عنوان الكتاب: الإخوان والأقباط، من يطمئن من؟.
المؤلف: عامر شماخ.
عدد الصفحات: 175.
الناشر: مكتبة وهبة, القاهرة، طبعة أولى، 2008م.

حكمت علاقة المسلمين بغيرهم عبر التاريخ عوامل ومتغيرات وسياقات سياسية واجتماعية غلّبت الجانب الآني في صياغة علاقة المسلمين بغيرهم على الجانب التأصيلي والفكري والاستراتيجي الذي من المفترض أن يولى قدراً أكبر من الأهمية. فحتى الآن تعرف المتون والمدونات الإسلامية سجالاً علمياً حقيقياً حول تحديد المبدأ الأساس الناظم لعلاقة المسلمين بغيرهم حال السلم، هل الأصل هو استحكام حال الحرب والعداء معه، أم اعتبار حالة اندلاع الحرب بمثابة الاستثناء الظرفي المؤقت لما يفترض أنها حالة تعايش وتسامح مع الآخر كما تدعو إلى ذلك النصوص الشرعية؟!.
وعلى الرغم من ميل معظم الفقهاء والعلماء والسياسيين الإسلاميين إلى اعتماد السلم بوصفه الخيار الاستراتيجي الناظم لعلاقة المسلمين بغيرهم، إلا أن quot;الآخرquot; وبالذات منه داخل نطاق البلدان التي يشكل المسلمون فيها غالبية ديمغرافية، لا يزال تنتابه المخاوف والهواجس إزاء الشعارات والمحاكمات الفكرية التي يطرحها المسلمون في خطابهم السياسي والإعلامي والشرعي وعلاقتهم بأبناء وطنهم من غير المسلمين.
ولما كانت حركة الإخوان المسلمين الحاضن التاريخي لتيارات وحركات الإسلام السياسي الحديثة، فإن الدراسات التي تناولت رؤية الحركة لهذا الموضوع، وطبيعة المخاوف والهواجس التي تساور الأقباط في مصر، بالذات، لا تزال تدور في فلك quot;التطمينquot; وquot;التهوينquot; ونفي وجود أي هواجس أو مخاوف أو أزمة حقيقية بين كلا الجانبين. وهو ما يحاول الكتاب تبنيه في مواجهة منطق النظام السياسي في مصر والذي، بحسب المؤلف، يعدّ المستفيد الأكبر من افتعال الأزمة بين الجانبين، وتخييرهما بين منطق الاستبداد وأحكام الطوارئ، وبين الفتنة الطائفية التي قد تندلع فجأة فتطيح بالتعايش الخجول الذي يعرفه المجتمع إلى الأبد.
وتأتي أهمية الكتاب من خلال تناوله لرؤية حركة الإخوان المسلمين للأقباط، ومخاوف الأقباط من الحركة في أعقاب ما حققته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وليعبر عن إجابات الحركة عن مخاوف الأقباط، ومخاوف الحركة بالمقابل من الأقباط في ظل الاحتقان الطائفي الذي بات يتهدد التعايش السلمي بين أطياف المجتمع المصري.
يؤسس الكتاب من خلال فصوله الأربعة للإطار المرجعي لرؤية الإخوان ومواقفهم من الأقباط، من خلال طرح تصورات الحركة إزاء quot;الآخرquot; ومفهوم quot;أهل الذمةquot; وquot;المواطنةquot;، والمكانة الخاصة للأقباط لدى المسلمين، وكشف المؤامرات التي يكيدها الغرب ضد سماحة الإسلام وعدالته الاجتماعية.
ويعرض المؤلف لأهم أفكار حركة الإخوان فيما يتعلق بمبدأ المواطنة باعتباره أصلاً إسلامياً، واعتبار مصر دولة لكل مواطنيها، وهو الأمر الذي لا توافق عليه بعض الحركات الإسلامية المتفرعة عنهم. كما يتناول المؤلف مناقشات الإخوان في برنامجهم السياسي لدور الكنيسة في الإصلاح والتغيير ودعم القيم الثقافية، وضرورة تركيز جهودها في دعم رسالتها الروحية بين المسيحيين، وتقوية علاقتها بالمجتمع الأهلي. ويرى أن هناك نقاط تلاق بين حركة الإخوان والأقباط تتمثل في الوقوف في وجه التيارات الإلحادية المعادية للأديان، وتيارات الإباحية والانحلال الخلقي، والوقوف في وجه الصهيونية.
وللتأكيد على مواقف الحركة من الأقباط، لا يتوانى المؤلف في بسط سرد تاريخي لمواقف وأفكار مرشدي الحركة عبر تاريخها من الأقباط، فعندما ذهب (حسن البنا) لمدينة طنطا لعقد المؤتمر الوطني الكبير، اصطحب معه أحد المتخصصين الأقباط ليتحدث في قضية قناة السويس (ناصف ميخائيل)، وكتب إلى البطريرك (يوساب الثاني) داعياً الأقباط للمشاركة في نصرة فلسطين باعتبارها قضية المسلمين والمسيحيين. أما المرشد الثاني للجماعة، فقد أحبط محاولة الوقيعة بين الإخوان والأقباط حينما أوعز الإنكليز لأحد عملائهم بحرق كنيسة في السويس واتهموا الإخوان بها.
فيما استعانت الحكومة بالمرشد الثالث (عمر التلمساني) في تهدئة أحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء عام 1981. وعلى الرغم من اتهام المرشد الخامس (مصطفى مشهور) بالتعصب والدعوة إلى العنف بعد تحريف كلامه بخصوص الجزية، إلا أن خطه الفكري كان على الدوام مطمئناً الأقباط بضمان حقوقهم في ظل الشريعة الإسلامية. وينسب إلى المرشد مأمون الهضيبي التزامه بموقف مبدئي إزاء مواطنية الأقباط والاعتراف بهم وبحقهم في ممارسة النشاط السياسي. فيما كانت كبرى المفاجآت من قبل المرشد الحالي (محمد مهدي عاكف) تعيينه للقبطي (رفيق حبيب) كمستشار سياسي خاص له، ودعم الحركة لعدد من المرشحين الأقباط في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
يسوق الكتاب بعد ذلك عدداً من مخاوف وهواجس الأقباط، ويحاول الإجابة عنها، من قبيل خوف الأقباط من تطبيق الشريعة الإسلامية وتحولهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية، واحتمال فرض الجزية عليهم، وتناقض مفهوم الذمة مع المواطنة، وما يرفعه الإخوان من شعار (الإسلام هو الحل)، ليحاول تبديد هذه المخاوف والهواجس تارة باحترام الحركة للأمر الواقع والذي لا يقر مبدأ الجزية والذمة على سبيل المثال، أو من خلال التعهد بعدم استغلال الدين وشعاراته ضد الأقليات الدينية في المواجهات وأعمال العنف، وهو ما يثبته تاريخ الإخوان على حد تعبير المؤلف.
يورد الكتاب بعد ذلك إحصائيات تتعلق بالوضع المميز للأقباط والذي بات الإخوان يتخوفون منه، فرغم أن نسبتهم لا تتعدى 5% فإنهم يملكون 20% من شركات المقاولات، و29% من عدد رجال الأعمال، و20% من وظائف المديرين، و20% من المستثمرين في المدن الصناعية. ويشير أيضاً إلى مخاوف الحركة من تغير موقف الكنيسة منهم، إذ يرون أنها تدفع الشباب القبطي لرفض الواقع والخروج على المجتمع. محللاً أبرز أعمال العنف التي قامت بين المسلمين والأقباط، ومحملاً في الوقت نفسه مسؤوليتها للأقباط.
ويعدد ما أسماه quot;أخطاء الجماعة القبطية، كالتعالي على الآخرين، والمبالغة في المطالب القبطية، واستفزاز مشاعر المسلمين بالهجوم على الشريعة الإسلامية، والربط بين الإرهاب وما يعانيه الأقباط من أزمات، وتنامي دور الكنيسة السياسي مؤخراً، والاستقواء بالخارج لانتزاع الحقوق. مستغرباً موقف الكنيسة الصامت حيال ما يفتعله أقباط المهجر من إزعاج وتشويه للحقائق حول وضع الأقباط داخل مصر.
والحال أن المؤلف إذ حاول بيان مواقف حركة الإخوان من الأقباط، فخرج كتابه أشبه ما يكون ببيان حزبي ذي طابع غير رسمي، إلا أن إجاباته على هواجسهم لم تكن نتيجة مواقف واضحة يمكن الاعتماد عليها أو الركون إليها، إذ هي لا تعدو أن تكون مجرد اجتهادات فقهية وسياسية للحركة غير متفق عليها مع غيرها من الحركات الإسلامية، كما أن بعضها يستند إلى منجزات نظام سياسي لم ينجح الإسلاميون بوجه عام، وحركة الإخوان المصرية بوجه خاص في التأقلم بعد بشكل كامل مع معطياته، مما يثير العديد من الأسئلة حول مدة معقولية هواجس الأقباط، وهواجس الإخوان إزاءهم، في ظل احتقان طائفي باتت نذره توشك على الانفجار ما لم يتم تناول الأزمة بعمق وبعيداً عن الحسابات السياسية البراغماتية والآنية.

كاتب وباحث
[email protected]