عنوان الكتاب: الجذور العربية للرأسمالية الأوروبية. المؤلف: حون هيك. ترجمة: محمود حداد. الناشر: الدار العربية للعلوم، بيروت، طبعة أولى، 2008م. |
يقوم هذا الكتاب على معارضة أطروحة العالم البلجيكي laquo;بيرنraquo; التي قدمها في أوائل القرن الـ20 فسيطرت على الدراسات الاستشراقية، وظلت ملهمة لتوجهاتها. وتدور هذه الأطروحة حول أن قيام الدولة الإسلامية على الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط حنوب القارة الأوروبية، قد أدى إلى قطع الطرق القديمة للتبادل التجاري التقليدي بين الدول الأوروبية وآسيا، مما ترك أوروبا دون أسواق تجارية مما أدى إلى امتناع تصريف البضائع وتراجع حركة الاقتصاد، وسيادة النموذج الإقطاعي على نمط العلاقات الاقتصادية في أوروبا القروسطية. وبالتالي تحميل الإسلام مسؤولية تخلف أوروبا في القرون الوسطى.
فيما تتمحور رؤية الكتاب حول قلب هذه النظرية من خلال ثلاث أطروحات تدور حول أن المسلمين لم يساهموا في إدخال أوروبا الغربية العصور المظلمة (الثامن حتى التاسع الميلادي) كما قال بيرن وغيره. بل إنهم قدموا بعد ذلك فيما بين القرن الخامس والسابع الهجري للقارة الأوربية الطلب الاقتصادي الأساس، وأعطوها الكثير من الوسائل التجارية التي ساعدتها على النهوض من العصور المظلمة. وردّ سرّ ازدهار الدولة الإسلامية في الوقت الذي غرقت فيه أوروبا الغربية في مستنقع الإقطاعية في القرون الوسطى إلى الفقهاء المسلمين الذين كانوا أكثر قدرة من نظرائهم المسيحيين على تطوير وتقديم تفسيرات تستوعب المبادلات المالية التي تتطلبها العمليات التجارية، وبالذات منها التي تتطلب تعاملاً بالفائدة الربوية. وعزا المؤلف خروج أوروبا من العصور المظلمة إلى الطلب المتزايد على السلع من التجار العرب، واعتماد التجار الأوربيين الأساليب المصرفية التي ابتكرها الفقهاء المسلمون.
يقرر المؤلف التدليل على فكرته المتمحورة حول اتباع اقتصاديات الشرق الأدنى وأوروبا الغربية مسارات متوازية متشابهة في القرون الوسطى، ويحاول أن يبرهن على أن شكلاً من الرأسمالية التجارية تطور ببطء وثبات في العالم الإسلامي حتى وصل ذروته في مصر الفاطمية، ثم انتقل منها إلى المدن الإيطالية ومرسيليا. نتيجة النشاط التجاري المباشر مع المدن الإيطالية، البندقية وجنوا وغيتا وبيزا ومرسيليا، وهي المدن التي قال كثير من المؤرخين الغربيين إن الرأسمالية الغربية نشأت فيها. إذ ساهم التجار الإيطاليون باستخدام الأساليب التجارية المكتسبة من الدولة الإسلامية في إرساء النهضة التجارية الأوربية في العصور الوسطى التي بدأت بين القرنين الخامس والسادس الهجري (الـ11 والـ12 الميلادي).
وينوه الكتاب بكون التجارة الإسلامية قد أديرت من قبل مختلف الأجناس والأديان (الأقباط واليهود والهندوس والفرس) إضافة إلى العرب المسلمين، ويرد المؤلف أسباب ركود أوروبا المسيحية في القرون الوسطى إلى عوامل داخلية بدأت مع ضعف الإمبراطورية الرومانية قبل ظهور الإسلام بـ400 عام. إذ عرفت تلك الإمبراطورية في القرن الثالث الحرب الأهلية، والطاعون، واحتقار العمل، وانهيار البنية التحتية، وتضخم عدد الجيش وزادت نفقاته من أجل الحفاظ على الإمبراطورية من التهديدات الداخلية والخارجية بالتزامن مع تراجع إيرادات الدولة. فزادت الضرائب على المنتجين مما عزز من التهرب الضريبي ودمر الإنتاج. فقاد ذلك الدولة إلى إفلاس حقيقي في القرن الخامس. في حين أن فئة صغيرة كانت قد راكمت المال حول منازلها منشئة أنظمة اقتصادية واجتماعية مصغرة منقطعة عن السلطة المركزية. فنشأ النظام الإقطاعي للقرون الوسطى. فضلاً عن انقسام الإمبراطورية الرومانية بين القسطنطينية وروما. مما أدى إلى سقوطها مع ظهور الإسلام.
ويشير المؤلف إلى أثر تضخيم نتائج معركة (تورز) بقيادة (شارل مارتل) على النظام الاقتصادي في أوروبا، فيجزم أن انتصار شارل مارتيل في هذه المعركة أدى إلى تصاعد دور الكنيسة، فصار الملك الكارولينجي ملك الفرنجة بتفويض إلهي، وانتشرت روح الزهد وتمجيد الفقر وإدانة جمع المال بسبب تصاعد دور الكنيسة، فحرمت التجارة بعد أن تمت مساواة الربا المحرم بالربح، وتراجع الاقتصاد النقدي وحل مكانه التبادل السلعي. أما الكنيسة فقد كانت ممتلكاتها معفاة من الضرائب وتلقت تبرعات ضخمة، وكانت تملك ثلث أراضي القارة الأوربية. مدمرة طبقة التجار والصيارفة.
بالمقابل، فقد أدى صعود الإسلام إلى تجدد وازدهار اقتصادي، فنشأت مدن جديدة خلال الفتوحات وزاد الطلب على المنتجات العسكرية والصناعية، كما استثمر الخلفاء في البنية التحتية مثل شق الطرق وقنوات الري. وأدت الفتوحات إلى تسييل كبير للمعادن الثمينة التي كانت مخبوءة في الأديرة والقبور والكنائس والملكيات الخاصة، ووضع المسلمون أيديهم على مخزون هائل من الذهب في غرب الجزيرة العربية وجبال الأورال وآسيا الوسطى والحبشة والسودان. أما على الجانب الثقافي فقد حثّت الشريعة الإسلامية على العمل وكسب الرزق، ونشأ فقه الحيل والمخارج من أجل ملائمة تحريم الربا مع مستلزمات التجارة والمعاملات النقدية، حسب ما يرى المؤلف.
ويركز المؤلف على دور الحملات الصليبية والتجار الطليان في تاريخ العلاقات التجارية إبان القرون الوسطى بين الشرق المسلم والغرب المسيحي. فقام التجار الإيطاليون بالسيطرة على تجارة العبور من المشرق إلى المغرب، ونالوا امتيازات تجارية في موانئ الشرق، وحصلوا حقوق تطوير ثلث أراضي كل بلدة شرقية يتم الاستيلاء عليها. بل إنهم كانوا يؤمنون احتياجات المسلمين الحربية من خلال التجارة، كما أشارت إلى ذلك رسالة من صلاح الدين الأيوبي إلى الخليفة العباسي، مفسراً ذلك بدافع الربح، وأدت الحملات الصليبية إلى نهوض الاقتصاد السلعي في أوروبا بسبب زيادة الطلب، واتجهت الكنائس نحو تسييل ممتلكاتها من الذهب من أجل تمويل الحملات. فكانت الحروب الصليبية مشروعاً رأسمالياً بامتياز يهدف للربح، ودمر النظام الإقطاعي الذي هيمن على اقتصاد أوروبا خلال القرون الوسطى.
كما أفضت الحروب الصليبية إلى اعتماد أوروبا للاقتصاد النقدي، فسكت العملات الجديدة في المدن الإيطالية لسد الفراغ الذي خلفه ضعف العملة الفاطمية وظهرت مؤسسات التسليف. وهو ما يعتبره المؤلف مقدمات نشوء الرأسمالية التي ظهرت لأول مرة في المدن الإيطالية باتفاق كل المؤرخين الاقتصاديين، كما انتقلت من الشرق إلى الغرب أسماء السلع مثل الكحول والمشمش والأرضي شوكي والشيفون والقرفة والقهوة والقطن والصمغ العربي إلى غيرها من المواد. فضلاً عن المصطلحات العلمية كعلم الجبر والخوارزميات والسمت ودار الصناعة، والمصطلحات البحرية مثل الميرال والحراقة والسلوب والرياح الموسمية. ومصطلحات تجارية مثل قيراط وديوان وتعريفة. وتمّ استبدال الأعداد الرومانية بالعربية من قبل المؤسسات المركنتيلية الإيطالية في القرنين السادس والسابع الهجريين، مما سمح بإدخال القيد المزدوج في مسك الدفاتر التجارية في إيطاليا في القرن الرابع الميلادي.
والحال أن الكتاب إذ يسير عكس التيار السائد حالياً في الغرب بالتزام أسلوب المواجهة والمفاصلة مع الشرق، إلا أنه يظل مساهمة معقولة في سياق تغليب لغة التاريخ والمنطق واعتماد منهج التعايش والتسامح بين الغرب والشرق، في ظل تناسل أصوات الأكاديميين الداعين إلى علاقة توافقية وتعاونية بين الطرفين.
فيما تتمحور رؤية الكتاب حول قلب هذه النظرية من خلال ثلاث أطروحات تدور حول أن المسلمين لم يساهموا في إدخال أوروبا الغربية العصور المظلمة (الثامن حتى التاسع الميلادي) كما قال بيرن وغيره. بل إنهم قدموا بعد ذلك فيما بين القرن الخامس والسابع الهجري للقارة الأوربية الطلب الاقتصادي الأساس، وأعطوها الكثير من الوسائل التجارية التي ساعدتها على النهوض من العصور المظلمة. وردّ سرّ ازدهار الدولة الإسلامية في الوقت الذي غرقت فيه أوروبا الغربية في مستنقع الإقطاعية في القرون الوسطى إلى الفقهاء المسلمين الذين كانوا أكثر قدرة من نظرائهم المسيحيين على تطوير وتقديم تفسيرات تستوعب المبادلات المالية التي تتطلبها العمليات التجارية، وبالذات منها التي تتطلب تعاملاً بالفائدة الربوية. وعزا المؤلف خروج أوروبا من العصور المظلمة إلى الطلب المتزايد على السلع من التجار العرب، واعتماد التجار الأوربيين الأساليب المصرفية التي ابتكرها الفقهاء المسلمون.
يقرر المؤلف التدليل على فكرته المتمحورة حول اتباع اقتصاديات الشرق الأدنى وأوروبا الغربية مسارات متوازية متشابهة في القرون الوسطى، ويحاول أن يبرهن على أن شكلاً من الرأسمالية التجارية تطور ببطء وثبات في العالم الإسلامي حتى وصل ذروته في مصر الفاطمية، ثم انتقل منها إلى المدن الإيطالية ومرسيليا. نتيجة النشاط التجاري المباشر مع المدن الإيطالية، البندقية وجنوا وغيتا وبيزا ومرسيليا، وهي المدن التي قال كثير من المؤرخين الغربيين إن الرأسمالية الغربية نشأت فيها. إذ ساهم التجار الإيطاليون باستخدام الأساليب التجارية المكتسبة من الدولة الإسلامية في إرساء النهضة التجارية الأوربية في العصور الوسطى التي بدأت بين القرنين الخامس والسادس الهجري (الـ11 والـ12 الميلادي).
وينوه الكتاب بكون التجارة الإسلامية قد أديرت من قبل مختلف الأجناس والأديان (الأقباط واليهود والهندوس والفرس) إضافة إلى العرب المسلمين، ويرد المؤلف أسباب ركود أوروبا المسيحية في القرون الوسطى إلى عوامل داخلية بدأت مع ضعف الإمبراطورية الرومانية قبل ظهور الإسلام بـ400 عام. إذ عرفت تلك الإمبراطورية في القرن الثالث الحرب الأهلية، والطاعون، واحتقار العمل، وانهيار البنية التحتية، وتضخم عدد الجيش وزادت نفقاته من أجل الحفاظ على الإمبراطورية من التهديدات الداخلية والخارجية بالتزامن مع تراجع إيرادات الدولة. فزادت الضرائب على المنتجين مما عزز من التهرب الضريبي ودمر الإنتاج. فقاد ذلك الدولة إلى إفلاس حقيقي في القرن الخامس. في حين أن فئة صغيرة كانت قد راكمت المال حول منازلها منشئة أنظمة اقتصادية واجتماعية مصغرة منقطعة عن السلطة المركزية. فنشأ النظام الإقطاعي للقرون الوسطى. فضلاً عن انقسام الإمبراطورية الرومانية بين القسطنطينية وروما. مما أدى إلى سقوطها مع ظهور الإسلام.
ويشير المؤلف إلى أثر تضخيم نتائج معركة (تورز) بقيادة (شارل مارتل) على النظام الاقتصادي في أوروبا، فيجزم أن انتصار شارل مارتيل في هذه المعركة أدى إلى تصاعد دور الكنيسة، فصار الملك الكارولينجي ملك الفرنجة بتفويض إلهي، وانتشرت روح الزهد وتمجيد الفقر وإدانة جمع المال بسبب تصاعد دور الكنيسة، فحرمت التجارة بعد أن تمت مساواة الربا المحرم بالربح، وتراجع الاقتصاد النقدي وحل مكانه التبادل السلعي. أما الكنيسة فقد كانت ممتلكاتها معفاة من الضرائب وتلقت تبرعات ضخمة، وكانت تملك ثلث أراضي القارة الأوربية. مدمرة طبقة التجار والصيارفة.
بالمقابل، فقد أدى صعود الإسلام إلى تجدد وازدهار اقتصادي، فنشأت مدن جديدة خلال الفتوحات وزاد الطلب على المنتجات العسكرية والصناعية، كما استثمر الخلفاء في البنية التحتية مثل شق الطرق وقنوات الري. وأدت الفتوحات إلى تسييل كبير للمعادن الثمينة التي كانت مخبوءة في الأديرة والقبور والكنائس والملكيات الخاصة، ووضع المسلمون أيديهم على مخزون هائل من الذهب في غرب الجزيرة العربية وجبال الأورال وآسيا الوسطى والحبشة والسودان. أما على الجانب الثقافي فقد حثّت الشريعة الإسلامية على العمل وكسب الرزق، ونشأ فقه الحيل والمخارج من أجل ملائمة تحريم الربا مع مستلزمات التجارة والمعاملات النقدية، حسب ما يرى المؤلف.
ويركز المؤلف على دور الحملات الصليبية والتجار الطليان في تاريخ العلاقات التجارية إبان القرون الوسطى بين الشرق المسلم والغرب المسيحي. فقام التجار الإيطاليون بالسيطرة على تجارة العبور من المشرق إلى المغرب، ونالوا امتيازات تجارية في موانئ الشرق، وحصلوا حقوق تطوير ثلث أراضي كل بلدة شرقية يتم الاستيلاء عليها. بل إنهم كانوا يؤمنون احتياجات المسلمين الحربية من خلال التجارة، كما أشارت إلى ذلك رسالة من صلاح الدين الأيوبي إلى الخليفة العباسي، مفسراً ذلك بدافع الربح، وأدت الحملات الصليبية إلى نهوض الاقتصاد السلعي في أوروبا بسبب زيادة الطلب، واتجهت الكنائس نحو تسييل ممتلكاتها من الذهب من أجل تمويل الحملات. فكانت الحروب الصليبية مشروعاً رأسمالياً بامتياز يهدف للربح، ودمر النظام الإقطاعي الذي هيمن على اقتصاد أوروبا خلال القرون الوسطى.
كما أفضت الحروب الصليبية إلى اعتماد أوروبا للاقتصاد النقدي، فسكت العملات الجديدة في المدن الإيطالية لسد الفراغ الذي خلفه ضعف العملة الفاطمية وظهرت مؤسسات التسليف. وهو ما يعتبره المؤلف مقدمات نشوء الرأسمالية التي ظهرت لأول مرة في المدن الإيطالية باتفاق كل المؤرخين الاقتصاديين، كما انتقلت من الشرق إلى الغرب أسماء السلع مثل الكحول والمشمش والأرضي شوكي والشيفون والقرفة والقهوة والقطن والصمغ العربي إلى غيرها من المواد. فضلاً عن المصطلحات العلمية كعلم الجبر والخوارزميات والسمت ودار الصناعة، والمصطلحات البحرية مثل الميرال والحراقة والسلوب والرياح الموسمية. ومصطلحات تجارية مثل قيراط وديوان وتعريفة. وتمّ استبدال الأعداد الرومانية بالعربية من قبل المؤسسات المركنتيلية الإيطالية في القرنين السادس والسابع الهجريين، مما سمح بإدخال القيد المزدوج في مسك الدفاتر التجارية في إيطاليا في القرن الرابع الميلادي.
والحال أن الكتاب إذ يسير عكس التيار السائد حالياً في الغرب بالتزام أسلوب المواجهة والمفاصلة مع الشرق، إلا أنه يظل مساهمة معقولة في سياق تغليب لغة التاريخ والمنطق واعتماد منهج التعايش والتسامح بين الغرب والشرق، في ظل تناسل أصوات الأكاديميين الداعين إلى علاقة توافقية وتعاونية بين الطرفين.
التعليقات