سعدت كما سعد الملايين من المصريين داخل مصر وخارجها بالفوز الرائع لمصر ليس فقط بكأس أفريقيا للمرة السادسة وللمرة الثانية على التوالى، ولكن لفوزها الكاسح على أفضل فريقين من أفريقيا الكاميرون وساحل العاج وكلاهما كان مرشحا للفوز بالبطولة، وكلاهما يضم بعض أفضل لاعبى الأندية الأوروبية العريقة مثل برشلونة والأرسنال وتشيلسى ومانشيستر يونايتد، ولم يكن يتوقع أحد أن تفوز مصر بالبطولة وخاصة بعد أدائها المتواضع فى المباريات التجريبية قبل البطولة، وفازت مصر بجدارة لاعبيها ومدربها وبفضل الخطط التكتيكية وليس بفضل دعاء الوالدين، والحقيقة أن أكثر ما أثر فىّ أيضا هو أن المدرب المصرى إستطاع التفوق على بعض المدربين الأوربيين العالميين، وأن اللاعب المصرى إستطاع التفوق على اللاعب الأوروبى، وهذا أعطانى الأمل الكبير بأن هذا الشعب المصرى العريق والقديم قدم التاريخ من الممكن إذا إتيحت له الفرصة والتدريب والعلم وجدية الإدارة فإن بإمكانه أن يفعل الكثير، بل وفى إستطاعته المنافسة على المستوى العالمى، وهذا ماقالته صحيفة النيويورك تايمز العريقة تعليقا على الفوز المصرى الرائع، إذ قالت: أن عالم كرة القدم ينتظر الكثير من فريق مصر فى كأس العالم القادم سنة 2010، وهذا هو قدر مصر، فللأسف إكذوبة أن مصر من دول العالم الثالث قد (لبست) مصر بسبب فساد الإدارة فى النصف قرن الماضى، ولكن هناك تحت الرماد مايشير إلى أن جذوة الأمل مازالت مشتعلة، وحرصا منى على ألا تنطفئ جذوة الأمل تلك قررت أن أسعى لإستثمار فوز مصر الرائع على مستوى كل الأنشطة فى مصر، فتوجهت فورا إلى القاهرة وكلى عزم وتصميم على أن أنتهز فرصة الفرحة الشعبية العارمة والتى لم أشهد لها مثيلا من قبل، لكى تعطينى دفعة لإستثمار تلك الفرحة وتلك الروح.

وسألت الأصدقاء فى القاهرة عن كيفية إستثمار هذا الفوز، فنصحنى علية القوم أنه ينبغى علىّ أن أتوجه إلى هيئة الإستثمار، فتوجهت إلى مبنى هيئة الإستثمار بالقاهرة، وبهرت بروعة المبنى و شياكته، وتوجهت إلى الفتاة الجميلة فى الدور الأرضى، وطلبت منها أن أقابل مسئولا عن الإستثمار، فسألتنى إن كنت مستثمرا مصريا أم أجنبيا فأخبرتها بأننى مصرى، ولكنى أحمل الجنسية الأمريكية فقالت لى: أنصحك أن تتقدم كمستثمر أجنبى وستجد أن التسهيلات أكثر، وياريت لو المرة الجاية تجيب معاك خواجة أشقر بعيون زرقاء، حتى لو كنت جايبه من على أى بار، بس لبسه بدلة نظيفة، وإنت كل الأبواب حتنفتح أمامك، وشكرتها على النصيحة الغالية، ثم وجهتنى إلى الدور الرابع لكى أقابل الحاجة (روحية العقاد) مسئولة إستثمار رأس المال الأجنبى.
وصعدت بالمصعد الفخم ووجدت عامل المصعد يرتدى يونيفورم جميل عليه بادج باللغتين العربية والإنجليزية (هيئة الإستثمار).
وسألت عن الحاجة روحية، فقال لى عامل المصعد أن أقابل سكرتيرتها الآنسة شادية، وتوجهت للآنسة شادية، وسألت عن الحاجة روحية، فقالت لى: الحقيقة الحاجة روحية فى مأمورية فى السعودية، فسألت من باب الفضول: أكيد راحت تجيب مستثمرين سعوديين للإستثمار فى مصر، فقالت لى الآنسة شادية: لأ، دى مع مجموعة من هيئة الإستثمار فى مأمورية لأداء فريضة العمرة، عقبالك إن شاء الله، فسألت: وياترى ماحدش بيقوم بعملها أثناء غيابها، فردت شادية: آه.. حضرتك ممكن تقابل محسن بيه، وأدخلتنى إلى محسن بيه، فوجدت امامى شابا فى أواخر الثلاثينات من عمره حيانى بترحيب، وطلب لى كوب ليمون ساقع، ودار بيننا الحوار التالى:
- أنا جاى علشان أعمل إستثمار فى مصر.
- وسيادتك مستمثر أجنبى أو مصرى.
(ووجدتنى بلا شعور آخذ بنصيحة فتاة الإستقبال واقول):
- إستثمار أجنبى.
(فأخرج من درجه أوراق كثيرة فيما يشبه الدفتر):
- يبقى سيادتك يلزمك تملأ الأوراق دى كلها.
- أملأ كل الأوراق دى، مش كثير شوية.
- لأ يابيه، ده إحنا يادوب لسه عاملين تسهيلات للمستثمرين (وبالذات الأجانب) إختصرنا الإستمارات والأوراق المطلوبة، الطلبات القديمة كان مقاسها قد دليل التليفون، لكن البركة فى الحاجة روحية هى إللى قدرت تقنع رئيس الهيئة، إنه يختصرها حتى أصبحت خمسين صفحة بس، الحاجة روحية دى بركة، حظك وحش إنها مش موجودة، لكنك أكيد حتشوفها، ما هو سيادتك حتشرفنا كثير هنا.
- الشرف لىّ.
- وسيادتك ناوى تبنى مشروع إيه؟
- أنا عاوز أبنى مشروع قومى.
- أيوه يعنى.. مشروع صناعى أو سياحى أو تجارى أو زراعى.
- أنا عندى مشروع إستثمارى لإعادة بناء الإنسان المصرى .
- معلهش أنا سيادتك لسه جديد هنا نسبيا، وقبل كده كنت بأشتغل فى هيئة الآثار، والبركة فى الحاجة روحية، هى إللى عينتنى علشان كانت زميلة مراة خالى فى مدرسة شبين الكوم الثانوية، فياريت توضح طبيعة النشاط.
- يامحسن بيه، أنا عاوز أستثمر نجاح اللاعب المصرى والمدرب المصرى والإدارى المصرى فى كأس أفريقيا وأن أبدأ بتطبيقه على مصر كلها.
- ده شئ عظيم ياباشمهندس، بس مشروع بناء الإنسان ده لا يندرج تحت أى مشروع من مشروعات هيئة الإستثمار إللى عندنا، سيادتك ممكن تروح مكتب رئاسة الوزراء فى القصر العينى وهمه ممكن يدلوك على طريقة عمل مشروع بناء الإنسان ده.
- ده مشروع قومى ممكن تطبيقه على مصر كلها، ضرورى يكون فى كل إدارة وفى كل شركة وفى كل مدرسة واحد زى المعلم حسن شحاتة، ويكون بيساعده ناس زىشوقى غريب ومحمد زيدان وأبو تريكة وعمرو زكى وحسنى عبد ربه وعصام الحضرى وغيرهم.
- يعنى سيادتك عاوز الكابتن حسن شحاتة يمسك البلد؟!
(وخشيت أن تكون المقابلة مسجلة، فقلت):
- لأ مش قصدى، بس أنا قصدى لو كل واحد عمل نفس مجهود الكابتن حسن شحاتة وبقية الفريق يبقى أكيد، البلد حالها حيتغير كثير.
- طلبك مش عندى ياباشمهندس (ومد يده وأخذ الأوراق التى أعطانى إياها منذ دقائق)، ثم جاء الفراش بكوب الليمون الساقع:
- إشرب... إشرب ياباشمهندس.. طرى على قلبك.
وشربت الليمون الذى جاء فى وقته، ثم سألته:
- إيه رأيك بقى يامحسن بيه؟
- رأئى فى إيه ياباشمهندس، إنت عاوز تخللى البلد كلها تبقى فريق كورة.
- وإيه المانع لو كلنا نلعب بنفس روح فريق مصر.
- ياباشمهندس دى حاجة بنعملها مرة كل سنتين (حتى مش دايما).
- وليه ياأخى مانعملهاش على طول؟!!
- إحنا نفسنا قصير.
- نطوله ياأخى.
- يابيه نص البلد يادوب بتفك الخط، والنص الباقى يادوب بيعرف الألف من كوز الدرة.
- لأ أنا مش معاك يامحسن بيه إنت متشائم.
- لأ إنت باين عليك عشت فى أمريكا كثير.
- المواطن المصرى لا يقل عن المواطن الأمريكى، لكن الأمريكى يتفوق لأنه بيعرف يشتغل بروح الفريق.
- ياباشمهندس أنا جاى من الفلاحين، من المنوفية، وكنت بأشوف عندنا الفلاحين فى البلد بيشتغلوا جامد فى أول الزراعة، وبعدين يشتغلوا جامد أثناء جمع المحصول، ومعظم السنة تلاقيهم قاعدين على المصطبة. إحنا ناس موسميين بطبيعتنا.
- ما هو إحنا ضرورى نغير الطبيعة دى، لأن القطار فاتنا، وضرورى نلحقه.
- قطار إيه خير؟
- ياأخى قصدى قطار التقدم والحداثة.
- إحنا يمكن يكون فاتنا قطار الحداثة، بس إحنا قاعدين ومستربعين درجة اولى فى قطار الحداقة!!
وضحكنا ضحكة مجلجلة!!
[email protected]

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه