية والمجالية بين الجنس والأصولي. إذ يرى المؤلف أن عدم وظيفية المسكن العربي الجنسية تلعب دوراً في انسداد الشخصية وتشددها الأخلاقي. ويرتبط أيضاً برغبة في العودة إلى تقسيم منطوقي للمجال يستعيد بفضله الرجل المسلم كل امتيازاته وسلطته التي يهددها الاختلاط الحداثي بين الجنسين.
يقدم الكتاب بعد ذلك قراءته في أحداث الإرهاب في المغرب منذ سنة 2003، مبيناً أن تفجير الذات هو نوع من الهجرة غير المشروعة، أو laquo;حريكraquo; باللهجة المغربية. إذ تعني الهجرة السرّية نحو الشمال في قوارب الموت من شمال المغرب إلى إسبانيا. ويربط بين هذا الحريك نحو أوروبا والمتخذ طابعاً أفقياً وبين حريك الإرهابي المفجّر لذاته قبل تفجيره للآخرين، والذي يتجه عمودياً من الأرض إلى السماء، من جحيم الحياة إلى جنة الخلد.
ويشير الكتاب إلى ما يثيره حضور المرأة في الشارع العربي من سلوكيات ذكورية عنيفة، تنطلق من النظرة مروراً بالمعاكسة والتحرش وانتهاء بالاغتصاب،. ويرجع ذلك إلى كون الفاعل الاجتماعي العربي يحمّل المرأة مسؤولية التفكك الأخلاقي والاجتماعي الذي تعاني منه المجتمعات العربية التي لا تفرض الحجاب أو الفصل الصارم بين الجنسين.
ويلمح إلى أسباب رفض الشرائح الاجتماعية العربية الفقيرة الحداثة الجنسية بدعوى أنها تتعارض مع الإسلام والعودة إلى الهوية، فظروفها المعيشية لا تساعدها على المشاركة وتقبل الليبرالية الجنسية واستيعاب أخلاقياتها. وبالنسبة للمسلم الفقير والمقهور، تشكل النظرة إلى النساء المتبرجات واللاتي يستطعن الضحك والكلام بصوت عال دون أن يصطحبهن أحد قلقاً كبيراً. ويرى المؤلف أن كل هذه quot;البراهينquot; النفسية الاجتماعية تمكن من اعتبار quot;الإسلامويةquot; حنيناً وتطلعاً لا شعورياً إلى جنسانية مرضية وكاملة. يبدو معها الإشباع الجنسي أكثر تعذراً في المساكن ذات الكثافة السكانية المرتفعة، كما أن السلوكيات الجنسية الترقيعية التي يمارسها الشباب العزاب لا تحقق رضا جنسياً. فيما النساء بدورهن يرفضن جنسانية ذكورية لا تبادل ولا تحقيق للذات فيها.
ثم يقفز إلى الافتراض أن quot;الإسلامويةquot; يمكن أن تعبّر عن تطلع لا شعوري لذروة جنسية متعددة مع زوجات متعددات. إذ يفضي العجز الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يعاني منه المسلم المقهور ويمنعه من التحكم بالنساء إلى التشبث بقوة بإسلام يحفظ له امتيازاته الذكورية، بصرف النظر عن أوضاعه المادية، انطلاقاً من ضرورات فحولته المزعومة اجتماعياً ونفسياً.
ويعتبر المؤلف أن رفض الإسلاموية للحداثة الجنسية يكمن في رفضها الربط بين المتعة الجنسية والزواج، مفضلة مفاهيم الإنجاب وتعدد الزوجات للتغطية على تلك المفاهيم التي اعتبرها حداثية فقط؟! ليقرر بجلاء أن quot;الإسلامويةquot; بوصفها مشروعاً سياسياً لا تزهد في السلطة أو في الجنس، بل تسعى إلى استعادة الرجل المسلم لامتيازاته التعددية، محاولة مقاومة تحديث العلاقات بين الجنسين وتحديث العلاقات الجنسية.
على الرغم من طرافة موضوع الكتاب وقلة المراجع والدراسات المتناولة لهذه الزاوية من تحليل شخصية المتشدد quot;الإرهابيquot; وعقليته، إلا أن النتائج البسيطة التي توصل إليها المؤلف في سياق البحث، فيما يخص تشدد نظرة الإرهابي أو المتشدد إلى المرأة والعلاقة الجنسية معها، لا يمنحه حق القفز إلى استنتاجات كبرى تتعلق برؤية الحركات الإسلامية ومنتسبيها بوجه عام، ووسمها بممارسة الكبت ومقاومة النزعات الجنسية لأفرادها، وتغطية ذلك أحياناً بمفاهيم القوامة والإنجاب وغيرها لتبرير ما سماه باستمرار السيطرة الذكورية على الأسرة العربية.
والغريب أن المؤلف إذ يدعو إلى الحداثة الجنسية والتخلص من الرؤية الإسلاموية المهيمنة على المجتمعات العربية والمسلمة، ينسى أو يتناسى أن مفاهيم حداثية أخرى أكثر أهمية فشلت في إثبات ذاتها اجتماعياً واقتصادياً وفكرياً، وأن الإرهابي المستعد للتضحية بروحه، بصرف النظر عن اتفاقنا معه في معقولية الوسيلة والغاية، لا يمكن أن نرد دافعه إلى ذلك إلى مجرد كبت جنسي أو عجز عن إثبات فحولته الذكورية في مجتمع بات معظم أفراده يعاني من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، وليس وحده فقط.
المدينة الإسلامية والأصولية والإرهاب |
وعلى الرغم من تناسل الكتابات المتناولة لمفهوم الإرهاب والمحللة للدوافع النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المكونة لسلوك وعقليات المدبرين والمنفذين لفكر التشدد الإسلامي، إلا أننا قلما نجد دراسة تتناول أثر العامل الجنسي في تكوين الفكر والعقلية المتشددة وما يترتب عليها من سلوك على حد سواء.
يندرج كتاب الدكتور عبد الصمد الديالمي، أستاذ علم اجتماع في جامعة فاس بالمغرب، ومدير مختبر الدراسات الاجتماعية حول الصحة، laquo;المدينة الإسلامية والأصولية والإرهابraquo; ضمن هذا السياق، إلا أنه يولي أهمية خاصة للعامل الجنسي في تشكل الشخصية الأصولية المتشددة والإرهابية وسماتها، مستثمراً ما شهده المغرب من صعود حركات متشددة وأحداث عنف وتفجيرات مسرحاً لدراسته. وفي الوقت الذي لا ينكر فيه الكتاب أهمية العوامل الأخرى، الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية،، في قراءة فكر وممارسات الحركات المتشددة إسلامياً، إلا أنه يختار مقاربة الموضوع من الجانب الجنسي والنفسي بهدف إغناء الدراسات المتناولة لظاهرة نمو العنف والتشدد في العالم الإسلامي.
تقوم فرضية الكتاب على التأكيد على ارتباط الحرمان الجنسي بالظروف الاجتماعية والسكنية بوجه خاص، ففيما تتميز هذه الظروف بالإثارة الجنسية فإنها لا تسمح بإرضائها إذ ينحدر المتشددون في المغرب من أحياء فقيرة ومهمشة في المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء. وتتميز مساكنها بالضيق والاكتظاظ وانعدام الخدمات الصحية والتعليمية.
ويحاول المؤلف بناء علاقة بين ما سماه الجنسانية والمجال على الصعيد النظري، والذي نتج عنه تشخيص أربعة أنماط علائقية بين المجال والجنس هي: النمط اللساني، النمط الرمزي، النمط الوظيفي، النمط المنطقوي. وهو ما مكن من اعتماده فرضية الوساطة المسكنية والمجالية بين الجنس والأصولي. إذ يرى المؤلف أن عدم وظيفية المسكن العربي الجنسية تلعب دوراً في انسداد الشخصية وتشددها الأخلاقي. ويرتبط أيضاً برغبة في العودة إلى تقسيم منطوقي للمجال يستعيد بفضله الرجل المسلم كل امتيازاته وسلطته التي يهددها الاختلاط الحداثي بين الجنسين.
يقدم الكتاب بعد ذلك قراءته في أحداث الإرهاب في المغرب منذ سنة 2003، مبيناً أن تفجير الذات هو نوع من الهجرة غير المشروعة، أو laquo;حريكraquo; باللهجة المغربية. إذ تعني الهجرة السرّية نحو الشمال في قوارب الموت من شمال المغرب إلى إسبانيا. ويربط بين هذا الحريك نحو أوروبا والمتخذ طابعاً أفقياً وبين حريك الإرهابي المفجّر لذاته قبل تفجيره للآخرين، والذي يتجه عمودياً من الأرض إلى السماء، من جحيم الحياة إلى جنة الخلد.
ويشير الكتاب إلى ما يثيره حضور المرأة في الشارع العربي من سلوكيات ذكورية عنيفة، تنطلق من النظرة مروراً بالمعاكسة والتحرش وانتهاء بالاغتصاب،. ويرجع ذلك إلى كون الفاعل الاجتماعي العربي يحمّل المرأة مسؤولية التفكك الأخلاقي والاجتماعي الذي تعاني منه المجتمعات العربية التي لا تفرض الحجاب أو الفصل الصارم بين الجنسين.
ويلمح إلى أسباب رفض الشرائح الاجتماعية العربية الفقيرة الحداثة الجنسية بدعوى أنها تتعارض مع الإسلام والعودة إلى الهوية، فظروفها المعيشية لا تساعدها على المشاركة وتقبل الليبرالية الجنسية واستيعاب أخلاقياتها. وبالنسبة للمسلم الفقير والمقهور، تشكل النظرة إلى النساء المتبرجات واللاتي يستطعن الضحك والكلام بصوت عال دون أن يصطحبهن أحد قلقاً كبيراً. ويرى المؤلف أن كل هذه quot;البراهينquot; النفسية الاجتماعية تمكن من اعتبار quot;الإسلامويةquot; حنيناً وتطلعاً لا شعورياً إلى جنسانية مرضية وكاملة. يبدو معها الإشباع الجنسي أكثر تعذراً في المساكن ذات الكثافة السكانية المرتفعة، كما أن السلوكيات الجنسية الترقيعية التي يمارسها الشباب العزاب لا تحقق رضا جنسياً. فيما النساء بدورهن يرفضن جنسانية ذكورية لا تبادل ولا تحقيق للذات فيها.
ثم يقفز إلى الافتراض أن quot;الإسلامويةquot; يمكن أن تعبّر عن تطلع لا شعوري لذروة جنسية متعددة مع زوجات متعددات. إذ يفضي العجز الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يعاني منه المسلم المقهور ويمنعه من التحكم بالنساء إلى التشبث بقوة بإسلام يحفظ له امتيازاته الذكورية، بصرف النظر عن أوضاعه المادية، انطلاقاً من ضرورات فحولته المزعومة اجتماعياً ونفسياً.
ويعتبر المؤلف أن رفض الإسلاموية للحداثة الجنسية يكمن في رفضها الربط بين المتعة الجنسية والزواج، مفضلة مفاهيم الإنجاب وتعدد الزوجات للتغطية على تلك المفاهيم التي اعتبرها حداثية فقط؟! ليقرر بجلاء أن quot;الإسلامويةquot; بوصفها مشروعاً سياسياً لا تزهد في السلطة أو في الجنس، بل تسعى إلى استعادة الرجل المسلم لامتيازاته التعددية، محاولة مقاومة تحديث العلاقات بين الجنسين وتحديث العلاقات الجنسية.
على الرغم من طرافة موضوع الكتاب وقلة المراجع والدراسات المتناولة لهذه الزاوية من تحليل شخصية المتشدد quot;الإرهابيquot; وعقليته، إلا أن النتائج البسيطة التي توصل إليها المؤلف في سياق البحث، فيما يخص تشدد نظرة الإرهابي أو المتشدد إلى المرأة والعلاقة الجنسية معها، لا يمنحه حق القفز إلى استنتاجات كبرى تتعلق برؤية الحركات الإسلامية ومنتسبيها بوجه عام، ووسمها بممارسة الكبت ومقاومة النزعات الجنسية لأفرادها، وتغطية ذلك أحياناً بمفاهيم القوامة والإنجاب وغيرها لتبرير ما سماه باستمرار السيطرة الذكورية على الأسرة العربية.
والغريب أن المؤلف إذ يدعو إلى الحداثة الجنسية والتخلص من الرؤية الإسلاموية المهيمنة على المجتمعات العربية والمسلمة، ينسى أو يتناسى أن مفاهيم حداثية أخرى أكثر أهمية فشلت في إثبات ذاتها اجتماعياً واقتصادياً وفكرياً، وأن الإرهابي المستعد للتضحية بروحه، بصرف النظر عن اتفاقنا معه في معقولية الوسيلة والغاية، لا يمكن أن نرد دافعه إلى ذلك إلى مجرد كبت جنسي أو عجز عن إثبات فحولته الذكورية في مجتمع بات معظم أفراده يعاني من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، وليس وحده فقط.
التعليقات