يجوز أن نتساءل متحيرين، إلى أين يتجه العالم في ما اصطلحنا على تسميته بعصر العولمة، هل يتجه إلى التوحد والتعاون والتكافل، كما يدعي مروجو تلك العولمة، أم يتجه للتفتت والتشرذم والتقاتل؟
يمكننا القول أن انهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية العقد التاسع من القرن الماضي، كان بمثابة سقوط قطعة الدومينو الأولى، لتتوالى بعدها الانهيارات، من انفراط حلف وارسو والكتلة الشرقية، إلى تفتت يوجوسلافيا إلى جزيئيات، والجزيئيات إلى ذرات، كما نرى في جيوب صرب البوسنة وكوسوفو، ومثلها ما نتلمس سخونة معاركه الجارية في جورجيا المنسلخة عن الاتحاد السوفيتي، لتنسلخ عنها بدورها جيوب أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، علاوة على تفاقم المشاكل القديمة المزمنة مثل أكراد تركيا، وتفتت الصومال إلى عصابات، تسيطر كل عصابة على قطعة من الأرض أو قرية أو مدينة، والمأساة الإنسانية في دارفور، بما يجري فيها من إبادة وتطهير عرقي، فاق كل ما شهده العالم من جرائم ضد الإنسانية، حتى لبنان الحمامة الصغيرة الديموقراطية، صارت الآن مقسمة واقعياً، بغض النظر عن الديكور الذي يؤدي الممثلون أمامه لعبة جمهورية موحدة، لمجرد استهلاك الوقت، أو على أمل حدوث معجزة، تُحول المسرحية إلى واقع حقيقي معاش، هذا بالطبع بالإضافة إلى حالات الانشقاق التي وصلت أو تكاد إلى نهاية سعيدة، مثل أكراد العراق وجنوب السودان، فقد وصلا إلى الحكم الذاتي على الأقل، وعلى الزمن أن يبرهن لنا مدى قدرة الفيدرالية الجديدة على الصمود في وجه عوامل الانقسام.
في المقابل نجد أوروبا تتوحد، وحلف الأطلنطي يتوسع، هذا في الغرب، وفي أقصى الشرق دول الآسيان تتوافق وتتناغم اقتصادياً، بما يشكل منحى اقتصادياً توحيدياً يسري بثبات، كما لو كان هو العمود الفقري لحركة التاريخ الإنساني، على الأقل في مرحلته الراهنة.. فأي الاتجاهين يعبر بالفعل عن سمات عصرنا، التفكك إلى درجة التشرذم والتذري، أم التوحد في كيانات عملاقة، عابرة للوطنية والقومية؟
مثل أغلب الأمور، هناك إجابة جاهزة على هذا التساؤل -وكل تساؤل- لدى أحبائنا المناضلين الأشاوس، لا فض فوهم ومات من فرط التحضر حاسدوهم، خلاصتها أننا quot;أحجار على رقعة شطرنجquot;، تحركها يد خفية، توحد من تشاء وتفرق من تشاء، لكننا لفرط ذكائنا وألمعيتنا نعرفها، رغم أن تلك الألمعية ويا للحسرة لم تقدنا إلى حضارة أو نجاح، ولو بالقدر الذي يمكننا من إنتاج رغيف الخبز أو الحذاء الذي ننتعله، وإنما دلتنا فقط على شماعة للفشل، نعتبرها رأس الهيمنة والمؤامرة علينا وعلى العالم، وهي الصهيونية العالمية، المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحاول إعادة تشكيل العالم، وتفتيت أو حتى تحطيم مكوناته القائمة، لإعادة صياغته من جديد، بما يتيح لتلك القوى الهيمنة على مقدرات الشعوب، وتوجيهها بما يتيح استنزاف مواردها، لصالح كذا وكذا وكذا!!
إذا كان البعض يؤمن بمثل تلك الإجابة، إيمانه بالمقدسات الهابطة من السماء، وكان هناك بعض آخر يعد هذا الكلام من قبيل اللغو الفارغ، الذي لا يرشح إلا من عقول خربها الحشيش والأفيون والخرافة، ومن سيكولوجيات مضروبة بالوسواس القهري، فإن علينا أن ندير ظهورنا إلى هؤلاء وأولئك ولو لبعض الوقت، لنحاول أن نجد إجابة لتساؤلنا، تستند إلى حقائق الواقع وملابساته، نكتشف فيها ومن خلالها طبيعة عناصرها، والعلاقات المتبادلة بينها، ومنها نستطيع أن نكتشف طبيعة ومقومات التحلل والتفكك هنا، في مقابل الجمع والتوحد والتوافق هناك.. هذا النهج في التفكير والبحث يختلف بالطبع جذرياً، عن ذاك الذي ينتهجه أشاوس ومجاهدو الأيديولوجيا والدوجما، والذين تترفع عقولهم النابهة عن الواقع، لأنها محشوة بالثوابت والمقدسات والمطلقات.
إذا نظرنا الآن للدوائر التي يحدث فيها التوتر ثم التصادم ثم التفكك، نستطيع أن نكتشف بسهولة أنها كانت بالأساس كيانات يسودها القمع والقهر لكافة مكوناتها الأصغر، وللإنسان الفرد بصفة عامة، وليس فقط للأقلية المتمردة أو المتظلمة، هنا يجب أن نرصد أمران، الأول أن التمرد يكون أساساً مرجعه معاناة القهر في حياة الإنسان الفرد، والثاني أن التوحيد المظهري ndash;والذي قد يتباكى عليه البعض- هو توحيد قائم على القهر، وليس على الرغبة في العيش المشترك بين مختلف المكونات.. نلاحظ أيضاً أن الأقليات المتضررة في تلك الكيانات، والتي أتاحت لها ظروفها بعضاً من مقومات التمرد والرفض، بدأت تمردها قبل عصرنا الحالي، الذي أرخنا له منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين، وبعضها كان قد مني بالفشل وسكن إلى حين، مثل دول أوروبا الشرقية، كالمجر وتشيكوسلوفاكيا، والبعض الآخر استمر في نضاله لنيل الحرية، في ظروف لا توفر له الحد الأدني اللازم لتحقيق ما يصبو إليه، ومثالنا القريب هنا نضال أكراد العراق والجنوب السوداني.
في الناحية الأخرى من العالم، حيث يسري تيار التوحد، نستطيع بسهول أن نرصد اتصاف ذلك العالم بالحرية واحترام فرادة وإنسانية الإنسان، ومن الطبيعي أن يسري هذا على الأقليات باختلاف تصنيفاتها، كما يسري على الأغلبية، لنجد أيضاً عكس العاملين اللذين رصدناهما أعلاه، وهو أن الاقتناع الفردي والجمعي بالحياة المشتركة، يرجع إلى الرضى العام بالحياة لإنسان تلك الكيانات، كما يرجع ائتلاف المكونات إلى الرغبة في العيش المشترك، وهي الرغبة التي تتولد ليس بمجرد قناعات فكرية أو أيديولوجية بأهمية الوحدة، كتلك التي يسوقها إلينا أصحاب أيديولوجيا العروبة، وإنما القناعة القائمة على أساس علاقات مادية وثقافية متفق عليها، ويراها الجميع محققة لطموحاتهم.
ما نخلص إليه من هذه السطور هو أن عالم القهر والاستبداد يتفكك ويتحلل، فيما عالم الحرية والمساواة والإنسانية يتجمع ويتعاظم، ونحن بالطبع لم نسطر ما سطرنا لمجرد إدانة ما يحدث هنا، وتمجيد ما يحدث هناك، لكننا نسعى لمحاولة أكثر مصداقية لفهم عالمنا، واستكشاف مسيرة الإنسانية في مرحلتها الراهنة، فالفشل في قراءة مسيرة العصر والتاريخ، يعني السقوط الذي لا منجاة لنا منه، مهما بالغنا في الصياح، أو في التنديد والشجب والإدانة، وهو ما لا نكاد نفعل غيره.
لا بأس إذن من أي انشقاقات أو تقسيمات قديمة قائمة على القهر.. لا ينبغي أن تزعجنا أو نستشعر منها التهديد لكياننا، فالكيان المترابط القائم على الحرية والمقومات المادية الراسخة للتوحد هو الأقوى والأفضل، مهما صغر حجمه من الزاوية الكمية، لأنه سيكون أعظم بما لا يقاس من الناحية الكيفية، كما قد يمكننا إعادة ترتيب حياتنا على أسس إنسانية وحضارية معاصرة، أن نعيد اجتذاب الموشك على الانسلاخ، أو ما انسلخ فعلاً، ونعود هنا كأمثلة لحالتي أكراد العراق وشعب الجنوب السوداني، حيث حصل الإقليمان حتى الآن على الحكم الذاتي في نطاق الفيدرالية، فإذا ما نجح العراق والسودان في إعادة ترتيب البيت، فإن الأمر سيتوقف عند حدود الفيدرالية، بل ويكون مرشحاً للحركة نحو التوحد والتوافق، أما في حالة الفشل في اعتناق روح العصر، فلا مناص من أن تسوء الأمور،وتتجه نحو الانفصال، أو حتى الاشتباك والصدام.
أمامنا أيضاً مثال لإعادة التجمع على أسس حقيقية وعصرية جديدة بعد مرحلة الانشقاق، فيما يجمع الآن اتحاد الجمهوريات التي انتمت في الماضي للاتحاد السوفيتي، فهي تجتمع الآن برغبتها الخالصة، وبالدرجة التي تسمح بها الظروف الواقعية، وليس بناء على الإملاءات الأيديولوجية وتهديد السلاح، وهي بهذا تشكل كياناً قوياً قادراً على الاستمرار والحياة، وهو أقوى من الكيان البائد، حتى لو كانت درجة الارتباط بين مكوناته أضعف، فقوة الكيان ليست في تعاظم درجة الارتباط بين مكوناته، وإنما في مدى متانة تلك الارتباطات، وتوافقها مع حقائق الواقع بمختلف مناحيه.
لابد من أن نعمل على إخراج قطار حياتنا عن قضبانه الأزلية، ليجد له طريقاً جديداً، ورؤية جديدة لحياتنا ولأنفسنا وللعالم من حولنا.
[email protected]
يمكننا القول أن انهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية العقد التاسع من القرن الماضي، كان بمثابة سقوط قطعة الدومينو الأولى، لتتوالى بعدها الانهيارات، من انفراط حلف وارسو والكتلة الشرقية، إلى تفتت يوجوسلافيا إلى جزيئيات، والجزيئيات إلى ذرات، كما نرى في جيوب صرب البوسنة وكوسوفو، ومثلها ما نتلمس سخونة معاركه الجارية في جورجيا المنسلخة عن الاتحاد السوفيتي، لتنسلخ عنها بدورها جيوب أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، علاوة على تفاقم المشاكل القديمة المزمنة مثل أكراد تركيا، وتفتت الصومال إلى عصابات، تسيطر كل عصابة على قطعة من الأرض أو قرية أو مدينة، والمأساة الإنسانية في دارفور، بما يجري فيها من إبادة وتطهير عرقي، فاق كل ما شهده العالم من جرائم ضد الإنسانية، حتى لبنان الحمامة الصغيرة الديموقراطية، صارت الآن مقسمة واقعياً، بغض النظر عن الديكور الذي يؤدي الممثلون أمامه لعبة جمهورية موحدة، لمجرد استهلاك الوقت، أو على أمل حدوث معجزة، تُحول المسرحية إلى واقع حقيقي معاش، هذا بالطبع بالإضافة إلى حالات الانشقاق التي وصلت أو تكاد إلى نهاية سعيدة، مثل أكراد العراق وجنوب السودان، فقد وصلا إلى الحكم الذاتي على الأقل، وعلى الزمن أن يبرهن لنا مدى قدرة الفيدرالية الجديدة على الصمود في وجه عوامل الانقسام.
في المقابل نجد أوروبا تتوحد، وحلف الأطلنطي يتوسع، هذا في الغرب، وفي أقصى الشرق دول الآسيان تتوافق وتتناغم اقتصادياً، بما يشكل منحى اقتصادياً توحيدياً يسري بثبات، كما لو كان هو العمود الفقري لحركة التاريخ الإنساني، على الأقل في مرحلته الراهنة.. فأي الاتجاهين يعبر بالفعل عن سمات عصرنا، التفكك إلى درجة التشرذم والتذري، أم التوحد في كيانات عملاقة، عابرة للوطنية والقومية؟
مثل أغلب الأمور، هناك إجابة جاهزة على هذا التساؤل -وكل تساؤل- لدى أحبائنا المناضلين الأشاوس، لا فض فوهم ومات من فرط التحضر حاسدوهم، خلاصتها أننا quot;أحجار على رقعة شطرنجquot;، تحركها يد خفية، توحد من تشاء وتفرق من تشاء، لكننا لفرط ذكائنا وألمعيتنا نعرفها، رغم أن تلك الألمعية ويا للحسرة لم تقدنا إلى حضارة أو نجاح، ولو بالقدر الذي يمكننا من إنتاج رغيف الخبز أو الحذاء الذي ننتعله، وإنما دلتنا فقط على شماعة للفشل، نعتبرها رأس الهيمنة والمؤامرة علينا وعلى العالم، وهي الصهيونية العالمية، المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحاول إعادة تشكيل العالم، وتفتيت أو حتى تحطيم مكوناته القائمة، لإعادة صياغته من جديد، بما يتيح لتلك القوى الهيمنة على مقدرات الشعوب، وتوجيهها بما يتيح استنزاف مواردها، لصالح كذا وكذا وكذا!!
إذا كان البعض يؤمن بمثل تلك الإجابة، إيمانه بالمقدسات الهابطة من السماء، وكان هناك بعض آخر يعد هذا الكلام من قبيل اللغو الفارغ، الذي لا يرشح إلا من عقول خربها الحشيش والأفيون والخرافة، ومن سيكولوجيات مضروبة بالوسواس القهري، فإن علينا أن ندير ظهورنا إلى هؤلاء وأولئك ولو لبعض الوقت، لنحاول أن نجد إجابة لتساؤلنا، تستند إلى حقائق الواقع وملابساته، نكتشف فيها ومن خلالها طبيعة عناصرها، والعلاقات المتبادلة بينها، ومنها نستطيع أن نكتشف طبيعة ومقومات التحلل والتفكك هنا، في مقابل الجمع والتوحد والتوافق هناك.. هذا النهج في التفكير والبحث يختلف بالطبع جذرياً، عن ذاك الذي ينتهجه أشاوس ومجاهدو الأيديولوجيا والدوجما، والذين تترفع عقولهم النابهة عن الواقع، لأنها محشوة بالثوابت والمقدسات والمطلقات.
إذا نظرنا الآن للدوائر التي يحدث فيها التوتر ثم التصادم ثم التفكك، نستطيع أن نكتشف بسهولة أنها كانت بالأساس كيانات يسودها القمع والقهر لكافة مكوناتها الأصغر، وللإنسان الفرد بصفة عامة، وليس فقط للأقلية المتمردة أو المتظلمة، هنا يجب أن نرصد أمران، الأول أن التمرد يكون أساساً مرجعه معاناة القهر في حياة الإنسان الفرد، والثاني أن التوحيد المظهري ndash;والذي قد يتباكى عليه البعض- هو توحيد قائم على القهر، وليس على الرغبة في العيش المشترك بين مختلف المكونات.. نلاحظ أيضاً أن الأقليات المتضررة في تلك الكيانات، والتي أتاحت لها ظروفها بعضاً من مقومات التمرد والرفض، بدأت تمردها قبل عصرنا الحالي، الذي أرخنا له منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين، وبعضها كان قد مني بالفشل وسكن إلى حين، مثل دول أوروبا الشرقية، كالمجر وتشيكوسلوفاكيا، والبعض الآخر استمر في نضاله لنيل الحرية، في ظروف لا توفر له الحد الأدني اللازم لتحقيق ما يصبو إليه، ومثالنا القريب هنا نضال أكراد العراق والجنوب السوداني.
في الناحية الأخرى من العالم، حيث يسري تيار التوحد، نستطيع بسهول أن نرصد اتصاف ذلك العالم بالحرية واحترام فرادة وإنسانية الإنسان، ومن الطبيعي أن يسري هذا على الأقليات باختلاف تصنيفاتها، كما يسري على الأغلبية، لنجد أيضاً عكس العاملين اللذين رصدناهما أعلاه، وهو أن الاقتناع الفردي والجمعي بالحياة المشتركة، يرجع إلى الرضى العام بالحياة لإنسان تلك الكيانات، كما يرجع ائتلاف المكونات إلى الرغبة في العيش المشترك، وهي الرغبة التي تتولد ليس بمجرد قناعات فكرية أو أيديولوجية بأهمية الوحدة، كتلك التي يسوقها إلينا أصحاب أيديولوجيا العروبة، وإنما القناعة القائمة على أساس علاقات مادية وثقافية متفق عليها، ويراها الجميع محققة لطموحاتهم.
ما نخلص إليه من هذه السطور هو أن عالم القهر والاستبداد يتفكك ويتحلل، فيما عالم الحرية والمساواة والإنسانية يتجمع ويتعاظم، ونحن بالطبع لم نسطر ما سطرنا لمجرد إدانة ما يحدث هنا، وتمجيد ما يحدث هناك، لكننا نسعى لمحاولة أكثر مصداقية لفهم عالمنا، واستكشاف مسيرة الإنسانية في مرحلتها الراهنة، فالفشل في قراءة مسيرة العصر والتاريخ، يعني السقوط الذي لا منجاة لنا منه، مهما بالغنا في الصياح، أو في التنديد والشجب والإدانة، وهو ما لا نكاد نفعل غيره.
لا بأس إذن من أي انشقاقات أو تقسيمات قديمة قائمة على القهر.. لا ينبغي أن تزعجنا أو نستشعر منها التهديد لكياننا، فالكيان المترابط القائم على الحرية والمقومات المادية الراسخة للتوحد هو الأقوى والأفضل، مهما صغر حجمه من الزاوية الكمية، لأنه سيكون أعظم بما لا يقاس من الناحية الكيفية، كما قد يمكننا إعادة ترتيب حياتنا على أسس إنسانية وحضارية معاصرة، أن نعيد اجتذاب الموشك على الانسلاخ، أو ما انسلخ فعلاً، ونعود هنا كأمثلة لحالتي أكراد العراق وشعب الجنوب السوداني، حيث حصل الإقليمان حتى الآن على الحكم الذاتي في نطاق الفيدرالية، فإذا ما نجح العراق والسودان في إعادة ترتيب البيت، فإن الأمر سيتوقف عند حدود الفيدرالية، بل ويكون مرشحاً للحركة نحو التوحد والتوافق، أما في حالة الفشل في اعتناق روح العصر، فلا مناص من أن تسوء الأمور،وتتجه نحو الانفصال، أو حتى الاشتباك والصدام.
أمامنا أيضاً مثال لإعادة التجمع على أسس حقيقية وعصرية جديدة بعد مرحلة الانشقاق، فيما يجمع الآن اتحاد الجمهوريات التي انتمت في الماضي للاتحاد السوفيتي، فهي تجتمع الآن برغبتها الخالصة، وبالدرجة التي تسمح بها الظروف الواقعية، وليس بناء على الإملاءات الأيديولوجية وتهديد السلاح، وهي بهذا تشكل كياناً قوياً قادراً على الاستمرار والحياة، وهو أقوى من الكيان البائد، حتى لو كانت درجة الارتباط بين مكوناته أضعف، فقوة الكيان ليست في تعاظم درجة الارتباط بين مكوناته، وإنما في مدى متانة تلك الارتباطات، وتوافقها مع حقائق الواقع بمختلف مناحيه.
لابد من أن نعمل على إخراج قطار حياتنا عن قضبانه الأزلية، ليجد له طريقاً جديداً، ورؤية جديدة لحياتنا ولأنفسنا وللعالم من حولنا.
[email protected]
التعليقات