قد تبدو شعوب المنطقة المسماة بالعربية، وكأنها لا تملك من أمرها شيئاً، وأنها مجرد دمى أو قطع شطرنج بين أصابع حكامها، أو رهينة سيوفهم ومعتقلاتهم.. على ذات النهج يمكن اعتبار حكام المنطقة بدورهم، وكأنهم هياكل خشبية، تلعب القوة العالمية المهيمنة من خلفها، مستعينة بالجزرة تارة، وبالعصا تارة أخرى.
لا ننتوي في هذ السطور أن ننزع عن هذا التصور مصداقيته من جميع الوجوه، فهو يعبر بالفعل عن واقع الحال في لحظات ومواقف شتى، لكن ذلك القدر من المصداقية لا ينسحب على كافة المجالات والمواقف، ومنها موضوع هذه المقاربة، وهو ما يعرف بـ quot;الحل السلمي للصراع العربي الإسرائيليquot;.. هنا على وجه الخصوص تنقلب الأدوار وتتبدل، بين الفاعل والمفعول به.
يلزمنا بداية أن ننوه، إلى أننا حين نتحدث عن الشعوب وميولها، فإننا نخرج من حساباتنا ما يعرف quot;بالأغلبية الصامتةquot;، تلك التي يحلو لكل طرف من الأطراف الفاعلة أو الناشطة في الميدان السياسي، أن يدعي الحديث باسمها، أو أنها تؤيد في صمت وصبر ما يذهب إليه من آراء ومواقف، ونتجه مباشرة إلى ما يعرف quot;بالنُخَبquot;، سواء الحاكمة، أو الناشطة في كافة مجالات العمل العام، وعلى رأسها ndash;في مجتمعاتنا الشرقية على الأقل- رجال الدين ونستند في هذا الاستبعاد لما يلقب بالأغلبية إلى عدة مرتكزات، أولها أن استشراف التوجهات والرؤى الاجتماعية والسياسية، ينبغي أن يتم لدى من يمتلكون بالفعل تلك النوعية من الرؤى، وإلا سنكون كمن يطلب الماء من آبار فارغة، لا تؤثر في نتيجة السعي، لا بالسلب ولا بالإيجاب.. ثانيها أن تلك quot;الأغلبية الصامتةquot; هي الرحم الذي خرجت منه النُخَب باختلاف توجهاتها، وهو ما يترتب عليه حكماً، أن تعتبر تلك النُخَب هي المعبر الرسمي عن تلك الأغلبية الصامتة، بغض النظر عن ارتباط أو عدم ارتباط مواقف وتوجهات النخب، بمصالح تلك الأغلبية الصماء.. ثالثها أن الأغلبية الصامتة ليست كما يتصور البعض، ظاهرة في الدول المتخلفة وحدها، وكأن جميع الشعوب المتطورة والناضجة، ينخرط جميع أفرادها على سبيل الحصر في النشاط العام.. نعم يختلف حجم الأغلبية الصامتة بين كيان سياسي وآخر، كما يختلف بين ميدان وآخر من ميادين المجال العام، لكنها دائماً موجودة، وتشغل أغلبية الكتلة الجماهيرية، ولا يعني هذا التقرير والتصنيف أن ننسب لهذه الكتلة أي صفات سلبية تقلل من شأنها، فهي كتلة تخصصت في السعي وراء لقمة العيش والاستمتاع بالحياة، تاركة ما يعرف بالشأن العام، لهؤلاء الذين يستهويهم ذلك الاهتمام والنشاط.. النقطة الأخيرة هي أن تلك الأغلبية الصامتة تكون دائماً مع الأقوى والأقدر على توجيه الأمور، فقد كانت بكل حماس مع السادات حين توجه لزيارة القدس، ملتمساً نهاية سلمية لذلك الصراع المرير، وهي ذاتها الآن تظاهر -ولو بالصمت- المجاهدين بالأحزمة الناسفة والميكروفونات، تبنياً لصراع أبدي ضد كل مراكز الحضارة، وليس فقط ضد إسرائيل، التي نصر على تلقيبها بالمزعومة.
لكل هذا من حقنا حين نتحدث عن شعوب الشرق الأوسط، أن نركز أنظارنا على النُخْبَةِ وحدها، بأجنحتها الحاكمة والمعارضة والناشطة على وجه العموم.
في قضية السلام لما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي بالتحديد، لا تكاد تملك إسرائيل ولا اللجنة الرباعية ولا الحكام العرب شيئاً من أوراق اللعبة، ذلك أن جل إن لم يكن كل الأوراق بيد الشعوب، التي تحتكرها تيارات الرفض القاطع للسلام، وهو الموقف الذي يدفع بالحكام العرب، حفاظاً على كراسيهم المستقرة على أرض رخوة، أن يلعبوا بجميع الكرات، يتظاهرون أمام القوى العالمية بالسعي نحو السلام، ليستديروا في نفس الوقت ليشجعوا ويمولوا ويظاهروا دعاة النضال والجهاد الأبدي.
نعم لا تملك الشعوب العربية قرار الحرب، الذي هو حكر على إسرائيل، وعلى القوى العالمية القادرة عليه، لكن قرار السلام تملكه الشعوب العربية وحدها، ولا يبدو حتى الآن أن هناك قوة على ظهر الأرض، قادرة على جرجرة تلك الشعوب إلى طريق السلام الذي ترفضه بإباء وشمم!!
نعم توجد بإسرائيل أيضاً قوى معادية للسلام، لكن تلك القوى هامشية، وتحت سيطرة التوجه العام نحو السلام، والذي لا تمثله فقط التيارات الليبرالية واليسارية، بل تمثله أيضاً الكتل المتشددة مثل الليكود، التي لا تتميز عن غيرها من دعاة السلام، إلا في درجة الاستعداد لتقديم ما تعتبره تنازلات، بل لقد أثبتت الليكود مثلاً، أنها الأقدر على التقدم العملي نحو السلام، وعلى تقديم ما ينبغي عليها تقديمه، ثمناً للسلام المرتجى.
من العبث في ظل هذه الظروف إذن ما تحاوله إسرائيل، ومعها أبو مازن وبعض الحكام العرب، وما تحاول أن تدفع إليه أمريكا واللجنة الرباعية، من الزحف بالمنطقة نحو نهاية لذلك الصراع اللعين.. ما نراه هو مستنقعات من الوحل والدماء ممتدة حتى مرمى البصر، وأي مجهودات تبذل لتحقيق التقدم بالمنطقة، من خلال ذات الأوضاع القائمة عبث محض.. ينطبق ذات الحال على ترتيب الوضع في لبنان، وبدرجة أقل في العراق، الذي فيما يبدو قد بدأ مسيرته نحو الحداثة، خارج المنظومة العربية العروبية البائسة.
يزعم كاتب هذه السطور، أن الأمل الوحيد في حلحلة الوضع الراهن، إن كان هناك بالفعل مجال للأمل، هو في ضرب القوى المظاهرة والممولة لتوجه الصراع من خارج المنطقة، وضرب رأس جسرها بالمنطقة، ونعني بالتحديد إيران نجاد، وسوريا البعث الأسدي، وذلك إما عن طريق إسقاط حكم المتشددين في إيران، ومعه النظام الأسدي الذي امتد طويلاً بعد عمره الافتراضي، وإما توجيه ضربة عسكرية قاصمة لإيران، بالتزامن مع ضربة تكسير ركب لسوريا الأسد.. هذا الكلام يتعارض بالطبع مع توجهات باراك أوباما الطوباوية، التي تنشد الحوار والتفاهم، مع من لا يعرفون لغة الحوار، وغير راغبين في التفاهم من الأساس.
رغم أن الآمال لا مجال لها، ما لم ترتبط بما يبررها على أرض الواقع، إلا أننا نأمل أن تكذب توقعاتنا، وأن ننجح، أو ينجح العالم في دفعنا نحو السلام، فشعوبنا البائسة منهكة بما يكفي، مستهلكة بما يكفي، لكنها مصرة على الجهاد والنضال، بما يكفي أيضاً، لإبادة كل مظهر للحياة، في صحارى العروبة القاحلة.
[email protected]
لا ننتوي في هذ السطور أن ننزع عن هذا التصور مصداقيته من جميع الوجوه، فهو يعبر بالفعل عن واقع الحال في لحظات ومواقف شتى، لكن ذلك القدر من المصداقية لا ينسحب على كافة المجالات والمواقف، ومنها موضوع هذه المقاربة، وهو ما يعرف بـ quot;الحل السلمي للصراع العربي الإسرائيليquot;.. هنا على وجه الخصوص تنقلب الأدوار وتتبدل، بين الفاعل والمفعول به.
يلزمنا بداية أن ننوه، إلى أننا حين نتحدث عن الشعوب وميولها، فإننا نخرج من حساباتنا ما يعرف quot;بالأغلبية الصامتةquot;، تلك التي يحلو لكل طرف من الأطراف الفاعلة أو الناشطة في الميدان السياسي، أن يدعي الحديث باسمها، أو أنها تؤيد في صمت وصبر ما يذهب إليه من آراء ومواقف، ونتجه مباشرة إلى ما يعرف quot;بالنُخَبquot;، سواء الحاكمة، أو الناشطة في كافة مجالات العمل العام، وعلى رأسها ndash;في مجتمعاتنا الشرقية على الأقل- رجال الدين ونستند في هذا الاستبعاد لما يلقب بالأغلبية إلى عدة مرتكزات، أولها أن استشراف التوجهات والرؤى الاجتماعية والسياسية، ينبغي أن يتم لدى من يمتلكون بالفعل تلك النوعية من الرؤى، وإلا سنكون كمن يطلب الماء من آبار فارغة، لا تؤثر في نتيجة السعي، لا بالسلب ولا بالإيجاب.. ثانيها أن تلك quot;الأغلبية الصامتةquot; هي الرحم الذي خرجت منه النُخَب باختلاف توجهاتها، وهو ما يترتب عليه حكماً، أن تعتبر تلك النُخَب هي المعبر الرسمي عن تلك الأغلبية الصامتة، بغض النظر عن ارتباط أو عدم ارتباط مواقف وتوجهات النخب، بمصالح تلك الأغلبية الصماء.. ثالثها أن الأغلبية الصامتة ليست كما يتصور البعض، ظاهرة في الدول المتخلفة وحدها، وكأن جميع الشعوب المتطورة والناضجة، ينخرط جميع أفرادها على سبيل الحصر في النشاط العام.. نعم يختلف حجم الأغلبية الصامتة بين كيان سياسي وآخر، كما يختلف بين ميدان وآخر من ميادين المجال العام، لكنها دائماً موجودة، وتشغل أغلبية الكتلة الجماهيرية، ولا يعني هذا التقرير والتصنيف أن ننسب لهذه الكتلة أي صفات سلبية تقلل من شأنها، فهي كتلة تخصصت في السعي وراء لقمة العيش والاستمتاع بالحياة، تاركة ما يعرف بالشأن العام، لهؤلاء الذين يستهويهم ذلك الاهتمام والنشاط.. النقطة الأخيرة هي أن تلك الأغلبية الصامتة تكون دائماً مع الأقوى والأقدر على توجيه الأمور، فقد كانت بكل حماس مع السادات حين توجه لزيارة القدس، ملتمساً نهاية سلمية لذلك الصراع المرير، وهي ذاتها الآن تظاهر -ولو بالصمت- المجاهدين بالأحزمة الناسفة والميكروفونات، تبنياً لصراع أبدي ضد كل مراكز الحضارة، وليس فقط ضد إسرائيل، التي نصر على تلقيبها بالمزعومة.
لكل هذا من حقنا حين نتحدث عن شعوب الشرق الأوسط، أن نركز أنظارنا على النُخْبَةِ وحدها، بأجنحتها الحاكمة والمعارضة والناشطة على وجه العموم.
في قضية السلام لما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي بالتحديد، لا تكاد تملك إسرائيل ولا اللجنة الرباعية ولا الحكام العرب شيئاً من أوراق اللعبة، ذلك أن جل إن لم يكن كل الأوراق بيد الشعوب، التي تحتكرها تيارات الرفض القاطع للسلام، وهو الموقف الذي يدفع بالحكام العرب، حفاظاً على كراسيهم المستقرة على أرض رخوة، أن يلعبوا بجميع الكرات، يتظاهرون أمام القوى العالمية بالسعي نحو السلام، ليستديروا في نفس الوقت ليشجعوا ويمولوا ويظاهروا دعاة النضال والجهاد الأبدي.
نعم لا تملك الشعوب العربية قرار الحرب، الذي هو حكر على إسرائيل، وعلى القوى العالمية القادرة عليه، لكن قرار السلام تملكه الشعوب العربية وحدها، ولا يبدو حتى الآن أن هناك قوة على ظهر الأرض، قادرة على جرجرة تلك الشعوب إلى طريق السلام الذي ترفضه بإباء وشمم!!
نعم توجد بإسرائيل أيضاً قوى معادية للسلام، لكن تلك القوى هامشية، وتحت سيطرة التوجه العام نحو السلام، والذي لا تمثله فقط التيارات الليبرالية واليسارية، بل تمثله أيضاً الكتل المتشددة مثل الليكود، التي لا تتميز عن غيرها من دعاة السلام، إلا في درجة الاستعداد لتقديم ما تعتبره تنازلات، بل لقد أثبتت الليكود مثلاً، أنها الأقدر على التقدم العملي نحو السلام، وعلى تقديم ما ينبغي عليها تقديمه، ثمناً للسلام المرتجى.
من العبث في ظل هذه الظروف إذن ما تحاوله إسرائيل، ومعها أبو مازن وبعض الحكام العرب، وما تحاول أن تدفع إليه أمريكا واللجنة الرباعية، من الزحف بالمنطقة نحو نهاية لذلك الصراع اللعين.. ما نراه هو مستنقعات من الوحل والدماء ممتدة حتى مرمى البصر، وأي مجهودات تبذل لتحقيق التقدم بالمنطقة، من خلال ذات الأوضاع القائمة عبث محض.. ينطبق ذات الحال على ترتيب الوضع في لبنان، وبدرجة أقل في العراق، الذي فيما يبدو قد بدأ مسيرته نحو الحداثة، خارج المنظومة العربية العروبية البائسة.
يزعم كاتب هذه السطور، أن الأمل الوحيد في حلحلة الوضع الراهن، إن كان هناك بالفعل مجال للأمل، هو في ضرب القوى المظاهرة والممولة لتوجه الصراع من خارج المنطقة، وضرب رأس جسرها بالمنطقة، ونعني بالتحديد إيران نجاد، وسوريا البعث الأسدي، وذلك إما عن طريق إسقاط حكم المتشددين في إيران، ومعه النظام الأسدي الذي امتد طويلاً بعد عمره الافتراضي، وإما توجيه ضربة عسكرية قاصمة لإيران، بالتزامن مع ضربة تكسير ركب لسوريا الأسد.. هذا الكلام يتعارض بالطبع مع توجهات باراك أوباما الطوباوية، التي تنشد الحوار والتفاهم، مع من لا يعرفون لغة الحوار، وغير راغبين في التفاهم من الأساس.
رغم أن الآمال لا مجال لها، ما لم ترتبط بما يبررها على أرض الواقع، إلا أننا نأمل أن تكذب توقعاتنا، وأن ننجح، أو ينجح العالم في دفعنا نحو السلام، فشعوبنا البائسة منهكة بما يكفي، مستهلكة بما يكفي، لكنها مصرة على الجهاد والنضال، بما يكفي أيضاً، لإبادة كل مظهر للحياة، في صحارى العروبة القاحلة.
[email protected]
التعليقات