quot;كلّ من شاء أن يلطم المجرم بيمينه، يجدر به أولا أن ينظر ببصيرة ذهنه إلى روح من أوقع الجرم عليه quot;
جبران

إن العقل السياسي المنبني على الذهنية الانفعالية يسعى إلى تكريس العنف ويتجلى ذلك في مظاهر القمع المتنوع وفي درجات الخوف المصاحبة لذلك، مستخدمًا لذلك الخطاب الايديولوجي ذريعة لسلوكه بحيث يصبح النص اللاهوتي ساحة عراك مفتوحة للاجتماعي والفكري والسياسي، وتهدف السلطة كما الأطراف المتصارعة من خلال التأويل الى إعطاء quot;ايديولوجيتها quot; المشروعية الاولى والعليا.

لذلك نجد ان العقل السياسي المسيطر يسعى دائما الى دعم الخيارات العنفية والسبب في ذلك يكمن في أن السلطة السياسية تريد ضمان سيادة أيديولوجيتها الحاكمة التي تضمن لها اعادة انتاجها من جديد وذلك لاسباب عدة منها: السلطة السياسية تريد ابقاء استمرار سلطة القوة على حساب سلطة العقل والفكر؛ السلطات السياسية لا ترغب في في تغيير المرتكزات البنيوية للمجتمعات التي تسيطر عليها كما ان quot;السياسي quot; لا يقرّ عمليا بضرورة ان تكون اسس التكوين والبرهان والنقد اسسا ديموقراطية، السلطة السياسية تتهرب دائما من حق الاخر بالاختلاف معها مع ما يرافق ذلك من كتم الحوار والسجال وشتى انواع القمع.
و تتمظهر هذه العلاقات الإنفعالية من خلال نزاعات وصراعات دامية، تتشكل بسرعة مذهلة لا سيما في التجمعات العنصرية، التي تخشى على هويتها بشكل دائم، كما أن الارغام على الاستمرار في الصراعات سببه بالدرجة الاولى ان المفهوم المعتاد في خلفيتنا الفكرية هو النصر أو الهزيمة، وبما أننا نشعر بأن الغير هم على خطأ فإنهم يستوجبون العقاب....
إذن هناك أزمة حقيقية في البنية الفكرية، وحل النزاعات والخروج من حلقة العنف يتطلب ابتكار أساليب غير معهودة، فالنزاعات المسلحة والصراعات ليست مؤشرًَا لانجاز أي شيئ قد نعتبره الاسلوب الوحيد، لأننا في واقع الأمر لم نبتكر طرقا افضل لحل الصراعات، و جل ما نقوم به لا يتجاوز استنتاجات انفعالية غير منتجة على المستوى الحضاري لأنها ليست نابعة عن خبرة معاشة.
ان طريقة التفكير الانفعالية ترمي بنا في صراعات دامية وهذا التفكير الجدلي الصراعي هو شكل عاجز ومحدود من انماط التفكير ويؤدي الى تحويلها الى إعدامات جماعية معنوية ومجاز حسية.
وإذا ما استعرضنا واقع الصراعات المسلحة في الخمسين سنة الأخيرة نتساءل بتجرد، هل يوجد نصر كامل ام هزيمة كاملة؟؟؟
لا يوجد في واقع الأمر نصر كامل، لأن النصر يعني حسم الصراع من خلال وضع حدّ نهائي وهو أمر مستحيل برغم الترسانات النووية المنتشرة في العالم، وان جلّ ما يقوم به quot;المنتصرquot;هو ممارسة سياسة الاذلال، غير ان الإذلال هذا لا يحسن العلاقات بين الطرفين المتنازعين بل على العكس فإنه يزيد من الاحقاد...

وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال ملحّ مفاده: ما هي فائدة الصراعات من دون احراز انتصار؟؟
ربما البعض يراها جيدة في احراز تسويات معينة لانها الوسيلة العملية لتحريك الانظمة السياسية، وهي استراتيجية بطيئة الغرض منها دفع الامور باتجاه معين، وما التسويات العربية الاسرائيلية عنّا ببعيد، فكلها تسويات انفعالية تكرس العنف وتمارس الاذلال تحت شعارات فاضلة...

فالمفاوضات هي في حقيقتها ليست إلا مساومة اخذ وعطاء، في حين ان الابداع يتوفر من خلال القيم لا السلطة، لذلك فالمفاوضات الجارية حاليًَا في الدول العربية حول مختلف القضايا، لا تؤدي الى حلول بل الى تأجيل آني للاشكالات، وهي بمثابة ثلاجة المشاكل المؤجلة حتى اشعار آخر، ويندرج عمل القمة العربية في هذا السياق، حيث يخرج المؤتمرون كل مرة بتوصيات أشبه ما تكون بمخدر يعطى للأزمات المتفاقمة، و يمنح الحكومات العربية والانظمة شيئ من الثقة بالنفس والمقدرة على الاستمرار في تكريس صلاحياتها على شعوبها...فالافتراضات مسبقة والاجوبة الجاهزة معدة سلفًا...
إن أحوج ما تحتاجه الانسانية اليوم للتخلص من الصراعات هو اعتماد تفكير ومنطق مغاير تماما للمنطق السائد حاليا، ومغاير تماما لمنطق من يصنف انه الخصم، من خلال تنمية آليه تطوير نظم جديدة من التفكير منبنية على تغيير الجذري، للانتقال من اسلوب الصدام الادراكي Perceptual Clash الى اسلوب البناء والتصميم الابداعي Creative Design
هذا الاسلوب يعتمد أمرين: الأول الخروج عن المذهب العقلي الادراكي الصرف وثانيًا اعتماد استراتيجية تشتيت الصراعات.
فالمذهب العقلي الصرف intellectualism بوصفه اتجاهًا يرد الاحكام الى ذهن الانسان فقط لا الى إرادته يغلق الباب أمام فهم الظواهر اللاإرادية والوجدانية علمًا أن بعض العلماء يعتبر أن المواجد جزء من عمل الذهن نفسه.
والامر الاخر هو تبديد تركيبة النزاعات (دي كونفلكشن De conflection) اي تشتيت أسس الصراع و بذل الجهود المطلوبة لتبديده، وهو المعنى المضاد لكونفلكشن confliction التي تعني تهيئة الاجواء للصراع وتشجيعه، وهي مجمل الامور التي تحدث عمدًا قبل نشوب الصراع الفعلي.

فنحن في جوهر الأمر تحكمنا حتميات نصفها بأنها منطقية، ولكنها هي منطقية فقط ضمن محيطها الجغرافي والزماني والتاريخي هي ليست حتمية مطلقة ودائمة، هذا الأمر ينسحب على بقية المفاهيم بما فيها الفلسفية...
فهل علينا أن نواصل من خلال quot;صراع الحتميات quot; أم أننا نستطيع ان نعبر ونتجاوز ونمر؟
يمكن العبور بطبيعة الحال عبر إدراك المستويات المتعددة للواقع وتجاوز البعد الزماني والمكاني المقيد، واعتماد اسلوب ذهني غير منفعل يعتمد طريقة مختلفة لإدراك الواقع بحيث يرى الشيئ عاريًا مجردا دون معرفة ذهنية قبلية وبدون تشويش انفعالي.
لغاية اليوم لم يكن الكائن الانساني متحضّرًا أو مثقّفًا أو متدينا،فباسم الحضارة قام بجميع الأعمال الوحشية وتحت شعار الدين ارتكب الموبقات، وفي ظل الثقافة مارس جميع انواع البدائية والحيوانية!!

لقد ابتعد الانسان عن الحقائق الوجودية بأننا ككائنات بشرية جميعنا واحد وهذا ليس من باب الافتراض الطوباوي، بل تجارب جميع الحكماء على مدى العصور والتي تثبت أن الوجود بكليانيته وحدة واحدة عضوية.
إنها رؤية ترقى بالانسان لاستخدام تفكير ايجابي لا يغفل عمل الروح، ويضع خبرة الكائن في اطار وحدة الوجود، فتتلاشى الصراعات وتتولد الحلول، إنها مسألة عبور نحو السلام...
quot; أسلك طرقًا تتقاطع مع كل انسانْ
أعبر مستويات الوجود الآن
أعبر الواقع والذات
أطيرُ إلى أبعدِ.. من أبعدِ جَوهَرٍ
أتجاوز الأسباب... والمُسببات
أمرّ.. فوق كل الكلمات والتسميات
هناك عندَ الرُّوح تهدأ رُوحِي
و تَسكن عند إبداع... انسان
فما آلمنِي....صِراعٌ أدلجتْ أطْرَافُه
و اكتويت لجرحِ أي كائنٍ....
واعبر اليوم لأجل انسان quot;
كاتبة لبنانية