-1-
ما كنا ننتظره من العراق الجديد الواقعي والعقلاني والشجاع قد وقع وتمَّ، ووافق مجلس النواب على الاتفاقية الأمنية العراقية ndash; الأمريكية، وذلك من أجل منفعة العراق أولاً وآخراً، وصوناً لاستقلاله من الطغيان الصدامي، وحرصاً على مكاسبه طيلة السنوات الخمس الأخيرة، منذ 2003 إلى الآن، ودفعاً لمزيد من الإرهاب عن أبنائه، من قبل دول الجوار، التي ناشدت العراق والعراقيين بعدم توقيع هذه المعاهدة، بحجة أنها تهدد أمنهم القومي، وما دروا أن أنظمة الحكم القائمة في سوريا وإيران، هما أكبر تهديد للأمن القومي العربي عموماً، بما فيه العراق.
-2-
ولو كانت هولندا تحدُّ العراق شرقاً وشمالاً بدل إيران، والدنمارك تحدُّ العراق شمالاً وغرباً بدلاً من سوريا، لما كان حال العراق خلال السنوات الخمس الماضية، وحتى الآن على هذا النحو من الدمار والتخلف. فجيران السوء، هم وحدهم الذين فعلوا في العراق كل هذه المصائب، وكل هذه الكوارث. ورغم هذا، ظل العراق طيلة السنوات الخمس الماضية، صامداً، مقاوماً، مصراً على حقه في العمل والحياة الكريمة المستقلة، في غابة الشرق الأوسط، المليئة بالوحوش الكاسرة، والإرهابيين، والقراصنة، ودعاة الدولة الدينية من المشعوذين والسحرة.
-3-
ولقد حاولت سوريا وإيران بواسطة أزلامهما القلائل، في مجلس النواب العراقي، وفي الحكومة، والإدارة العراقية، أن تُعيق توقيع هذه الاتفاقية وترفضها، ولكنهم على ما يبدو لم ينجحوا، وخشي النواب الشرفاء عقاب الشعب العراقي، الذي لا يرحم، ولا يغفر، في الانتخابات العراقية القادمة. ولقد اعتبرت سوريا وإيران، أن الاتفاقية الأمنية العراقية ndash; الأمريكية، تعتبر تهديداً لأمنهما، ومعنى التهديد لأمن سوريا وإيران هو، أن تحول هذه الاتفاقية بين تدفق الإرهابيين من حدود هاتين الدولتين إلى العراق. كما تعني أيضاً، أن تكفَّ هاتان الدولتان أيديهما عن العراق، وشعب العراق، ومقدراته. كما تعني ثالثاً، أن ينتهي دور البعثيين في العراق الموالين لسوريا، ودور الأيرنة الشيعية في العراق من عناصرها الموالية لإيران، وعلى رأسهم جماعة مقتدى الصدر(الصدريون)، الذين خرجوا قبل أسبوع من موافقة الحكومة ومجلس النواب العراقي على هذه الاتفاقية، بمظاهرات صاخبة مضحكة، وبعشرات الألوف من الصبية الأغرار المعارضة لهذه الاتفاقية، بعد أن ملأت إيران جيوبهم، وجيوب مساعديهم بالريالات الإيرانية، والحلوى، وسلّحتهم، وحمت قيادتهم، التي تحتضنها، كما يحتضن الضبع الحمل الصغير.
-4-
لم تنفع كل الإغراءات الشيطانية القومية، والدينية، والمالية، التي قدمتها سوريا وإيران للسياسيين العراقيين. فقلة قليلة منهم هي التي فتحت كفها، وجيبها، وفمها، وأذنها، وعينها، على العروض السورية- الإيرانية المختلفة. أما باقي ممثلي الشعب العراقي من غالبية النواب، فقد كانوا شرفاء مع أنفسهم، ومع العراق، ومع شعب العراق، ومع ناخبيهم، كما دلّت على ذلك نتيجة التصويت على هذه الاتفاقية. وكل واحد منهم، لا بُدَّ أنه فقدَ عزيزاً لديه، أخاً، أو ولداً، أو أباً، أو قريباً، أو صديقاً، في العهد البائد، قتيلاً، أو مخطوفاً، أو مفقوداً، أو مرسلاً، إلى ما وراء الشمس. وعزَّ على هؤلاء النواب الشرفاء، أن يخونوا دماء الشهداء، ممن مضوا في العهد الديكتاتوري البائد. فقد كانت أرواح هؤلاء الشهداء تناشد ممثلي الأمة، أن لا تخونوا دماءنا وتضحياتنا وشهادتنا، من أجل عراق الغد. وكان أن كل من راهن على عدم توقيع الاتفاقية الأمنية الأمريكية ndash; العراقية، قد خسر رهانه، وربح كل من راهن على استجابة ممثلي الشعب العراقي حكومة وبرلماناً للموافقة على هذه الاتفاقية وإقرارها، وهي فئة تنويرية من الليبراليين العراقيين والعرب الشرفاء.
-5-
إن أهمية إقرار الاتفاقية الأمنية العراقية- الأمريكية، ليست في بنودها المختلفة، وليست في كونها صمام أمان للعراق، من أي عمل إرهابي، أو سياسي شيطاني، ممكن أن تقوم به دول الجوار من الضباع المتربصة بالعراق.
إن أهمية هذه الاتفاقية تكمن في قدرة ممثلي الشعب العراقي الشرفاء، على مواجهة التحديات الشرسة التي تعرضوا لها، ورفض الإغراءات الكثيرة التي وُعدوا بها، من قبل أطراف مختلفة، من دول الجوار.
إن أهمية إقرار هذه الاتفاقية، تكمن في أن ممثلي الشعب العراقي الشرفاء قد كسبوا الرهان، ونجوا، وأنقذوا العراق من فراغ عسكري كبير، كانت دول الجوار من الضباع تنتظره لكي تملأه بمليشياتها المسلحة، وبعناصر إرهابها المدمر.
إن أهمية إقرار هذه الاتفاقية، تشير إلى أن عهد الديكتاتورية والطغيان، قد ذهب من العراق إلى غير رجعة، وأن الحرية والديمقراطية العراقية بدأت تزهر، وتطرح ثمارها. وكما توقعنا، منذ فجر التاسع من نيسان 2003، فإن الديمقراطية العراقية، ستكون هي الفسيلة الأساسية، للغرس الديمقراطي العربي. فما جرى في العراق ليس خاصاً به، وإنما هو عام وشامل للعالم العربي كله. وهذا ما قلناه، وتوقعناه منذ خمس سنوات. فقد صمد الحق، وانهزم الباطل، إن الباطل كان مهزوماً.
ومرة أخرى مباركٌ للعراق شجاعته، وعقلانيته، وواقعيته، وحريته، وديمقراطيته.
***
هامش:
أعلن quot;الصدريونquot;، أنهم في حداد لمدة ثلاثة أيام، حزناً على موافقة البرلمان العراقي على الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا، وهو دليل قاطع على مدى فائدة العراق من هذه الاتفاقية. وأنا أرى، أن ثلاثة أيام غير كافية للحزن على هذه الكارثة الصدرية- الإيرانية ndash; السورية العظمى، واقترح عليهم الحزن، وإعلان الحداد طول الدهر، لكي يريحونا ويستريحوا. كما أرى، أن يقيم quot;الصدريونquot; مهرجان quot;تطبيرquot; دامٍ، في السابع والعشرين من نوفمبر كل عام، حزناً وتكفيراً عن هذه الواقعة التاريخية المؤلمة لهم.
السلام عليكم.